الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة تميم البرغوثي، إعادة إنتاج للشعر الشعبوي

نادية عيلبوني

2011 / 1 / 12
الادب والفن


ترى ما هو جديد المضامين الشعرية للبرغوثي ؟ وفي أي إطار يمكننا أن نضع "تجربة" الشاعر الشاب ؟ وما هو سر تمنّع النقاد والمهتمون بالأدب من الاقتراب من حالة البرغوثي والغوص فيما تحمله من أشكال ومضامين ودلالات؟ وهل يعني أن الصمت لدى كل هؤلاء، أصبح هو الوسيلة الفضلى لتجنب غضب العامة الذين" بايعوا" البرغوثي كأمير للشعراء؟
هذه الأسئلة ومثيلاتها،تراود الكثيرين منا،دون أن نقرأ من النقاد بالمقابل أية محاولة للإجابة عنها ، لا تلويحا ، ولا تلميحا ، لا همزا ، ولا لمزا. ما هو السر في هذا يا ترى؟
لا يمكننا تفسير سر شعبية "تميم البرغوثي" دون ربطها بأوتار الحالة الثقافية التي تعيشها المنطقة العربية بعمومها ، تلك الحالة التي تظهر أمامنا في عريها الكامل في هذا التلفت الدائم إلى الخلف . والخلف هنا، هو الماضي الذي لا يزال بقيمه وعاداته وأعرافه، ورموزه ،يعيد إنتاج نفسه ويتحكم من جديد بكل مفاصل حياة شعوب لم تجد فرصتها للدخول إلى عالم الأحياء من الباب الطبيعي الذي دخل منه الآخرون. ولعل أحد أهم تجليات هذا الماضي، تكون تلك الحالة النرجسية التي تأتي تعويضا عن النقص والترهل والشيخوخة التي أصابت كافة أعضاء جسد الثقافة العربية بعمومها،أو هي الحصاد المر نتيجة لتقهقرها التراجيدي أمام الثقافات الأخرى .
وتتجلى تلك الماضوية أيضا، بتلك الرغبة العارمة للعودة إلى ماضي الأسلاف بكل رموزه وفرسانه التي خلع عليها المخيال الشعبي السائد هالات أسطورية خارقة ومبهرة إلى الحد الذي لم تعد تفسح بالمجال لأية رؤى أخرى .مخيلة لا تبتدع حاضرا ولا تستشرف مستقبلا، بقدر ما تقتات على الفضلات التي خلفتها الأجداد . ثقافة استطاع المتمرسون في تجديد " الروبابيكيا" رتقها وتلميعها لتبدو في صور ناصعة البياض . نقية، وطاهرة تماما ،من دنس ثقافة "الغرباء" ومن وشمهم على جلدها ولحمها.
هنالك بلا شك، أجواء ملتبسة دائما، تجعل أمر افتراض العفة والنقاء الخالص في الماضي الثقافي أمر غير قابل للمراجعة ولا يحتمل الجدل، إلى الحد الذي يتعذر معه ، ليس فقط ،الإمساك بتلابيب هذا الماضي من رقبته لمساءلته،بل متعذر أيضا، وربما بالقدر نفسه، حتى لمسه. ماض محاط بخرسانة من ؤؤالتقديس ، وعلى أسواره تجمّع كل حماة العقائد وفرسانها .
صه... صه... صه..!!! فالوقوف أمام الأضرحة يشترط الصمت والخشوع الكلي الذي لا يحتمل بسمة هزء ، أو حتى همسة هنا ، أو غمزة هناك.
في ظل هذا الطقس الذي يشترط كل مظاهر القداسة ظهر المقرىء الشيخ في هيئة شاعر شاب ليكون ناطقا بماضي تلك الكتل البشرية التي لا زالت تبحث عن هويتها في قبور الأولياء ، والفرسان القدامى.
هو مقرىء الجميع بلا منازع،يحمل دون كلل، نير كل المتعبين والمثقلين بحمولة التاريخ. يمتلك قدرة هائلة على التحدث باسم جميع الجثث التي أثقلت أرضنا وحاضرنا ، مدعيا قدرته على مصالحتها براوية شعرية هنا، وحديث نبوي هناك. يمتلك سرعة بديهة حاضرة تسعفه دوما إلى حد الذي لا يتردد معه في الدخول إلى كافة الحقول المفخخة بالألغام المحظورة .لديه موهبة مذهلة في توظيف الله ورسوله ورموز أبطال الجاهلية معا، إن لزم الأمر لخدمة شيوخ معاصرين ، فيمر على حديث الكساء ليؤكد أن الشيخ حسن هو الوريث الشرعي والوحيد للخلافة التي يبحث عنها هذا الشيخ داخل لحم ودم الأحياء في بلد يسمى لبنان. فيبكي المريدون وهم يهللون ويكبرون للشاعر والشيخ.عافاك...عافاك ..!!أين بطن هذا الذي حملك ، وأجج عبقريتك التي شرعّت فتوى سيوفنا كي تخترق أجساد أبناء عاهرة تسمى بيروت؟؟؟ويهيج الشاعر ،فيتناول بخفة بهلوانية كساء الرسول إلى قصيدته وينحني بها ليلقيها على أكتاف الشيخ :

ولأني من الشعراء ولست من الفقهاء
ولا أبتغي أن أحوّل هذه القصيدة درسا في علم الأصول
أقول
وأجري على الله فيما أقول
باني سأدخل فيه الذين أبوا أن يذلوا لغاز أتاهم
وأخرج منه الذين على العكس منهم أباحوا لحاهم
فمن رد كيد اليهود بلبنان عندي
سيدخل تحت الكساء
ومن رد كيد التحالف عن شارع في العراق
سيدخل تحت الكساء
وإن كان هذا على مذهب لا يوافق ذاك
فإني أرى تلك موعظة لو تفكر أهل العقول.

وهو أيضا، لا يتردد في إعادتنا إلى سقيفة بني ساعدة ،فهذا الدارس للعلوم السياسية وعلم قيام الدول الحديثة وشرعيتها وصناديق اقتراعها ،لا يجد أن تلك العلوم تناسبنا، أو هي ليست على مقاسنا نحن أبناء الأمجاد ،أو قل أنه لا يرى فينا أية أهلية لبناء طراز آخر من الدول فيعيدنا إلى نموذج البيعة ، وتغوص علومه وتتبدد وهو يلغينا ببضعة أبيات شعرية ، وينوب عنا جميعا مفوضا نفسه بنفسه لتنصيب الخليفة حسن نصرالله، كأمير للمؤمنين علينا ،صاحب الفضل في إحياء عظامنا وهي رميم:
من آل بيت رسول الله يا حسن من لو وزنت الدنيا بهم وزنوا
جزيت خيرا عن أمة وهنت فقلت لا بأس ما بكم وهن
ليذكر الصبح أنه نفس ويذكر الليل أنه سكن
ويذكر الروح أنه جسد ويذكر السر أنه علن
ويذكر الطين أنه بشر تذكرا قد يشوبه الشجن
وأنه من قتالهم رجل وأنه في جدالهم لسن
خليفة الله باسمك انتشروا خلقا جديدا من بعد ما دفنوا
إنا أعرنا الأمير أنفسنا وهو عليها في الكرب مؤتمن
أما في قصيدته سفينة نوح فيصير الشيخ بمقام النبي حينا ،وبمقام الإله باسط السماء حينا آخر:

حمام البروج يصلي عليك
تعلمه الجود يا ابن النبي
تناوله بيمينك قمحا رطيبا
فيحمله ويطير جنوبا
ولا يأكل القمح ، بل هو ينثره في الجبال
لبعض النساء وبعض الرجال
ويسألهم عن مسار القتال
ويأخذ منهم سلام إليك
ولو سأل الصحفي الحمام
لقال أن السماء هناك تظلك
وأنك أنت مددت السماء له بيديك
عليك يصلي هواء البلاد
تصلي عليك البحار....
تصلي عليك زهور المروج.....
إلخ
ويصرخ الجمع احتفاء بالفتوى، ويصعق الفقهاء من قدرة شاب من مذهب الخصوم على قول ما عجز أئمتهم عن قوله خوفا في الوقوع بالمحظور .
لا فض فوك!!!!! أأنت قلت أن أجرك على الله فيما قلته، حسنا،ونحن لن نضيع أجرك،ولن نضيع أجر من أحسن بنا قولا.. ستأخذ أجرك منّا ولن نجعلك تنتظر إلى يوم الدين لتأخذه من رب العالمين.ألسنا نحن الذين رددنا كيد اليهود بلبنان؟ رددناه عندما استبحنا شرف بيروت، وكرامات سكانها... اليهود؟؟؟!!!!!!ولم نستطع أن نرد طائرة واحدة من طائرات أولئك الشياطين الذين لا اسم لهم، عندما كانت سماء تلك الولاية الفارسية نهبا لأولئك المجهولين؟؟؟!!!! لا هم .. لا هم ...ألا يكفينا أجرا وحسنات أننا استبحنا شرف أولئك الذين لا ينتمون إلى مذهبنا ونحن نتوكأ على عصا رسول الله وكسوته؟؟؟؟؟

لا عجب..!! لا عجب..!!
ما هم أن يكون المقرىء الشاب الأنيق الذي أخذ عن "الروم" ملبسهم وعلومهم ، خريجا ومحاضرا من إحدى جامعات "الشيطان الأكبر"وليس مهما ماذا درس، أو بماذا يحاضر فعلومه لأناس آخرين لا نشبههم ولا يشبهوننا في شيء، تلك العلوم هي لمن يستحقها،أما نحن ، فلنا انتماءنا القبلي لدولة خلافة نشتهيها وتشتهينا.والأهم أن المقريء الشاب لم يغيّره "الكفار"، وأنه لا يزال على عهدنا، وعلى عهد شرعة قبائلنا ،بارع في إثارة شبقنا القبلي والديني بمعلّقة واحدة كتلك التي كانت للسلف،وواهم من كان يعتقد أن عمر بن كلثوم قد مات. فما زالت روحه تخفق في جسد الحفيد الفذ الذي يهدي خطانا إلى طريق العزة بشعر فخره وحماسته ، بسيفه ورمحه وسهمه . هو لا يزال كلثوميا يبحث بيننا عن رضيع ليكون مشروع خليفة، أومشروعا للشهادة لدولة خلافة قادرة على تركيع جبابرة العالم والسجود له.

يقول في معين الدمع:

لو أن الدهر يعرف قدر قوم
لقبّل منهم اليد والجبينا
سنبحث عن شهيد في قماط
نبايعه أمير المؤمنينا
ونحمله على هام الرزايا
لدهر نشتهيه ويشتهينا
فإن الحق مشتاق أن يرى
بعض الجبابرة ساجدينا

يعيدنا الشاعر المقرىء بيسر وسهولة إذا، إلى ما قد كان،يجردنا من صفتنا كشعوب تعيش في القرن الواحد والعشرين،ويرجعنا إلى انتماءاتنا الوحشية الأولى، ويعيد أسباب ما نحن فيه إلى اختفاء الحمية القبلية لبعضنا، وغياب الخجل عن بعض رؤساء قبائلنا ، هو ما جعل الآخرين يمارسون استعلائهم على بقية القوم. فنحن بحسبه لا زلنا أقوام تنتمي لعبس ،أو لتغلب أو لتميم، ووروح الزير سالم والمهلهل ،هي روحنا. هو يستنهض فينا عزتنا البدوية البائدة ،وحبنا للموت والقتال، قبائل صحراوية لا أكثر ولا أقل نحن، أما العالم فلديه مهمة واحدة هي فقط، اتباعنا، لا بل أن الدهر يجب أن يأتمر بأمرتنا، ويكفي أن نرفض الاعتراف بالهزيمة حتى لا تكون، وعندما نرفض هذا الاعتراف سيقوم الدهر الذي تعجزه بلاغتنا،وحبنا للموت بالمصادقة على ادعاءتنا والخضوع لنا:


ستون عاما ما بكم خجل


إن سار أهلي فالدهر يتّبع
يشهد أحوالهم ويستمع
يأخذ عنهم فن البقاء فقد زادوا
عليه الكثير وابتدعوا
وكلما همّ أن يخبرهم أنهم مهزومون ما اقتنعوا
يبدون للموت أنه عبث
حتى لقد كاد الموت ينخدع
يقول للقوم وهو معتذر
ما بيدي ما آتي وما أدع

الشاعر المقرىء يسيئه إعدام صدام حسين، هذا "الملاك" ، "البريء" ،"المظلوم" ،"البطل"الذي أعدم على مرأى منّا، دون أن تتحرك كبرياؤنا البدوية لنجدته وإنقاذه.
ليس مهما أن يكون هذا الذي علينا مؤازرته جلادا ، حكم شعبه بالحديد والنار وفرض عليه حروبا دمرت كل مقدراته..!! فلنعذر شاعرنا فهو لم ير ولم يسمع بالملايين من الذين قتلهم أو شردهم هذا الطاغية، أو ربما يعتقد أن مهمة سيد القوم هي قتل أبناء قومه ، هؤلاء لا يستحقون من مقرأنا أية نظرة عطف، ولا يستحقون أية التفاتة، هؤلاء ربما كانوا حشرات أو ذباب، المهم هو سيد القوم و" أمير بغداد". فنراه نادبا وصارخا، وباكيا ومتفجعا في قصيدته التي يقرّع فيها العرب لعدم إنقاذ هذا المسكين، لا بل هو يذهب أكثر من ذلك عندما يضع نفسه ناطقا شرعيا باسم الفلسطينيين ، ويتهمنا جميعا بالحزن على ما آل إليه مصير الديتكاتور، فنحن فقط، من يحزن على أمير ينتسب إلى قبيلتنا البدوية، يكفي انتماؤه إلينا حتى لو كان مجرما وسفاحا لنقف معه ونتفجع لمصيره:
في مديح صدام حسين

بالأمس طارت إلى فلسطين فاجعة مرة
حزن عارم في كل بقعة من فلسطين انتشرا
سماء تحمل معها مطر أسود
فبالأمس أعدام أمير بغداد قد وصل الخبر

قد أبكانا موتك يا رجل نعرفه
دق الحزن بيوتنا وقلوبنا وحجارتنا والشجر
أيها الزعيم العربي انظر جيدا
أليس صدام من صلب العروبة ومنك انحدرا
ألم يزرع النصر الشريف في أراضيكم
ألم تأكلوا وتشربوا وتقطفوا الثمرا
يا فلسطين افخري
ارفعي الرأس برجل شريف
رجل ضرب إسرائيل بصاروخ من بغداد إلى فلسطين عبرا
إلى أن يقول:
فقسما حدادا على موته حتى النور قد انقطع من القمر.
أما عنّا، بما نحن فلسطينيون،فحدث ولا حرج ، فهو يعيد صراعنا مع المحتل إلى صيغة دينية صرفة، ويردد ما كانت تقوله جداتنا من خراريف ،عن جبن اليهود وشجاعة العرب، ويجعل منا تارة جانا ،ومنتصرين، وأخرى مجرد بهائم تدب على الأرض، فنراه لا يكترث البتة بمرأى دماء أبناء غزة التي نزفت وزهقت أرواح أهلها في العدوان الإسرائيلي الأخير عليها ، فهو على الأقل ،لا يهتم بحياتنا أبنائنا، ولا بالفظائع والأهوال التي عاشوها ، فسكان غزة وأطفالها ونسائها ورجالها ممن قضوا، قضوا قضاء وقدرا بحسبه .ولا يلبث الشاعر أن يتراجع عن نظرية القضاء والقدر التي أودت بحياة أربعة آلاف إنسان ، ليرى أن المسؤول عن قتلهم هو تقاعسهم وجبنهم ، وإحجامهم عن القتال وبقائهم في البيوت...!!!!! الأهم من كل هذا أن المقاتلين قد سلموا ، وهذا هو النصر المؤزر باعتقاده ، أما الناس فإلى الجحيم، أو هذا قدرهم، أو هم يستحقون ما جرى لهم:
قصيدة في انتصار غزة:

نفسي الفداء لكل منتصر حزين

والحرب واعظة تنادينا
لقد سلم المقاتل
والذين بدورهم قتلوا
نعم هذا قضاء الله ولكن
ربما سلموا، إذا كان الجميع مقاتلين.
رباه أية فظاظة هذه؟ وأي فجور شعري هذا؟؟؟أهذا هو الشعر الذي كنا ننتظر ؟؟؟أهذه هي المضامين الشعرية التي تحاكي همومنا وتطلعاتنا كشعوب تسعى نحو الحرية والمدنية؟ أهذه هي حقا إمارة الشعر؟؟؟
ما لنا نحن وذلك الشعر الزائف ، الذي يأتي بالزخارف الجميلة فقط ،ليزيدنا جهلا واعتزازا زائفا بأنفسنا؟ ما حاجتنا إلى وعاظ سلاطين جدد؟ هل نحتاج حقا إلى المزيد من الشعر الذي يمجيد الأفراد ويؤلههم على حساب أولى مقومات حياتنا؟ وهل يخلو الشعر العربي القديم أو المعاصر من تلك الدونية أمام الحاكم أو الرئيس أو القائد؟ هل نحتاج حقا إلى المزيد من ذلك الشعر الذي يقدس الجلادين والحكام والأمراء والقواد والعسكريين؟ .ما حاجتنا إلى شعر وشاعر يطلب إلينا الخروج من حواضرنا المدنية والعودة إلى الصحراء ؟ما حاجتنا إلى دولة خلافة ونحن في القرن الواحد والعشرين؟
أما كان الأفضل لهذا الشاعر الشاب أن يبقى في جامعته الأمريكية محاضرا ناجحا في العلوم السياسية، بدلا من يمتطي جروحنا ويغمس فيها كل هذا السمّ؟؟؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??