الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثمن قصة قصيرة

محمد عبد الله دالي

2011 / 1 / 12
الادب والفن


اعتاد الجلوس يومياً، في نفسِ المكانِ متحديا شمس تموز وسموم هواءهِ ، حتى تغيرَ لون بشرتهِ إلى الأسمرٍ الداكن ، وكان أبو سمرة ،اسماً اكتسبهُ من هذا اللون الجميل
، فكان زملاءه لا يعرفون اسمه الحقيقي ، إلا من خلال هذا الاسم .. وإذا غاب يوما ، كان زملاءه يحافظون على مكانه ، لحبهم لهُ لدماثة خُلقه ،وحسن معاملته ،فأبو سمرة إذا غاب عن السوق يشكل فراغاً فيه ..
كان أبو سمرة بطوله الممشوق النحيف الذي سحقته الشمس حتى العظم ، حتى بانت وجنتاه فمن ينظر إليه , يرى هيكلاً عظمياً مغطى بثوب ، رمادي فاتح عليه خطوط بيضاء غير منسقة وأحيانا على شكل بقع بيضاء واضحة ، يُلاطفونه ،يقولون أبو سمرة أنت مملوح :ـ
ــ كان يرد عليهم بضحكته البسيطة قائلا:ــ
ــ أغسلها صباحاً ومساءً لكن الشمس والهواء والغبار الدائم هذه المجموعة المناخية تصرُ على إن تكون هكذا ،وإضافة إلى عادمات السيارات التي لأترحم .
ألا ينظر أحدكم إلى الأخر .. نحن في الهوى سوا .. يضحك الجميع كان مثالا للصبر والمثابرة .يأتي عليه يوم .. يستلفُ أجرته للعودة للبيت ،الصمت يخيم على وجهه أياما من يرى يحسُ أن هناك قصة ترويها الخطوط والملامح المرسومة على جبهته ، كان يتمنى أن لايعود إلى البيت ذلك اليوم لان رجوعه ويديهِ فارغة سيرى الوجوه تنظر إليه ، ولن تفيد الابتسامة في هذه الحالة ...؟
للإجابة على السؤال الموجه إليه من تلك العيون ، في اغلب الأحيان يكون الصمت ابلغ من الإجابة .
الحزن والألم يعتصر قلبه ، وحديث صامت مع نفسه ،هل السنون التي مضت في حب الوطن ،كفيلة أن تشفع له؟ وبأنه مواطن صالح ؟ وهل أيام الوظيفة في خدمة شعبه ،تصلح أن تكون وساماً على صدره ؟ كان يفاضل بين هاتين الحالتين ، يخرج باستنتاجٍ .. أن حب الوطن هو القاسم المشترك.!
صراع بين هذه المفردات كل يوم ، أصبح أبو سمرة ، رمزاً لكل الموظفين الكادحين على حد سواء... توالت الأيام ، كانت تأخذ منه كل شيء ،أولها فلذة كبده .ساقه أزلام النظام إلى محرقة السجون .. مما زاد من عمره عشرات السنين كان يؤكد إصراره على الوقوف متحدياً كل الأزمات ، التي يخلقها الحاقدون على البشر ، يشتري كتاباً ويبيع آخر ، كانت مكتبته رافداً له عند العوز ... واستمرت هذه المعادلة اليومية في حياته .. اقترح عليه بعض الأصدقاء في السوق إن يكتب ولو عمود في إحدى الصحف ،كان ينظر إليهم ببرودة ، وابتسامته المعهودة ، على وجهه الأسمر (المملوح ) ماذا قلت ؟ نراك تبتسم ..!
ــ أتدرون إنكم تنفخون في قرة مقطوعة ؟ من يسمع ؟ ومن يقرأ ؟ . الصحف والمجلات كلها لهم ..إلا أصبح من وعّاض السلاطين!! وهذا مستحيل . لأنهم صادروا الكلمة وصادروا كل الأفكار .. فالسكوت من ذهب .. فلا خيرفي الذهب إذا كان ثمنه السكوت عن الحق .. يشتري وهو في طريقه ،ما يسد حاجته .. وحديثه مع نفسه هو السلوى الوحيدة له أنا لستٌ أول واحد تمرُ عليه هذه الظروف بل المئات ،ارتفعت هذه السلعة نزلت تلك ، هذه غابت عن السوق ، وهذه .لعبةٌ ،وأية لعبة ..! دعك من السوق أبا سمرة أخاف أن تباع كما تُباع السلع ،وإذا سألت ،قالوا لك السوق ،العولمة ، أنت متخلف ،فلا حول ولا قوة ...! علينا نحن في السوق أن نرفع راية الفقراء وندق ناقوس الخطر ، ونقف بوجه الطوفان ،لانريد اقتصاداً مرتبطاً ببعض الأقوياء ، يشتد الصراع مع نفسه ن يتغير وجهه بين الحين والأخر،تظهر عدة إنفاعالات , وهو يحث الخطى نحو السوق ينتبه من خيالاته . على يدٍ تربتُ على كتفهِ ،
ــ أبو سمره ، أراك تسرع هل في السوق شيء يلفت النظر ؟
ــ لامجرد هواجس .
ــ عسى أن تكون هواجسك خيراً
ــ من أين يأتي الخير ، وهم يسعون لتغير القاعدة لتستقر القمة ،يحاولون أن يتدخلوا في كل مفاصل الحياة أنهم أفاعي وهل للأفعى أمان ... تلدغك عاجلا أم آجلا
ــ أبو سمرة انتهى الكثير وبقي القليل ، ودعنا نتمتع بالحياة . حياة مفتوحة على العالم .. ونسعى في مناكبها ،ونأكل من رزقها .
ــ إذن أنت ممن يسلمون ويرضون بما يوضع لك من مائدة السوق .
ــ أتدري هم يعطونك بيد ويأخذون باليد الأخرى والذي يأخذونه أكثر .. والنتيجة !! نحن من يقرر .. لاهم وهل ترضى بالفيضان بعد انهيار السدود ؟ بل تقف يوجه الطوفان ،وأكيد هناك خسائر
ــ أبو سمره .. ستبقى بهذا الثوب ، حتى يأكل الملح أوصاله وأخر المطاف .. سترى نفسك عريان ؟
يفترقان . وهما يتبادلان التحية بالإشارة ..! يكرر كلام صديقه ، أرى نفسي عريان ، وهل أنا مرتاح الآن ؟ خيراتي كثيرة ، وشعبي حي فلابد من التغير ، يشعرانه وقع بين فكين وأي فكين .. ملوحة الثوب المشبع بالعرق انه مزيج من الماء ، والتراب ، تراب أرضه المشبعة برائحة البارود , وعفونة المقابر ، تتغير ملامحه وهو يسير يلفت نظره عناوين لبعض الصحف ، القوات المتحالفة على مشارف بغداد .. القائد الضرورة يتجول في شوارع المدينة ،قواتنا معنوياتها عالية ،زَمَ شفتيه غيرَ مكترث،أخبار اعتاد على قراءتها ،يعاود السير إلى مكان عمله .. يتبادل التحية مع زملاءه السماء تلبده بالغيوم المتقطعة تنذر بعجاج قادم ،. يناديه احدهم
ــ أين تذهب .. الوقت حرج ؟
ــ على باب الله .
ــ يا أخي .. الناس تجمع بضائعها .. وتغادر تحسباً لأحداث تقع ـ ا كيد خوفاً من الحوا سم ..أو شيء آخر
كثيراً من الأحداث مرة .. الناس تخاف لأنها صدمت مرات عديدة ، توقف عن السير . كانت حركت المارة تلفت النظر أصحاب المحلات تلملم بضاعتها ،وبعض الناس تتبضع ما يسد حاجو البيت لفترة غير قصيرة ، قرر العودة إلى البيت ، ألقى نظرة على الكيس التسوق ، كيف الرجوع به فارغاً ، اختار مكاناً على الرصيف بعد أن إتخذ من كيس التسوق مقعدا للجلوس ليريحَ جسمه المتهالك من الهم اسند ساعده على ركبته ، واضعاً خده على راحة يده ، وغابَ عن الشارع وعيونه توقفت ،عن الحركة .. وهو يحملُ هموم الناس ، السوق توقف ،والراتب أكيد هذا الشهر يتوقف ، ما العمل .
رغم الحزن انتابه شيء من الفرح . ارتسمت ابتسامة شفافة على وجهه وغدة افكاره ،ترسل نسمات من الحرية ،وقال لنفسه . اقبل بالجوع وبهذا الثوب المتخشب من الملح ، أقبل بالتعب ،إذا كان ثمناُ للحرية .
قطع تفكيره احد المارة مناديا .
ــ أبو سمره الناس في حالة خوف ،ورعب من المستقبل ،وأنت توزع ابتسامات ،أخاف وأشر( على رأيه بسبابته ) عقلك انتهى .. انهض واذهب إلى البيت ،رفع رأسه قائلا تخاف على عمك أو على المستقبل .
إذهب إلى حال سبيلك رَجَعَ إلى جلسته .. وعيونه تتجول يميناً ويسار ثم إلى يسار .. تعدُ المارةَ من أمامه ،إلى أن تعبت أجفانه ،وأسدلت أستارها .. وفي نصف إغماضه ، فَزعَ وهو يرفعُ رأسهُ متوجهاً إلى مصدر الصوت ،والناس تجمهرت أمام احد المحلات تشاهد وتسمع صور حيّةَ ،كيف وضعَ الشعب الحبلَ برقبةِ القائد الضرورة ... ويسقط من على عرشه الذي أقيمَ في إحدى ساحات بغداد الحبيبة ، تعالت الصيحات في المدينة وهي تكبر .. الله اكبر ، سقط الصنم وامتزجت صيحاته بالبكاء ،وسالت دموعه وهو يضحك ويركض وبدون وعي عائداً إلى البيت .
ــ يستفسر منه بعض الناس ما حدث
ـــ يقول سقط الصنم ـ لكن بغداد لم تسقط .. بغداد لم تسقط.. بغداد أم الدنيا ... أم الدنيا .. يركض وكيس القماش الفارغ بيده إلا من ثمن الصبر الطويل ...!!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف


.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين




.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص


.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة




.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس