الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياسة -اللاتسييس-... سياسة مغرضة!

نادية محمود

2011 / 1 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


في التظاهرة الاخيرة للمفصولين السياسيين التي جرت في بغداد في شهر كانون الثاني الحالي، جرى اعلان بان لا ترفع في التظاهرة شعارات الاحزاب السياسية، الشعارات التي تدافع عن مطاليب المفصولين في نيل حقوقهم! انه اعلان ليثير الاستغراب والتساؤل فعلاً. واذن اليس من المفترض ان هؤلاء المفصولين هم سياسيين واعضاء في احزاب؟! او لم يكونوا اعضاء في احزاب سياسية؟! فكيف يمكن ان تكون هنالك تظاهرة لمفصولين سياسيين، ولكن بدون مشاركة ودعم احزاب سياسية؟ هل تترك الاحزاب السياسية مفصوليها السياسيين دون ان تدافع عنهم وعن حقوقهم؟!

اني لست هنا بوارد مناقشة تظاهرة المفصولين السياسيين الاخيرة بالتحديد وبشكل تفصيلي، و ذلك "المنع" بعدم " السماح" للاحزاب السياسية برفع لافتاتها، و لكني بصدد مناقشة "الظاهرة" ظاهرة ابعاد الناس عن السياسة و عن الاحزاب السياسية.

ان حاجات الانسان تتمحور في نقطتين: الاولى اشباع حاجاته/ا الاساسية كانسان/ة، من معيشة و مسكن و صحة وتعلم و فرصة عمل، والمطلب الثاني هو اشباع الحاجات الروحية والمعنوية للبشر ومنها النشاط السياسي والاجتماعي ومشاركتهم السياسية باحداث تغيير في اي من هذه الجوانب التي تشكل مفردات حياتهم.

ان مطلب اي انسان باحداث تغيير في اي من هذه الميادين الحياتية التي تمسه مباشرة، يعني التطلع الى اجراء تغيير معين في وضعية معينة ذات علاقة بالسياسة بالمطاف الاخير. هل يقوم الفرد بالعمل و النضال على تغيير هذه السياسة بشكل منظم و مع الاخرين؟ ام يستخدم اساليبا فردية؟ هل يتدخل اساسا في الامر ام ينأى بنفسه عن التدخل لجعل الامور تمر من دونه مكتفيا بالشكوى و التذمر من الاوضاع و اطلاق الامنيات؟ هذه اسئلة يجيب عليها الناس ، بشكل واقعي، باشكال مختلفة وقد يختلف الجواب في اوقات و في مراحل مختلفة.

يقوم اليوم التثقيف البرجوازي "السياسي" على التنظير والترويج لمناهضة الحزبية و التحزب حين يتعلق الامر بالجماهير وبالعمل الجماهيري. من المعلوم ان البرجوازية، لا تتنازل عن حقها في التحزب، فلكل تيار من تياراتها، احزابا، الاحزاب الليبرالية، الاحزاب القومية، الاحزاب الدينية، الليبرالية، الاصلاحية وغيرها، يدافع فيها كل حزب وكل تيار عن مصالحه، امام و بوجه التيارات والاحزاب المتنافسة معه، وكل هذه القوى مجتمعة ضد الجماهير حين يتعلق الامر بمطاليب الاخيرة، من الطبقة العاملة و من الفئات الاخرى في المجتمع، مثل الطلاب و ربات البيوت و صغار الباعة و غيرهم.

ان التوجه لابعاد الناس عن العمل السياسي و عن الاحزاب السياسية يستهدف اشاعة "نمط العمل المدني" البعيد عن السياسة، واحلاله محل العمل السياسي. انها سياسة " اللاتسييس" لا تسييس العمل المطلبي، و قصره على اعمال اصلاحية، لفئات محدودة، او حتى لاشخاص او لفرد واحد، لنزع الموضوع- اي موضوع مطلبي- من اطاره السياسي العام والشامل الى جعله قضية مجتزئة، و منفصلة عن الوضع السياسي القائم. قامت البرجوازية و حكوماتها بالكثير من العمل لتصنيع اذهان الناس، وصياغة افكارهم بهذا الاتجاه.

تشيع الحكومة العراقية الرأسمالية الافكار بان الاحزاب لها مصالح تتعقبها، مصالح خاصة بها ولاربط لها بالمطاليب المعنية للجماهير، وانهم انما يريدون ابعاد الاحزاب من توظيف هذه الاعتراضات في صراعاتهم ضد بعضهم البعض وضدها بالاساس. ان هذا صحيح في العديد من الحالات في العراق. الا انهم لا يقولوا لنا، ايضا، و في هذا السياق، انهم ايضا و اساسا يريدون الاستفراد بمصير الجماهير المعترضة، و ابعادها و عزلها عن التاثر بالاحزاب المشاركة في هذه التحركات وبالاخص الاحزاب التي لا مصلحة لها سوى تحقيق اوسع الحريات والحقوق، وهو اساس القضية.

و بهذا تترك الجماهير و- المفصولين السياسيين في موضوعنا هذا- بدون دعم حقيقي و طبقي منظم. يشاركها نفس النهج،- اي الحكومة- و لاسباب و بنوايا اخرى مختلفة، منظمات حقوق الانسان، و منظمات المجتمع التي تروج هي ايضا الى سياسة "لا تسييس" النضال المطلبي، و ان لم تطالب بذلك، ابتداءا، فانه يفرض عليها السير في هذا الاتجاه، ولاخيار لها غير الخضوع والا ستفقد الدعم المالي من "ولي نعمتها".


تحقيق مطاليب الانسان، مفصولين سياسيين كانوا، مطاليب للعمال ام النساء اوالطلاب او الفئات المتضررة الاخرى، واية دعاية بامكانية نيل الحقوق والحريات الاساسية للانسان في ظل المجتمع الرأسمالي بالشكل الذي يفي بتطلعات البشر لهو تضليل و خداع للجماهير. لقد قالها ماركس في كتاباته بشكل واضح لا لبس فيه بان لا يمكن الحديث عن اشباع حاجات البشر في النظام الراسمالي. لان الرأسمالية تسير باتجاه و تعمل لاهداف، والطبقة العاملة،و الفئات المتضررة القريبة منها تعمل لاهداف اخرى.

الطبقة الرأسمالية التي بيدها السلطة و المال و الحكم و فرص العمل، تريد عصر الطبقة العاملة و الجماهير الغفيرة و عدم ترك اية وقت فراغ لها لتنمي قدراتها و قابلياتها، حتى لا تفكر و لا تعبر عن نفسها، و لا عن ان مطاليبها، وبالتالي انتزاع اكبر ما يمكن من الارباح منها، في حين ان هدف الجماهير العمالية و الفئات الاخرى القريبة منها، العمل بساعات عمل اقل، والحصول على اجور اعلى، و تتطلع ان يعود كل نتاج عملها لها. انه صراع و تناقض. و لا يمكن في هذا المجتمع – كما عبر عنه ماركس- ان ينال البشر حاجاتهم، بل جل ما تناله الجماهير هو حصولها على ما يمكنها من ابقاءها على قيد الحياة و ادامة الجنس البشري.

الى جنب العمال، هناك الفئات المتضررة الاخرى، من بينها العاطلين عن العمل و المفصولين السياسيين. لذا، لا بد من عمل سياسي منظم لتغيير هذه العلاقة، و لوعي الطبقة الحاكمة لهذه الحقيقة فانها تروج لظاهرة ابعاد الناس عن السياسة و عن الاحزاب السياسية، التوجه الذي يقصد به، بالدرجة الاولى، ابعاد تاثير الاحزاب الشيوعية عن الجماهير العمالية و الفئات الاخرى القريبة منها، التي تريد الخلاص و التحرر من اوضاعها، من اجل الاستفراد بصياغة وعي الجماهير والتاثير عليها دون احزابها التي تعبر عنها. هدف الحكومة هو تغييب وعي الجماهير.


وهذا الامر- امر ابعاد الناس عن السياسة- امر سياسي بحت يتعلق بحاجات الانسان للحصول على مطاليبه و على حقه في التعبير السياسي عن مطاليبه. ان مجرد قيام المفصولين السياسيين بتنظيم تظاهرة لنيل هذه المطاليب، معناه ان الحكومة لم تمنحهم حقوقهم في المقام الاول، ثانيا، من المؤكد ان المفصولين السياسيين استنفذوا الطرق الاخرى للحصول على حقوقهم، من هنا، اضطروا لتنظيم تظاهرة، فان يصار الايعاز الى منع الاحزاب من التدخل فيها، كائنا ما كانت الجهة التي صدر منها هذا المنع، معناه السعي الى ابعاد و منع تاثير الاحزاب على هذا الجمع المعترض.

يجب ان توضع هذه السياسة ، اي منع مشاركة الاحزاب في هذه التظاهرات و كل ملابساتها في هذا الاطار السياسي المحدد و المعرف و الواضح.

الذي حدث في الاسبوع المنصرم من هذا الشهر في تظاهرة المفصولين السياسيين، ظهر باشكال اخرى و مختلفة في اعتراضات عمالية وجماهيرية اخرى، رفعت مطاليب على قضايا اخرى، و استخدمت السياسة ذاتها، والتوجه ذاته الا وهو الدعاية الى عدم "تسييس" الاعتراضات، و جعلها مطاليب يجري التقدم بها للحكومة باشكال " مدنية " و بعيدا عن الاحزاب - علما ان الاحزاب المؤتلفة في الحكومة الحالية لا تقل عن 10 احزاب سياسية المسؤولة عن عدم منح حقوق الجماهير.

الا انها تريد فرض نوع من الاعتراضات، لا تعكر صفو بالهم، اعتراضات، لا تؤذي احدا منهم، اعتراضات مخلوعة الاظافر والاسنان لا تخدش جلد الرأسمالية و حكوماتها، اعتراضات امنة و مدنية ومسالمة، لا تهدد الحكومة و لا تورطها في صراع سياسي مع الجماهير المعترضة. سياسة " اللاتسييس" سواء كانت في اوساط المفصولين السياسيين او اية فئات اخرى، هدفها الابقاء على الوضع القائم، وعدم مسه باي شكل كان، والقبول والخضوع له، و الاكتفاء فقط بتقديم الالتماسات، على الحكومة التي "لم" تنتبه، لتنتبه لمطاليبهم.

ان قضية المفصولين السياسيين، بالتعريف قضية سياسية. و موقف الحكومة منها بعدم منحهم حقوقهم هو موقف سياسي، و موقف منظمة المجتمع المدني التي تطالب بعدم تدخل الاحزاب السياسية، هو موقف سياسي ايضا، لترويج سياسة "اللاتسييس". ان دخول الجماهير في السياسة ليس حق ممنوح لها، بل هو جزء من حياتها و صراعها من اجل ظروف معيشة افضل لها و ليس "حقا ممنوحا لها من قبل الحكومة"، ان قمعت الجماهير ومنعت من ممارسة السياسة، فان ذلك من اجل ان تنفرد الرأسمالية الحاكمة بالسلطة لها و لها وحدها. و هذا بحد ذاته عمل سياسي، تستوجب مواجهته بعمل سياسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر