الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ولابد للقيد أن ينكسر .. إلى - أبو القاسم الشابي -

بدر الدين شنن

2011 / 1 / 14
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


قبل نحو شهر .. قبل انتفاضة تونس البطلة ، كان المشهد العربي يتسم ، بالكآبة ، والإحباط ، ويثير الخوف والقلق ، على مصير مئات الملايين من المواطنين العزل من الآليات الضامنة لحقوقهم الأساسية ، الممزقين إلى شعوب متعددة ، تستعبدها أسر قبلية ، ورئاسات مافيوية ، المحاصرين ضمن حدود جغرافية لم يشاركوا في صنعها ، والمبتلين بملوك ، وأمراء ، ورؤساء ، فرضوا عليهم بالغزوات القبلية ، المدعومة معظمها من الدول الاستعمارية ، وبالانقلابات العسكرية ذات الصلة المشبوهة بدوائر ومصالح خارجية ، والمخدوعين بسياسيين ، بعضهم " يلعقون " أحذية الحكام ، وآخرون يتحايلون بالمكر والخداع ، ليجذبوا تجمعات من البسطاء ومن الانتهازيين ليؤطرونها في أشكال من الاستسزلام يسمونها أحزاباً ، لاستخدامها في لعبة تداول السلطة . وكل هؤلاء " ملوكاً وأمراء ورؤساء وأحزاب انتهازية " لايهمهم من أمر معيشة المواطن شيئاً . كل همهم ، هو كيف يسرقون البلاد ، وكيف يتكسبون من " حرفة السياسة " .

لايوجد بلد عربي يستقطب بلداً عربياً مجاوراً لعمل مشترك فيه تضامن وتكافل وأخوة . بل إن كل بلد له مشكلة مأزومة مع البلد المجاور له . وكل الدول العربية تؤثر إقامة علاقات تجارة وود وصداقة مع البلدان الأجنبية ، والمفضلة لديها ، تلك البلدان التي كانت تحتلها في الزمن الاستعماري العسكري في القرن الماضي .

ولايوجد مسؤول عربي يحصل على ا ستقطاب جماهيري وعلى قيادة تيار سياسي عريض ، محلي أو قومي . منذ عام 1970 .. عام الثورات المضادة ، والانحرافات اليمينية ، فقدت البلدان العربية قامات سياسية في الحكم وخارج الحكم لم تعوض ، بغض الطرف عن شوائبها وأخطائها ، من مستوى ، جمال عبد الناصر ، وبن بيلا ، وعبد الكريم قاسم ، وعبد الخالق محجوب ، وكمال جنبلاط ، وجورج حبش .

والأسوأ ، أن التيارات السياسية الأساسية ، الاسلامية ، والقومية ، والشيوعية ، بعد أن قامت ، على هامش القمع الذي طاولها جميعاً ، في فترات مختلفة ، بتسفيه بعضها البعض ، والتنافس التذابحي فيما بينها ، وانحرف معظمها نحو ما يتعارض جزئياً أو كلياً مع معتقداتها وطروحاتها السابقة ، تحولت إلى ماض غير حميد " خزن " إرثاً سياسياً وثقافياً ، هو صدى للاستبداد البغيض ، ولمناخات التعصب الأيديولوجي البشع ، ولأنات جراحات لاتندمل ، وصارت العودة إلى المشروع القومي التحرري ، وإلى إحياء اليسار الماركسي ، لبناء مشروع نضال عربي ديمقراطي علماني موحد ، تصطدم بمشقة بالغة الصعوبة .

وقد مكن الفراغ المتأتي عن ذلك ، جهات ملأت هذا الفراغ على طريقتها المفرطة بالسوء ، والتي يصح أن يطلق عليها ، حسب مقاييس الزمن الرديء ، من حيث التنظيم والحركة والأهداف ، اسم نوعي جديد لحزب نوعي جديد . حزب يعمل في مختلف البلدان العربية بحرية تامة . يحمل نفس المواصفات ، نفس البرنامج ، ويتحرك بنفس الآليات والأساليب ، ويحتل نفس المكانة في هيكلية السلطات الحاكمة وفي المجتمع ، ويمتلك قدرات وصلاحيات لاحدود لها ، ليس له منافس ، بل يتزاحم جميع من هم في الدرجات الأدنى في سلم السلطة على إرضائه ، ويتدافع الناس العاديون هرباً من تجلياته ومؤثراته في حراكهم اليومي وحياتهم عامة .
إنه الحزب الأمني ، الذي يضم في صفوفه كل الأجهزة القمعية والمحاكم الاستثنائية وإداراات المعتقلات والسجون السياسية .

وقد بلغ هذا الحزب مستويات ملموسة من التطور ، فهو يهتم بالحداثة ، التي تتيح له استخدام أحدث آليات التعذيب . ويدير عملياته ، في الاقتحام ، والاعتقال ، والتحقيق ، والتزنين " إدارة الزنازين " عناصر تحمل شهادات تعليمية ، وجامعية ، وشهادات معاهد تكنولوجية متخصصة في فن الإخضاع وإمحاء الذاكرة السياسية الفردية والجمعية ، وإضعاف الإرادة الشخصية . وهو يهتم بالاقتصاد . إنه " اقتصادي ليبرالي " بامتياز . فهو أسهم ويسهم بفعالية حاسمة في تصفية النقابات والنشاطات المطلبية في مؤسسات القطاع العام الانتاجي والخدمي ، وكيّف ويكيف القطاع الإداري للانتقال إلى اقتصاد السوق الليبرالي . ودعم ويدعم الانتقال بالمليارات التي استحوذ عليها قادته وأركانه من خلال توظيف مواهبهم الأمنية " التشاركية " مع البرجوازية الرابحة في السوق . وفي مجال التعليم والثقافة والإعلام له باع طويل . فجميع من يتولون العمل في مؤسسات هذه المستويات ، هو سيدهم ، وهو أستاذهم ، وخاضعون لتوجيهاته . والأجيال التي تعبر هذه المجالات ، لابد أن تمر من ثقب إبرة إرهابه وتدجينه ، التي يغرسها في شاشة التلفاز ، ومانشيتات ومتون الصحف والدوريات ، وفي الكتب الأدبية والعلمية والتعليمية ، وفي صفحات الدفاتر المدرسية ، وفي أعلى سبورة قاعة المحاضرة والدرس .
وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى علاقة الحزب الأمني بالسلطة . فالحزب الأمني في البلدان العربية ، لم يتماه عبرسنين طويلة من الممارسة في السلطة لخدمة الشعب ، بل إن السلطة قد تماهت بالحزب الأمني لقمع الشعب . وهذا ما جعله هو الحزب الحاكم ، قبل وفوق كل الأحزاب ، بمختلف مسمياتها وأيديولوجياتها ، بما فيها الحزب الرسمي الحاكم . وطبع الحكومات العربية بطابعه . فالدولة السورية على سبيل المثال ، لم يعد مطابقاً لواقعها الأمني السياسي ، أن تسمى باسم حزب البعث الحاكم " دولة البعث " بل أن تسمى ، وهي تسمى فعلاً " بالدولة " الأمنية " . وهكذا الحال في البلدان العربية كافة .

وهذا الشكل التعسفي الأتعس في إملاء الفراغ التعيس ، جوف المجمتع أكثر .. فأكثر .. ودفع البلدان العربية إلى حالات من التردي التدميري على كل المستويات ، وهو الذي يثير الاحباط والخوف على مصير العالم العربي ، الذي بات مستباحاً أمام الشركات الامبريالية العابرة للقارات ، والمخابرات الأجنبية الأميركية والأوربية والصهيونية ، والدول الغنية الغربية والشرقية ، التي تخطط لرسم خريطة جديدة للعالم العربي تتقاسم فيها النفوذ والمصالح . والذي باتت الشعوب العربية بسببه تكابد بقسوة الواقع المعيشي المتردي ، الناتج عن تسلط الطغم الحاكمة الفاسدة المتواطئة مع الأجنبي ضد شعوبها ، والناتج عن فساد الأحزاب التقليدية وفساد السياسة ، والمتأتي عن اقتصاد مرتهن لمنظومة الهيمنة الرأسمالية " العولمية " ما فوق الامبريالية ، هذا الواقع الذي وصل إلى مستويات في الانحدار إلى ما دون خط الفقر .. إلى خط الجوع ، وإلى تفشي البطالة والحرمانات التي لاتحصى . التي دفعت ملايين الشباب إلى الملاذ بالهجرة إلى الخارج ، وإلى الانحرافات ، وإلى البؤس واليأس . وقد كلف ذلك الآلاف منهم حياتهم بالموت غرقاً .. وكلف الأكثرية منهم ممن فازوا بالإقامة في الخارج ، كلفهم مذلة الغربة ، والحرمان العائلي الذي لايعوض ، والارتماء في مجاهيل معيشية تشي ، بمستقبل سيء ، وبتمايز عنصري يشوه المصير ، ويكلف الجميع الآن الإفقار المتعدد الأشكال ، والإذلال المركب المعيشي والقمعي ، الذي يطاول الرغيف والكرامة والحرية وأفق الحلم في مستقبل آخر مغاير .

هذا الواقع كاد أن يكون مسلماً باستدامته . فصانعوه من المستعمرين الجدد ، والحكام العملاء والأغبياء ، والصهاينة ، وراكبو موجات الليبرالية الامبريالية ، هم من القوة وطول الباع على امتداد القارات الخمس . إلى أن اقتحمت مجموعة من الشبان التونسيين العاطلين عن العمل الشارع . وأشعل أحدهم الشاب العشريني " محمد بوعزيزي " جسده احتجاجاً على جوع البطالة المتعدد الأشكال . وأشعل انتفاضة مئات الآلاف ، التي تحولت إلى قوة متصاعدة هائلة ، قزمت أمامها ، كل آليات الحماية والوقاية ، التي جهزها نظام " زين الدين بن علي " ، من أجهزة قمعية شرسة ، ومن مفاعيل اقتصاد السوق الليبرالي المفتوح للمافيات المحلية والشركات الدولية ، ومن شبكة علاقات سياسية دولية ترضي سادة العالم الجدد ، في البيت الأبيض ، والاليزيه ، وبروكسل ، وتل أبيب .

وتحولت تونس التي كان يراهن سادة العالم الجدد ، على تكريسها أنموذجاً ، لبلد مهمش مطاوع لإجراءات العولمة ، والتكيف مع الهيمنة الرأسمالية على العالم ، تحولت إلى أنموذج لرفض هذا المصير العبودي ، الذي لم يجلب لشبابها ومجتمعها ، سوى المزيد من البطالة والقمع وفقدان الكرامة . وكشفت انتفاضة الشعب التونسي انعكاسات الأزمة العامة للرأسمالية المتفاقمة منذ سنوات على البلدان المهمشة ، وسرعت في كشف الأنظمة المركبة من الاستبداد والفساد والخيانة الوطنية الاقتصادية والسياسية ، وكشفت أيضاً ما سميناه " بالحزب الأمني " ، حيث بات هذا " الحزب " في حالة دفاع عن امتيازاته ، أكثر مما هو في حالة دفاع عن النظام المكلف بحمايته . وصارمضطراً أن يضع عيناً على المظاهرات وعيناً على رأس النظام . ويرتعش التردد في عقول قادته وأركانه ، بين الاستماتة بمواجهة الشعب الغاضب ، ويكون بعضهم كبش فداء في تسوية يفرضها الواقع ، وبين الإطاحة برأس النظام ، ليكون كبش فداء لحل الأزمة ، كما فعل هو ، قبل نحو ربع قرن ، " برئيسه " الحبيب بورقيبة " ، لما كان رئيساً للاستخبارات .

بيد أن ما يعرقل ، حتى اللحظة ، خيار الإطاحة برأس النظام ، أو المشاركة في ذلك ، هو موقف بعض وحدات الجيش التونسي ، التي رفضت إطلاق النار على المتظاهرين ، وسمحت لهم بالاحتماء بها بمواجة رجال الشرطة ، بل وهددت برشاشاتها رجال الشرطة الذين حاولوا اعتقال المتظاهرين المحتمين بها ، وموقف رئيس أركان الجيش الفريق أول رشيد عمار الذي رفض توجيه رصاص الجيش إلى صدور المتظاهرين ، وآثر الإقالة من منصبه على تلويث يديه بدماء أبناء شعبه . وهذا ما يشي ، أنه قد يكون للجيش هوى آخر ينبغي أن يحسب حسابه .

وعلى ذلك من المؤكد ، أن انتفاضة الشعب التونسي ، قد حققت اختراقاً مضيئاً للمشهد العربي المثير للخوف والقلق والإحباط . وفتحت نافذة أمل أمام شعوب البلدان العربية الأخرى ، التي يفرض عليها تحالف الاستبداد والفساد والاستغلال والشركات الأجنبية الامبريالية والصهيونية ، يفرض الخضوع والإذلال والإفقار والتهميش . ولذا فقد سارعت عدة حكومات عربية لتخفيض أسعار المحروقات ومواد تموينية ، كانت قد رفعتها قبل اشهر ، مثل الجزائر والأردن والمغرب ، ونوست دول عربية كثيرة أضواء إعلامها في التعامل مع الانتفاضة ، وذلك خوفاً من انتفاضات مماثلة في بلدانها الهشة ، القابلة للاشتعال ، بنفس الوقود الذي ألهب انتفاضة تونس .

ومن اللافت بمكان ، أن الدول الأوربية الرأسمالية " الراعية " لحقوق الإنسان والديمقراطية ، دون تكليف من أية جهة قضائية دولية ، تتواطأ بالصمت تارة ، وبالاحتجاج الناقص تارة أخرى ، مع النظام التونسي ، فيما يتعلق بالمجازر التي ترتكبها الأجهزة القمعية التونسية ، ودون أن تتخذ أي إجراء ملموس ، كما برزفي مواقفها في أزمة ساحل العاج الانتخابية . ويكاد مسلكها العام في هذا الصدد يماثل مسلكها الناقص إزاء القمع الصهيوني للشعب الفلسطيني عامة وحصارغزة خاصة .

ما يهم المواطنين في البلدان العربية في هذا السياق ، هو كيف سيتمكنون من بلورة قيادات سياسية جديدة ، وتكوين زعامات جماهيرية جديدة ، تحل محل القيادات التقليدية المترهلة ، التي أدخلتها الأزمة الرأسمالية العامة المتفاقمة معها في دائرة العجز والإفلاس مع الأنظمة القمعية التي تدور في فلكها ، لقيادة نضالاتهم .. وانتفاضاتهم .. من أجل تحررهم من الاستبداد والاستغلال والتهميش .

وأخيراً ، مما لاشك فيه ، أن انتفاضة تونس البطلة قد برهنت ، أن الاحتجاجات الشعبية العارمة المعبرة عن عمق الاحساس بالتهميش والظلم والفقر ، هي الطريق الوحيد لإحداث تغييرحقيقي جذري في البلاد . وإذا كانت الانتفاضة قد بدأت في تونس ، ونسبياً في الجزائر ، فإنها لابد أن تشق طريقها أيضاً في سوريا والعراق والأردن والسودان ومصر وبقية البلدان العربية الأخرى ، فالواقع الموضوعي المأزوم واحد في كل بلدان العالم العربي من المحيط إلى الخليج . لكن الأداة .. التنظيم يحتاج لبناء مطابق جديد . الأمر الذي يحفز الجماهير العربية الكادحة المفقرة لصنع بدائل مغايرة لآليات المعارضة التقليدية السابقة ، التي لم تعد مقنعة أو ناجعة . والذي يؤكد ، أن المسألة الاجتماعية السياسية هي الرافعة الأساسية في النضال من أجل التغيير الديمقراطي الاجتماعي .

لقد شهدنا أن الاحتجاج الانفعالي الانتحاري على الأوضاع المعيشية السياسية المأزومة ، الذي كان بداية عفوية فردية ، قد أصبح احتجاجاً جماهيرياً واسعاً ، توجهه نواتاة قيادات نضالية ، يجري صقلها وتوسعها عبر الممارسة والتجربة الجماهيرية الميدانية ، التي تكرس فعلاً جماعياً يستبعد أن يكون قتل الذات ، وسيلة وحيدة في التعبير عن رفض البطالة والظلم الاجتماعي والفقر ، بل أن يكون العمل الجماهيري الجمعي في مقاومة الأجهزة" الأحزاب " الأمنية ولصوص اقتصاد السوق والاستغلال وفساد الدولة ، الوسيلة الثابتة .. التي تؤدي حقاً إلى أن .. يكسر القيد .. ويستجيب القدر .. وإلى أن يضاء المشهد العربي بالحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والكرامة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نجل الزعيم جمال عبد الناصر: بشكر الشعب المصري الحريص على الا


.. مقابلة مع وليد جنبلاط الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي




.. فى ذكرى وفاته.. منزل عبد الناصر بأسيوط شاهد على زيارة الضباط


.. فى ذكرى رحيله.. هنا أصول الزعيم جمال عبد الناصر قرية بنى مر




.. شرطة نيويورك تعتدي على متظاهرين داعمين لفلسطين وتعتقل عددا م