الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنف... وثقافة الاحتجاج

جان كورد

2011 / 1 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


‏13‏ كانون الثاني‏، 2011
حيثما ننظر في عالمنا الشرق أوسطي نجد آثاراً مرعبةً للعنف، الذي يتولّد نتيجة احتقان طويل الأمد، ويتحوّل إلى تدمير يثير الغثيان، وعندها لاتنفع كل النداءات من أجل الحوار والسلام والحكمة، ويعجز القائمون على الحكم عن اعادة القمقم إلى الزجاجة، فينفلت زمام الأمور من أيادي أصحابها وتنقلب ساحات المدن الجميلة الهادئة إلى ما يشبه أطراف البراكين، حيث الحمم الملتهبة تحرق كل شيء في طريقها...
لدى كتابتي لهذه المقالة كان عدد ضحايا الاضطرابات والقلاقل في تونس قد بلغ 66 إنساناً حسب تقديرات ومراقبة منظمات حقوقية وطنية ودولية... وفي الجزائر مسار نحو المنزلق، وقد تتفجّر الأوضاع في دول عربية أخرى وضعت أنظمتها البلاد على منحدر، كما تفجّرت في دول غير عربية أيضاً قبل الآن... وايران أنموذج صارخ للعنف الحكومي الذي تعدّى كل حدود الحكمة والعقلانية منذ آخر انتخاب لرئيس الجمهورية فيها...
العنف نتيجة حتمية لانعدام "ثقافة الاحتجاج" في العديد من المجتمعات البشرية، ومنها متقدّمة جداً في مجال التقنيات وتمركّز الأموال وسعة الأسواق التجارية، وتطوّر الأنظمة السياسية، وثبات الأمن والاستقرار، وازدهار الثقافة الإنسانية... فاليونان على سبيل المثال يعتبر مهداً أساسياً من مهاد الحضارة الإنسانية، بفلسفتها العريقة، بديموقراطيتها الضاربة الجذور في التاريخ الإنساني، بقبولها التعددية حتى في مجال الآلهة الكثيرة المتنازعة، وبتأقلمها المستمر في التاريخ مع الوثبات الاجتماعية والثقافية والسياسية، ومع ذلك فإن العنف قد طغى في العديد من اللحظات التاريخية على الساحة اليونانية، وتراجعت الحكمة والثقافة وكذلك السلام والحوار أمام جحافل التطرف المنقطع النظير، إلاّ أن اليونانيين يعودون باستمرار ليعترفوا بأنهم داسوا في تلك اللحظات المضطربة على قيمهم الديموقراطية وثقافة "التعددية"، ويحاولون الحوار ديموقراطياً من جديد، لأن مجتمعهم قد تربّى عبر العصور على "ثقافة الاحتجاج" التي تسمح بالتعددية السياسية، بالرأي الآخر المخالف، باحتواء الحماس الأقلياتي لمعالجة المواضيع بسرعة وبدو مماطلة، وباحتضان "الإخوة الأعداء".... ولذلك فإن الدكتاتوريات العسكرية لاتدوم في حكم اليونانيين، مهما تمكنوا من تقديم نجاحات عسكرية أو انجازات سياسية مؤقتة للجمهور...
امّا لدينا، في الشرق الأوسط، فإن الطفل منذ صغره وإلى آخر عمره محروم بشكل ملحوظ من أن يغرف من ينابيع "ثقافة الاحتجاج"، وهو غير قادر على ممارسة حقه الإنساني في الاحتجاج، في البيت حيث الأم والأخ والأب يسيطرون بحزم وبتراتب عماده العمر والقرابة على نموه الثقافي والسياسي والديني، فهو خاضع لولاءات متعددة، عائلية، طائفية، مذهبية، قبلية، وسواها... لامجال لديه للمعارضة والاعتراض، والواضح أن ليس لديه مجال للتعبير عن آرائه، فلا يوجد في بيته لوح بسيط ليكتب عليه ما يدور في خلده، ولا جريدة حائط مستقلّة ونزيهة في مدرسته، وفي المعبد يسمع ويسمع ويسمع، دون أن يرفع اصبعه مرّة واحدة ليسأل أو يحتج على نمط معين من أنماط التفكير أو الممارسة، بل الجريدة التي يقرؤها في الشارع خاضعة لرقابة صارمة من قبل الحاكم وأتباع أتباعه، والتلفزيون الذي يحدّق فيه مملوك لمخابرات السلطان، وحتى عالم الانترنت الفسيح الثري لاينال من معلوماته الوافرة سوى جزء ضئيل جداً منها... بل الأحزاب التي يتعلّق بها ويأمل في أنها ستفتح له المجال لممارسة حقه في الاحتجاج تفسح لها المجال المسموح لها فقط... إنه يعيش في بلاد سجونها لاتقل عن مستشفياتها، والخوف من مخابراتها أشد من خوفه من الجراثيم والأمراض الفتاكة... وملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان أشد وقعاً من ملاحقة الجواسيس...
في جو كهذا، تنعدم "ثقافة الاحتجاج"، تزداد الأوضاع قتامة وشراسة واحتقاناً، وكأننا في مطبخ أوقدت النار تحت الطناجر، منها النار البطيئة ومنها القوية، ولابد أن تأتي مرحلة "الغليان"... وعندها لايستطيع أحد القاء اللوم على الشارع واتهام الشعب المقموع بأنه مجرّد "عصابات إرهابية!" أو "مجموعات منحرفة!" أو"أناس لايقدّرون التحديات الخارجية ولايكترثون بالوحدة الوطنية...!" كما يحاول الرئيس التونسي ترويج نظرته بصدد ما يجري في الساحة التونسية...
فهل يفهم الرؤساء ومستشارو الرؤساء الذين لم تصل النار إلى سجاجيدهم بعد، هذه الاشارات الواضحة التي تأتيهم من الشعوب؟
هل يعترف الطغاة بأنهم عاجزون عن اسكات الجماهير الغاضبة عن طريق العنف وقمع الأجهزة الأمنية؟
وهل يدرك هؤلاء بأن كبت الحريات وتجويع الشعب الكادح يعود عليهم بالخسران والهزيمة؟
إن المستقبل القريب سيرينا بأن الشعوب لاتتحمّل الأذية من حكامها إلى الأبد...
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق شبكتنا في


.. رغم تصنيفه إرهابيا.. أعلام -حزب الله - في مظاهرات أميركا.. ف




.. مراسل الجزيرة ينقل المشهد من محطة الشيخ رضوان لتحلية مياه ال


.. هل يكتب حراك طلاب الجامعات دعما لغزة فصلا جديدا في التاريخ ا




.. أهالي مدينة دير البلح يشيعون جثامين 9 شهداء من مستشفى شهداء