الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احذروا سارقي ثورات الشعوب

إكرام يوسف

2011 / 1 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


بعد دقائق من رحيل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وعائلته ـ نزولا على إرادة الجماهير، ومع عجز أجهزة أمنه عن قمع انتفاضة الشعب وبعدما سالت دماء تسعين شهيد تونسي حتى الآن ـ خرجت جماهير الشعب التونسي تهتف"يا شعب ثور.. ثور.. انقلاب على الدستور" وتم تعديل شعار رفعته الجماهير طيلة الأسابيع الماضية من "خبز وماء.. و بن علي لا" إلى "خبز وماء.. الغنوشي لا".
كان من الواضح أن نخب النظام الحاكم لن تأل جهدا في محاولة اجهاض ثورة الشعب عبر انقلاب القصر، خشية تصاعد الثورة لتطيح بنظام الحكم كاملا ـ أتذكر هنا مقولة أحد حيتان المال الموالين للولايات المتحدة في إندونيسيا بعد سقوط سوهارتو "كان لابد من إحداث تغيير من أعلى حتى لا يحدث تغييرا من أسفل"ـ فسرعان ما تم التحايل على الدستور التونسي لتولية الغنوشي، رئيس وزراء بن علي وذراعه الأيمن؛ كما ترددت أنباء عن انفجارات وأعمال تخريب، يقول البعض إنها مفتعلة لتبرر لجوء الحكومة الجديدة إلى تمديد حالة الطوارئ.
ومرة إثر مرة تؤكد "متلازمة الفساد الموالي للاستبداد" غباءها منقطع النظير.. الذي يحول بينها وبين الاعتبار من دروس التاريخ.. ففي كل مرة تئن الشعوب من تدهور أحوالها المعيشية، بسبب أنظمة الحكم الديكاتورية الفاسدة، تظل النخب المثقفة تطالب بالتغيير السلمي.. وتضغط سلميا من أجل تحقيق ديمقراطية حقيقية تتيح للجماهير أملا في تغيير حياتها إلى الأفضل عبر صناديق انتخاب حقيقية وحياة برلمانية سليمة.. لكن الديكتاتوريات الفاسدة تواصل غيها واستبدادها وتجاهلها لمطالب الشعوب، ولا تجد سوى المواجهات الأمنية القمعية تواجه بها شعوبها .. ومع استمرار القمع وحرمان الجماهير من حقها في إقامة أحزابها السياسية الحقيقة وتنظيماتها النقابية المستقلة الحرة، ومطاردة القيادات والنشطاء، واستمرار الفساد ومعاناة الجماهير من ظروف معيشية قاتمة، تختنق الجماهير ولا تجد مخرجا لها سوى الانفجار. وتفاجئ بانفجارها تحليلات المثقفين وفذلكة المفكرين، بعدما تتأكد أن ليس لديها ماتخسره.. ونتيجة لغياب الأطر التنظيمية المستقلة والحياة الديمقراطية السليمة التي تضمن تحقيق التغيير السلمي، تدفع هذه النظم الحاكمة فاتورة هذا الانفجار العفوي والعشوائي، كما تدفع ثمنه الشعوب مزيدا من الضحايا.. ولا شك أن الانتفاضات غير المنظمة يكون لها تداعياتها المؤلمة التي لا يتمناها أي عاقل، غير أن الديكتاتوريات الحاكمة لا تترك بسياساتها القمعية خيارًا آخر أمام جماهير محرومة من أطرها التنظيمية الحرة. وعلى الرغم من أن الانتفاضات العفوية غالبا لا تحقق انتصارا نهائيا لمطالب الشعب، وغالبا ما يتم قمعها أو حرف مسارها؛ إلا أن الشعوب تكتسب بمرور الوقت مزيدًا من الوعي وتراكما في الخبرات النضالية يمكنها من أن تفرز قياداتها الطبيعية من بين صفوف المناضلين في الشوارع. وتجربة إثر أخرى تقل تدريجيا فرص إخفاقها، وتتزايد فرص نجاحها، بينما يتزايد غباء النظم الديكتاتورية وترهلها، واعتمادها على أساليب القمع التي تفقد بمرور الوقت تأثيرها في ردع حركة الجماهير.
وواهم من يعتقد أن بضعة أسابيع من النضال تنتج ثورة شعبية تطيح إلى الأبد بنظام حكم ديكتاتوري.. وساذج من يعتقد أن الحرية ثمنها بخس لهذا الحد.. فتاريخ الثورات الشعبية يؤكد أن طريق التغيير يحتاج إلى نفس طويل، كما أن طريق الحرية لابد وأن يكون مفروشا بالتضحيات.
وتؤكد دروس التاريخ على أنه لايصح إلا الصحيح في النهاية.. ومهما ماطلت قوى الطغيان والفساد وحاولت تأجيل موعد الثورة.. إلا أنها آتية بلا ريب.. ربما تستغرق وقتا أطول مما كان متوقعا، وربما ينحرف المسار في إحدى المراحل.. لكن الدكتاتورية مآلها إلى زوال.. لا شك أن ثورة الشعب التونسي تستحق الاحترام، ونضاله يستحق الاحترام، غير أنه ينبغي أن نضع في الاعتبار أن الأشقاء التونسيين نجحوا في أولى خطوات التغيير، وانتزاع الحرية. ومازال أمامهم الكثير على طريق التحرر الحقيقي. وعليهم أن يتسموا بطول النفس، وأن يواصلوا النضال لحماية نضالهم ودماء شهدائهم من سارقي ثروات الشعوب. فمع كامل التقدير لريادة الشعب التونسي في إثبات قوة الحركة الجماهيرية، إلا أن المعركة ليست هينة، ولا يجب التقليل من شأن اصطفاف النظم الديكتاتورية في المنطقة لمؤاذرة بعضها البعض خشية انتقال العدوى، إلى بقية شعوبها. وعلى سبيل المثال، كانت مظاهرات المصريين أمام السفارة التونسية تحية لنضال الشعب التونسي، وهتافاتهم تستلهم البشارة منه، أول الدلائل على صورة الاستقبال الجماهيري للأنباء الواردة من تونس ؛ فمن بين هتافاتهم "ثورة ثورة حتى النصر.. ثورة في تونس بكرة في مصر" و"قول يا محمد.. قول يا بولس.. بكرة مصر تحصل تونس". فعلى الحركة الجماهيرية في تونس أن تسارع إلى تنظيم نفسها، وتوحيد صفوفها، فالمعركة القادمة ستكون أقسى وأشق، وتحتاج استعدادا خاصا، لأنها لن تكون في مواجهة النظام الحاكم في تونس وحده، وإنما هي تمثل رعبا تهتز له عروشا أخرى في المنطقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال واعي
نور العلوي ( 2011 / 1 / 14 - 22:58 )
مساء الخير سيدتي
مقالك واعي و رزين يدل على حدة بصر
النظام في تونس لم يسقط بعد ’ الدي سقط هو بن علي فقط لكن حاشيته مازالت ترعى مصالحها وتحرص عليها وانا خائف من حالة طوارىء دائمة كما في الجزائر أو صعود التيار الإسلامي الدي قد يغير مسار المطالب الديموقراطية أو تمسك العسكر و المافيا العسكرية بزمام الأمور
نتممنى خير


2 - ثورة الكرامة
المهندس كاظم محمد الساعدي ( 2011 / 1 / 14 - 23:46 )
نعم هناك من يحاول دوما تمييع نصر الشعوب بل ورمي دمائهم الزكية من اجل الكرامة في مجاري المياه الثقيلة ولو استطاعوا لرموا بكل نتائج الثورة الى الجحيم
سيكون العديد اباء وابناء لثورة الكرامة
كي يتقاسموا كعكة النصر فيما بينهم
تعودوا ذلك
وشكرا لتحليلك في نتائج الثورة التونسية ثورة الكرامة

الشعوب حية والطغاة اجساد مهترئة بل هي خريف زائل والربيع هو الشعب الحي
شكرا لثورة اكلمة في مقالتك هذا مانحتاجه من كتابنا كلمة صدق وحق بوجه سلطان جائر
واذا الشعب يوما اراد الحياة...ياأكرام...فلابد ان يستجيب القدر


3 - هل تحدث الثوره فى مصر
كامل حرب ( 2011 / 1 / 15 - 00:28 )
نعم انه سؤال يدور بخلد الملايين المصريين الشرفاء والذين يتطلعوا الى التحرر من طاغيه مصر السفاح والذى اذلهم وسرق اموالهم وجعلهم عبيد وجوعى ومرضى وبؤساء فى مصر وفى خارج مصر ,نعم ان الوقت للثوره والتخلص من عصابه اللصوص والقتله والمجرمون ,نعم نعم اين جينرالات مصر الشرفاء من الجيش والشرطه لكى يتحدوا سويا ويطلقوا شراره الثوره مع الملايين من ابناء مصر العظيمه ويخلصوا مصر من هذا الطاغوت مبارك وعصابته وتقديمهم الى المحاكمه العاجله نظير جرائمهم المروعه ونذالتهم ,شعب مصر لايقل وطنيه واصاله عن شعب تونس


4 - موت محمد بوعزيزي
رعد الحافظ ( 2011 / 1 / 15 - 02:00 )
موت .. كالخلود / تعليق مكرر على نفس الموضوع
إذا صحّ تسمية ما حدث في تونس نصراً على الديكتاتورية فللشبابِ ..الفخرُ والفضلُ
محمد بو عزيزي أحرق نفسهُ ليضيء بلهيبِ جسدهِ طريق الشعب المظلوم
هذا موت يعادل حياة وأعمار كل الطغاة
هذا موت لهُ قيمة ومعنى وأثر كبير , ربّما يغيّر مجرى التأريخ في تونس الخضراء
هذا موت , ليس كموت البهائم الإنتحارية عندما يفجرون ذواتهم العفنة وسط الأطفال والنساء بلا أدنى معنى , ما عدا معنى الكراهية
عندما أحرق بوعزيزي جسدهِ ومات ,دخل هو في ذاكرة التاريخ , وإضطّر الطاغية للرحيل
هذا موت ليس كباقي أنواع الموت , إنّهُ الشرف والغضب الحقيقي والتضحية بالنفس
بعده كلّ شيء يتغيّر .. الحياة نفسها تتغير
تحياتي لجهود الكاتبة


5 - ويُقال أن اليسار تحالف مع السلفيين في تونس
الحكيم البابلي ( 2011 / 1 / 15 - 07:16 )
الأخت إكرام يوسف
قراءة تستحق القراءة
صُدمتُ اليوم بأغلب المقالات المهللة لما يحدث في تونس ، ولكي لا أُفهَمْ بصورة مغلوطة أقول بأنني قلباً وفكراً مع الشعب التونسي وكل شعوبنا الشرقية المغلوبة على أمرها
ولكن .... كم من المرات مر أغلبنا بهذه السيناريوهات الكرنفالية التي لم تنجح حتى واحدة منها لحد الأن !؟ نفس الصورة والمسرحية القديمة المملة تتكرر ، ثورة وإذاعة وخطابات ومقالات ومُزايدات وشعارات ومحاكمات وإعدامات وناس تعلو ورقابٌ تسقط ثم ردة همجية لا أحد يعرف من أين أتت أو كيف !! وإذا بالشعب المسكين يدفع الثمن ويكتشف بأن الوجوه هي التي تتغير ولكن القناع يبقى صلداً
ولا أعتقد بأن شيئاً سيكون مختلفاً في السيناريو التونسي
وها نحنُ نسمع صرخات الله أكبر وحتى قبل أن تنجح الثورة ، ونرى خطابات السلفيين والوهابيين تُزاحم الكل ، وبمباركة دولة الشيطان الوهابي ستُجَيَر ثورة الشعب التونسي للعمائم ، ولكل شيئ ثمن دائماً ، وسيربح من يدفع أكثر كالعادة
لا ... لستُ متفائلاً
فأي دكتاتور غير ديني هو أشرف وأنظف وأرحم من كل العمائم الوسخة ، وأعتقد بأن التوانسة سيمرون عبر جهنم
وكل غدٍ لناظره قريب
تحياتي


6 - ياللبابلى الحكيم
عادل حزين ( 2011 / 1 / 15 - 14:25 )
البابلى قال ما أشعر به فى قلبى تماما... لم يكفنى ان أرفع له أصبعا...
أخشى ما أخشاه أن تنقلب تونس إلى الصومال أو السودان أو طالبان أو باكستان أو حتى مصر فى وضعها الحالى...
لم يكن للثورة التونسية منظرون ولا قادة, فلم نسمع ولم نقرأ تقريبا إلا للعفيف الأخضر نظرية للحكم وفلسفة للتنوير... وعلى ذلك فاشد ما يقلقنى أن تسقط الثورة التونسية الشريفة فى أيدى غير شريفة تدعى التوضأ...
خوفى على تونس أشد من فرحتى لنجاح ثورتها.
وإن غذا لناظره قريب.

اخر الافلام

.. معركة السيارات الكهربائية الصينية | عالم السرعة


.. الشرطة الألمانية تطلق النار على مهاجم يحمل فأسا داخل تجمع لم




.. سلسلة جرائم مروعة.. قصة قتل غامضة وسلسلة من الألغاز تقود إلى


.. مسلسل -هاوس أوف ذو دراغن- : متى تعلن الحرب بين الملكتين تارغ




.. -يلوّح بفأس وعبوة حارقة بين المشجعين في #هامبورغ.. - والشرطة