الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة(الكفره) في تونس

سامي الاخرس

2011 / 1 / 15
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


" عجباً لمن لا يجد قوت يومه ولم يشهر سيفه" هذا ما رفعه الصحابي الجليل أبى ذر الغفاري، مؤكداً على رؤية وبعد نظر من قديم الزمن لما ستؤول إليه أحوال العرب والعروبة، مؤكداً بأن السيف حلاً للجوع والفقر، في زمن تقسم به ثروات المسلمين على بضع من اللصوص ومرتزقة الاستثمار، وأذلاء المال وطغاة الاستبداد.
ولكن السيف لا بد وأن يشهر ليس بوجه هؤلاء فقط، الذين جعلوا منا حفنة متسولين تجوب شوارع المدن والعواصم بحثاً عن لقمة العيش المغمسة بالوحل والإذلال والإهانة، والمهانة، لقمة تُجرد الإنسان من كرامته وإنسانيته، وتساوم وتتاجر بشرف وعرض هذه الأمة، بل يجب أن يُشهر السيف بوجه أصحاب العمائم الملونة الذين يتصارعون في إكتناز الثروات، والعيش في رغد الحياة كسلاطين بما يقدمونه من فتاوي استهلاكية سلطانية، ويتركون عامة الشعب تفترسها الآلام والمهانة، من فوق منابر الضلال الموشحة بالدين يخادعون بها الشعوب، وهم ينعمون برغداء العيش، بإسم الدين ولقب مشايخ وأئمة، ويصمتون أمام عضة الجوع التي تفتك بأمتنا، وشعوبنا، ويدفنون رؤوسهم بالمال أمام مظاهر الفساد والرشاوي التي تنهك قوت الجوعى والمحرومين. كما يجب أن يُشهر السيف بوجه أقزام الانقسام الذين يجثمون على صدور هذه الأمة كأدوات تنفذ مؤامرة تفتيت الوطن، وتقزيم وحدتنا التي هي قوتنا وكرامتنا.
لا بد أن نشهر السيوف في وجه الطغمة التي تسلبنا حرية التعبير عن إرادتنا،وحرية التمتع بخيراتنا وثرواتنا، وتكتنزها بأرصدة الغرب وأوروبا، وتلقي بشبابنا وشعوبنا فرائس وديعة للفقر، والتسول، والتسكع في شوارع البطالة، والفساد، والمحسوبيات، والإذلال.
ليس هذه السيوف هي المعبرة عن واقع عروبتنا المؤلم، بل هي واقع لا بد منه آجلاً أم عاجلاً، لكي نعيد صياغة التاريخ بأيدينا وليس بأرجلنا.
المفاجئ أن الحالة تعتبر بداية الشرارة قد تأخرت كثيراً، ولم تشتعل بعد في كل الأقطار العربية التي تُبدع في إهانة وإذلال أبنائها، والدفع بهم للانتحار، والتطرف، والموت تسكعاً في جراح القهر، واليأس، بلدان تعامل العربي كآفة عفنة في حين تستقبل الأجنبي بالابتسام والترحيب والورود لأنه ذو شعر أشقر، وعيون ملونة.
تلك الأنظمة والدول السمية بمؤسساتها التي تمرر كل المؤامرات للنيل من إرادة هذه الأمة وإذلالها، ودفعها للإحباط وهزيمتها من داخلها، قبل أن ينقض عليها أعدائها.
إنها ثورة( الكفرة) التي نشهدها اليوم، كفرة الجوع بمعناها وفحواها، وليس كفرة الذات الآلهةإ، كفرة بهؤلاء الذين أرادوا تملكنا كما يتملكون قصورهم، وعقاراتهم، يذبحون فينا حياة وروح الحياة والاعتزاز بانتمائنا وقوميتنا، وهويتنا.
إنها ثورة( الكفرة) التي تغزو داخل كل واحد فينا، لكن حالة الخوف نالت منا حتى أخمدت فينا الشجاعة والقدرة على استنهاض وتثوير فراستنا والالتحاق بالناقمين على فقرهم وجوعهم، وهي حالة صمت مريبة يغذي خنوعها نحن أصحاب الأقلام والفكر لأننا أصبحنا نتخندق في خنادق خلفية، نمارس ما يمارسه علماء السلاطين، وفقهاء الأنظمة، ومثقفو الفصائيات أصحاب شعارات الاسترزاق بدولارات الإعلام ومكتسباته.
أدرك أن هذه الثورات العفوية ما هي سوى تعبير تلقائي وعفوي غير منظم، قاده شباب واعِ أدمت جراحه عضة البطالة، والفقر، والتسول، وأن هناك من يتربص بها لاستثمارها لأجندته الشخصية ومصالحه الآنية من أصحاب التكرش والانتهازية، المستمرون بصرخات ودماء هؤلاء الشباب. ورغم كل ذلك ستبقى الحقيقة مرعبة صارخة بوجه تجار السياسة وأن الخلاص آتِ، ولا بد أن يأتِ مهما خضعت هذه الشعوب، فالذل لا يصمد أمام الحقيقة.
فاليوم اندلعت شرارة إرادة الشعوب في تونس وسطرت أسطورة شعبية يجب أن تستمد من صمودها وتضحياتها بلسم للقضاء على الفساد، وأن تحتذي كل الشعوب العربية حذوها دون الانخداع ببريق الخطابات والوعودات، وأن تعقد العزم على التحرر والبحث عن كرامتها وحريتها ومستقبل أبنائها وأجيالها.
ربما تخمد مؤقتاً بالحديد والنار، ولكن ستبقى تفاعلاتها وستبقي شرارتها وقادة تحت رماد الصمت المؤقت، وتنفجر بركان ثائر بوجه إخطبوط الفساد الممتد في بلداننا العربية التي تحولت لحظائر عبيد بفعل أنظمة وفئات مستثمرة بالبشر، ومستودعات الإذلال البشري.
فالآن نحن أمام الحقيقة والفرصة التاريخية، فإما أن نُشهر سيوف العدالة والاقتصاص بوجه إمبراطوريات وأباطرة القهر والإذلال، أو إغماد السيف في غمده وتركه يصدأ ويختفي بريقه، ويلثم حده، وندفن رؤوسنا تحت تراب أحذية سلاطين القهر والظلم، ونتركهم يستمنون على مؤخراتنا العارية ليشبعوا شهواتهم، ونزيد من ركوعنا وانحنائنا لفحولتهم البهيمية.
سامي الأخرس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ستيف بانون.. من أروقة البيت الأبيض إلى السجن • فرانس 24


.. فرنسا: حزب الرئيس ماكرون... ماذا سيقرر؟ • فرانس 24 / FRANCE




.. أوربان يزور أوكرانيا ويقترح وقفا لإطلاق النار للتعجيل بإنهاء


.. فرنسا: التعايش السياسي.. مواجهة في هرم السلطة • فرانس 24 / F




.. كبار جنرالات إسرائيل يريدون وقف الحرب في غزة حتى لو بقيت حما