الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإحتجاجات الشعبية : ثورات الخبز الجديدة

عبد الرحمن دارا سليمان

2011 / 1 / 15
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


في مقال سابق، قلت أنّ نظام الفوضى السياسية وإقتصاد المضاربة والمافيات الذي أريد له أن يشاع في أكثر من بلد عربي، إثر إنهيار المشاريع الوطنية وإقتصاد الدولة وغياب الخطط الحقيقية للتنمية والإستثمار التي تؤدي الى توفير فرص العمل وتحسين مستوى معيشة القطاعات الشعبية الواسعة في هذه البلدان، لا يمكن أن يكتب له النجاح والإستقرار طالما أنّ هذا النظام أوالأصح اللا نظام، يتأسس على الغليان الشعبي المتزايد وعلى التفكيك والتهميش والإستبعاد، لكل ما هو وطني سياسيا وإقتصاديا وثقافيا . وهو يفرز كما نشهد اليوم، في أحداث تونس والجزائر وبلدان عربية أخرى مرشّحة في هذا الإتجاه، من قوى الرفض والإحتجاج الشعبي الواسع للأوضاع اللإإنسانية في هذه المجتمعات، وتشير في الوقت نفسه، الى عمق الأزمات الداخلية المستبطنة التي تحاول أن تخفيها عبثا، خطابات المسؤولين، وتغضّ النظر عنها وعن أسبابها الحقيقية، وسائل الأعلام المأجورة وفضائيات الهيجان والضمائر المشتراة .

وكما يظهر اليوم، نظام النخب المستفيدة المراهنة على الدعم الخارجي والخضوع المستمر لشروط وتطبيق وصفات المؤسسات المالية الدولية، وتسخير إقتصاديات بلدانها لخدمة الأسواق العالمية، واضحا على حقيقته، وتظهر معه حجم المآسي الإجتماعية الناجمة عن هذا الرهان والعجز عن مواجهتها وإحتواءها، بغير أجهزة القمع والقوة المفرطة العمياء والحلول الترقيعية المؤقتة ، كذلك تعبّر الإحتجاجات الشعبية الأخيرة بدورها أحسن تعبير عن ثلاثة حقائق أساسية ومهمّة وهي :

الأولى : تفاقم أزمة هذا النظام الذي تعيشه مجتمعاتنا ككارثة كبرى تتجّلى في فساد أغلبية النخب المحليّة الحاكمة الذين باتوا يتسابقون على دور الوكيل الأنسب في خدمة المصالح الخارجية على حساب تجويع الداخل .

والثانية : إنسداد الآفاق أمام إستقرار هذا النظام المفروض قسرا على هذه المجتمعات من أجل التحكّم الكامل بسياساتها وثرواتها وجعلها أرضا وبشرا وإرادات، تحت تصرف الأسواق العالمية .

والثالثة : الطابع المدني وغير الديني لهذه الإحتجاجات بعد أن إستوعبت القوى الشعبية دروس المرحلة السابقة التي تميّزت بقيادة الحركات الإسلامية لموجات الإحتجاج الشعبي ولم تستطع تلك الحركات أينما تمكنت من إحتلال مواقع سياسية وإجتماعية لها، لا عن طريق الهوية الدينية والمذهبية والمتمحوّرة حول الخصوصية والذات، ولا عن طريق التأكيد على أولوية قيم الفضيلة والأخلاق والعودة الى الإصول، أن تؤسس نموذجا مغايرا للسلطة النمطية المألوفة والمنفصلة كالعادة عن المجتمع الواسع، والبعيدة كل البعد عن همومه وأزماته وآماله الحقيقية .

وإذ تؤكد القوى الشعبية مرة أخرى، عن رفضها للأوضاع القائمة وغير القابلة للإحتمال وعن إستعدادها الدائم للتصدّي والمواجهة في سبيل حفظ حقوقها وكرامتها وسيادتها على مصيرها ودورها في الشأن العام، فإنّ هذا الأمر وعلى العكس ممّا نجحت دوائر القرار في ترويجه الى حدّ كبير، وتبنّاه للأسف الشديد، بعض المثقفين نتيجة المناخ العام لليأس والخيبة والإحباط ، لا يعني سوى أنّ قوى الرفض الداخلية وعدم إستكانتها لثقافة الخضوع والإنصياع والإستسلام للأمر الواقع كقدر مفروض أو كثقافة متأصلة، متوفرّة وموجودة أيضا عند العرب والمسلمين شأنهم في ذلك شأن غيرهم من الشعوب الرافضة للظلم والطغيان والتّواقة ربما أكثر من غيرها للإندماج في العصر والى التحرّر والإنعتاق من ربقة" الإستعمار الوطني " الحديث .

وقد يكون صحيحا، أنّ هذه الإحتجاجات الشعبية وإن دخلت في مرحلة متقدمة من العنف في المواجهات، لا تزال بحاجة ماسّة الى صياغة برنامج عمل سياسي قادر على تنظيم صفوفها وتوجيهها نحو أهدافها وبالأخص توحيد كتلها وأطرافها الساخطة والمتنافرة معا وهي مهمّة لا يستطيع القيام بها سوى القوى الوطنية والديمقراطية هذا اليوم .

وقد يكون مطمئنا للنخب المحليّة الحاكمة، أنّ التاريخ الحديث في المنطقة العربية، لم يشهد إنقلابا في الحكومات نتيجة الثورات الشعبية المحظة، بيد أنّ التاريخ القديم والوسيط والحديث معا، لم يعرف أيضا، أنّ حصون الطغاة يمكن أن تحميهم الى الأبد من غضبة الفقراء والمهمشين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال