الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اختراعات وكالة الغوث الدولية

ناجح شاهين

2004 / 9 / 29
القضية الفلسطينية


هل اقترح ماو تسي تنغ الزعيم الصيني الشيوعي المعروف شيئاً من قبيل تعميم البؤس؟ يقال أن ماو عندما أدرك أن الصين لا تستطيع في زمانه توفير الرفاه لجموع الشعب، قرر أن الجميع يجب أن يكونوا في مستوى خط الفقر، فلا يأكلون إلا بمقدار ويلبسون إلا بمقدار. وإذا كان ذلك صحيحاً بالفعل، فإن وكالة الغوث الدولية يجب أن تعد من أتباع الزعيم الراحل بامتياز. فقد أشار القادة النقابيون العاملون في الوكالة من كافة القطاعات أن رئاسة الوكالة بينت لهم العار الذي قد يلحق بها إذا كانت رواتب العاملين لديها أعلى من موظفي الحكومة. وهو فيما يبدو يجرح الأخوة الفلسطينية الحقة. وهذه حجة مفحمة على الأرجح لأي مطالب بزيادة في الرواتب علماً أن بعض الناس الذين لا علم لهم بعلوم وكالة الغوث يظنون أن الحجة -إن صحت نسبتها للوكالة- حجة غير أخلاقية وتندرج فيما يسمى عادة بمشروع ماو السابق الذكر لتعميم البؤس. وبذلك فإن عدد من يعاني من البشر يصبح أفضل كلما كان أكبر. وهو ما يعني أن علينا أن نجوع ونبحث عن فيروس الأيد ونحقن أنفسنا به تضامناً مع إخوتنا البشر في أفريقيا أو أي مكان آخر. لكن والحق يقال ليست هذه هي الأغلوطة الوحيدة في الحجة، ذلك لأن موظفي الوكالة ينتمون إلى شريحة اللاجئين أساساً، وهو ما يجعل ظروفهم بالمقارنة أسوأ حتى من ظروف أبناء شعبهم الذين يعيشون في قراهم ومدنهم. فالفئة الأخيرة تمتلك شيئاً ما: قطعة أرض أو منزل للعائلة أو ما أشبه. وأما اللاجئ فهو كما لا يخفى على وكالة الغوث الموقرة لا يملك من أمر دنياه شيئاً. وفي بعض الأحيان تتبرع إسرائيل وتهدم الجحر الذي يؤويه مثلما حصل في الأشهر الأخيرة في قطاع غزة. لكننا والحق يقال لن نبالغ في الجرأة ونحمل الوكالة مسؤولية الاحتلال وأفعاله.
لا بد أن أقل ما يقال أنه لا يجوز مقارنة ظروف العاملين في الوكالة بظروف العاملين في السلطة، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أننا لا نظن موظفي السلطة في أسعد أحوالهم، أو أن أوضاعهم على خير ما يرام. ولكن حتى في هذا الإطار يمكن ملاحظة الظلم الذي يقع على العاملين في بعض المواقع مثل كلية العلوم التربوية حيث يبدو النصاب التعليمي مثل المدرسة: 18 حصة بالتمام والكمال لحملة الماجستير و15 لحملة الدكتوراة. وهنا يبدو من العبث بمكان التفكير في الحكمة من زيادة نصاب حامل الماجستير لأن المفروض نظرياً على الأقل أن قدرته أقل من قدرة زميله حامل الدكتوراة، فكيف يعطى نصاباً أكبر؟ ربما بغرض رفع مستواه! لا نعرف على وجه الدقة. أما الراتب فهو أقل حتى بالأرقام المطلقة من رواتب العاملين في الجامعات الفلسطينية جميعا. وهو ما يسهم في مغادرة الكفاءات بسرعة في حال وجود أي بديل لعملهم في كلية العلوم التربوية. وعلى الرغم من ثقتنا بأن الوكالة لا تقلق كثيراً بخصوص مستوى التعليم والكفاءات وكل هذه الترهات غلا أننا نجيء بها لأنها بالضبط هي إدارتها لزيادة رواتب الموظفين الإداريين الأعلى والأكثر شبعا. أي الحفاظ على الكفاءات من أن تتسرب. وعلى من يصاب بالدهشة أن يسأل الوكالة عن قيمة الكفاءة الإدارية في حال تردي حال الجهاز الفني من مدرسين ومحاضرين وأطباء وما أشبه. ولعل الوكالة أن تخترع إجابة معقولة بسبب من تمرس بيروقراطيتها المرفهة على اختراع الحجج من كل صنف ولون.
لقد تآكلت رواتب موظفي الوكالة كثيراً في السنوات الأخيرة. ويبدو أن ضعف الموقف النقابي للعاملين قد شجع الوكالة على التمادي في تجاهل سوء أوضاعهم حتى أنها قامت في خطوة غريبة جداً في هذا القرن الطازج بتخفيض إجازة الولادة والأمومة من ثلاثة شهور إلى سبعين يوماً لا غير. ولا يسع المرء إلا أن يتساءل عن كفاية السبعين – بل ومن قبلها الثلاثة أشهر – لينمو الطفل التعس ويصبح في غنى عن أمه. ترى أين سيذهب ذلك الطفل المسكين؟ إلى الحضانة ليلتقط في تلك السن الغضة ما شاء القدر من أمراض. ألا يتنافى قرار الوكالة المذكور مع حقوق الإنسان؟ والعجيب في هذا السياق أن وكالة الغوث تتفنن هذه الأيام ربما انسجاما مع صرعة تتزعمها الولايات المتحدة في الحديث عن حقوق الإنسان حتى أنها أدرجتها في التعليم وعينت مشرفا تربويا لها. ولا يهم أن يكون تخصصه زراعة أو جغرافية أو تربية رياضية، فما يهم أساساً هو المحافظة على الشكليات. كما أن قيام شخص بعمل خارج تخصصه لا يتنافى مع تقاليد الوكالة. ويمكن إثبات ذلك بعشرات الأمثلة. وربما يأتي ذلك في باب حرص وكالة الغوث المشار إليه في المقدمة على مساواة الفلسطينيين. فلا داعي إذن للتمييز بينهم. وقد نكتشف في يوم سائقاً قد ُحول بسبب عدم وجود شاغر ليعمل طبيباً أو أستاذاً في معاهد الوكالة العليا أو كلية العلوم التربوية التابعة لها.
وقد اخترعت الوكالة أنظمة في التعيين تعيي أصحاب الفهم أن يفهموها، وتستعصي على علم العلماء. ومن ذلك تعيينات x,z سيئة السمعة. وحتى عندما قاموا بتحويل الناس من نوع z إلى x فإن ذلك لم يشمل تحسين رواتب الجميع. وقد ترك معلمو المرحلة وآخرون على رواتبهم السابقة. ومن الواضح أن فك أسرار اللغز في حاجة إلى علم البصارة والتنجيم باعتبار أن علمنا الإنساني المسكين المقتصر على التجربة الحسية والتحليل المنطقي لا قبل له باختراعات الوكالة.
نخشى أن الوكالة تستفيد من الظروف الراهنة والمعادية جوهرياً للشعب الفلسطيني فتعمق مأساته وتستهتر بأبسط حقوقه المعيشية مستخفة بالقيم والمبادئ الإنسانية المفترض أن هيئة دولية تعتبرها مرشدها الأول. وقد بلغنا في هذا السياق أن بعضاً من مدراء مدارس رام الله مدعوماً بإدارة القدس العتيدة قد قام بإلغاء حق قانوني للمدرسين يسمى الإجازة العرضية أو غير المسوغة بعذر. وهي حق يصل سبعة أيام في الوكالة، بينما هو عشرة أيام في قانون السلطة، التي ترغب الوكالة أن تقارن نفسها بها حيناً ولا ترغب حيناً آخر. ومن ذلك موضوعات كالمواصلات والتأمين الصحي. ونذكر هنا أن وكالة الغوث يمكن أن تعين مدرسا في أريحا بينما هو من سكان قرية بدو في رام الله. وواضح في ظروفنا الراهنة أن نصف مرتبه أو أكثر بقليل يمكن أن يذهب أجور مواصلات، وذلك إضافة إلى مشقة ساعات في الذهاب والإياب في كل يوم. لكن الوكالة لا تبالي، ولا يهمها حقوق الإنسان ولا غيره. وقد همس بأذني أحد المدرسين المساكين أن الأموال التي أهدرت وتهدر على ترويج حزازير حقوق الإنسان كان يمكن أن تخفف أعباء هذا الإنسان الغلبان. لكن مرة أخرى الوكالة لا تبالي. وعلينا أن نقول الآن خصوصاً أن موظفيها الأجانب يتلقون حوالي سبعين بالمائة من ميزانيتها فليذهب الفلسطينيون إلى الجحيم، مع استرضاء حفنة منهم تتحول إلى مرتزقة تعمل ضد أبناء شعبها مثل حال الموظف الذي قام بتخفيض إجازة الأمومة.
لقد وصل مستوى دخل موظف الوكالة تحت درجة 16 ناهيك عن ست وسع وتسع وعشر ..الخ إلى خط الفقر وقد لا يخفى أن الكثير منهم يعملون إذا وجدوا في أكثر من وظيفة وذلك لكي يؤمنوا أجر المنزل الذي يضاهي طوكيو وثمن المواصلات الباهظة وأثمان الخبز وفواتير الكهرباء وفواتير أخرى لا داعي لذكرها. قد يستبعد العاقل أن يتمكن موظف في المستوى الجامعي من تدريس أربعين ساعة في الأسبوع. ماذا يتبقى منه لكي يكون أستاذاً جامعياً بالفعل لكن بالضبط هذا هو حال الموظف في وكالة الغوث فعليه أن يصل الليل بالنهار لكي يعيش.
أما كل ما سبق وهو في الواقع عينات من ابتكارات الوكالة على صعيد حقوق الإنسان يبدو أن الموظف اللاجئ المغلوب على أمره قد قرر أن يرفع عقيرته بالشكوى. وربما أن الأيام القادمة ستشهد فصلا جديداً من فصول المقاومة التي على هذا الشعب أن يؤديها منذ قررت الأمم المتحدة ما غيرها تأسيس الدولة العبرية ثم قررت أن تجامل الفلسطيني بالإغاثة لكي لا يتحول نحو الثورة أو هذا على الأقل هو رأي هنري كيسنجر أحد من شارك في صياغة المؤسسة العتيدة موضع هذه الورقة؛ نعني بالطبع وكالة الغوث الدولية الشهيرة باسم الأونروا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يستدعي ألوية احتياطية لجنوب لبنان.. هل فشل


.. بالخريطة التفاعلية.. جيش الاحتلال يقتحم مخيم جباليا بشمال قط




.. من غزة | مجمع الشفاء يعود إلى الحياة


.. الاحتلال يكثف قصفه المدفعي على المناطق الجنوبية بلبنان




.. مسيرة أوكرانية طراز -إف بي في- تدمر مسيّرة روسية في الجو