الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا ليست إسرائيل عدونا الأول

كامل السعدون

2004 / 9 / 30
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


الحقيقة لم يثر استغرابي مقال السيد التكمجي في صحيفة إيلاف في عدد يوم الاثنين المصادف العشرون من سبتمبر عن كون إسرائيل عدو العراق الأول ، فهذا هو الرأي الشائع وسط الكثير من مثقفي هذه الأمة الذين اعتادوا على تبني كامل ما في الحزمة الإسلامية والعروبية من مفاهيم ومعايير دون أن يجرءوا على استبيان ما إذا كانت تلك المعايير أو المفاهيم صادقة .
الحقيقة أن المثقفون العرب هم أقل مثقفو العالم إبداعاً وقدرة على الخروج على المألوف مهما كان هذا المألوف قميئاً بائساً مريضاً لا صحة له ولا حياة فيه ولا منفعة .
نحن ( مع احترامي للسيد التكمجي وتضميني لشخصي المتواضع في هذه ال "نحن" ) في أغلبيتنا العظمى مفسرون وشراح ومداحون ووعاظ ، ولا نملك للأسف القدرة على التغيير أو الحض عليه .
حسناً …يصف السيد التكمجي إسرائيل بالفاشية ، وهذا ما لم أسمعه من غيره من قبل ولا يوجد أي دليل ملموس على تعاملٍ فاشيٍ بين إسرائيل وشعبها أو الشعب الفلسطيني ، رغم رعونة وبشاعة أنماط الجهاد التي يتبعها الفلسطينيون والتي تتراوح بين تفجير حافلات المدارس وقتل الأبرياء من المدنيين في الأسواق …!
بل … أظن أن الفلسطينيين محظوظين إذ هم يحاربون إسرائيل ويناوئون خيارات السلام المعروضة عليهم ، فلو كان عدوهم أي بلدٍ عربيٍ لأبيدوا عن بكرة أبيهم ، لأن هناك …لدى العرب حسب ، تجد الفاشية الحقة والقمع غير المنضبط وليس لدى إسرائيل ، التي تنعم بنظامٍ ديموقراطيٍ لا مثيل له في كل العالم العربي ، وهذا النظام يجيز للفلسطينيين ما لم يجزه لهم أي بلدٍ عربيٍ أو إسلامي .
الأمر الثاني : يتهم السيد التكمجي إسرائيل بأنها المستفيدة من التفجيرات الحاصلة في العراق وأنشطة تفخيخ السيارات ، فأما عن الفائدة فلا أدري ما الذي تستفيده إسرائيل من عودة صدام حسين أو على الأقل أيتامه في ما يسمى ( المقاومة ) وحلفائهم الفاشست من إسلاميين وعروبيين ، وهو الذي كان يشكل تهديداً خطيراً لها ، على الأقل من خلال دفعه السخي لعشرات الآلاف من الدولارات لأسر الإرهابيين الانتحاريين ، ثم كيف تستفيد إسرائيل من مقتل الجنود الأمريكان وقوى الحرس الوطني والمدنيين العراقيين وهي الحليف القوي لأمريكا وهزيمتها في العراق هزيمةٌ لإسرائيل ونصرٌ للعروبيين وحلفائهم الفرنسيين والروس ؟
ثم هي تعلم أن البديل عن حكومة السيد علاوي ، هو البديل الإسلامي الذي تدعمه إيران وسوريا والذي سيفتت العراق إلى إمارات إسلامية بعضها مرتبطٌ بالوهابيين الزرقاوين القاعديين والآخر بإيران الإسلامية ، وفي الحالين فالمنتصر هو سوريا وإيران والقاعدة وأيتام صدام حسين ، فكيف تكون الفائدة يا ترى لإسرائيل يا عزيزنا السيد التكمجي …؟
بل أظن أن العكس هو الصحيح وأن إسرائيل ستستفيد غاية الفائدة من انتصار الخيار الديموقراطي في العراق لأن هذا سيضغط على إيران وسوريا وسيعزز فرص السلام الدائم بين العرب وإسرائيل …أليس كذلك …؟
الأمر الثالث : يقول السيد التكمجي ، إن استطلاعا للرأي قد حصل في العراق ، قبل فترة غير بعيدة وكانت نتائجه تضع إسرائيل بالمرتبة الأولى في العداوة لدى العراقيين ، ثم تليها أمريكا وفي المرتبة الرابعة صدام حسين …!!
الحقيقة أن استطلاعات الرأي وفي هذه الفترة الحرجة من تاريخ البلد ، لا يمكن أن تملك أي مصداقية ، لأن الناس ليسوا بوضعٍ نفسي وسياسي واجتماعي آمن ولائق بحيث يمكن أن يؤخذ رأيهم على محمل الجد ، فهم وضعوا صدام في المرتبة الرابعة في العداوة رغم أن صدام قد ذبح منهم قرابة المليونين وشرد أربعة ملايين في بحر خمس وثلاثون عاماً من حكمه ، فهل لعاقل أن يصدق أنه العدو الرابع لهم ؟
لو إن هذا الاستبيان حصل بعد عشرة أو عشرون عاماً من إعدام صدام حسين أو موته في سجنه ، لقلنا أن للناس الحق في أن لا تعتبره عدواً لأنه مات وذهب إلى الجحيم ، لكن وصدام لا زال حياً وأيتامه يفخخون السيارات ويذبحون الناس بالجملة ، فكيف يكون مثل هذا الرأي صادقاً صحيحاً جديراً بالاعتبار …؟
إنه يا سيدي تعبير عن خوف الناس من صدام حسين لأن أيتامه لا زالوا يكمنون في كل ركنٍ من الشارع العراقي وبألف زيٍ ولون ولن تأمن الناس منه إلا حين يعلق أو يموت ، هذا أولاً والثاني لأن الناس في هذه المرحلة بالذات تفكر في الأمن الذي كانوا ينعمون به أيام صدام حسين ، وهو أمن الفأر في جحره لا أكثر ، أما الآن فحتى أمن الفئران مفقود وتلك ضريبة التحول الرهيب الجميل الذي حصل في العراق ، مضافاً إلى أن الناس تعيش في بطالة ورعب من التفجيرات والعنف السائد في الشارع وظهور التيارات الدينية المتطرفة والتي كانت نائمة في جحورها أيام صدام حسين وقد خرجت الآن لتملأ الشارع صخباً وتطالب بتحقيق أجندات غير عراقية وغير إنسانية ، هنا يتذكر الناس نعمة العلمانية في ظل الفاشية الصدامية ، رغم إنها علمانية منافقة .
إذن فتقييم الناس لدرجات العداوة غير دقيقٍ لا بالنسبة لصدام حسين وهو الذي يقع في الدرجة الرابعة ولا بالنسبة للأمريكان وهم في الدرجة الثانية أو إسرائيل التي تأخذ المكان الأول .
ثم … لماذا أخذت إسرائيل المكان الأول ولم تأخذه إيران مثلاً وهي من يدعم الإرهاب في العراق أو لمَ لمْ تكن سوريا …؟
الجواب …لأن إسرائيل أرحم من كل هؤلاء وهي بعيدة للغاية ولا حضور لها في الشارع العراقي وهي تتصرف دوماً في عداواتها كما وصداقاتها بعقلانية وانضباط بسبب نظامها الديموقراطي ، وبالتالي من السهل أن تقول أن إسرائيل هي عدو العراق الأول ولا خوف عليك ولا هم يحزنون …!
أما إن قلت صدام أو سوريا أو إيران فمن أدراك كيف سيكون رد فعل هؤلاء أو عملائهم في الداخل العراقي ، علماً بأن الاستفتاء كما نظن لم يكن فردياً وسرياً وحتى لو كان فإن الناس لا تأمن بالمستفتى ذاته …!!
مضافاً لكل هذا ، فهل تظن يا سيدي أن العراقيين وهم الخارجون للتو من تثقيفٍ عنصريٍ عدواني مكثفٍ دام لأكثر من خمس وثلاثون عاماً ، يمكن أن يكونوا قد تماثلوا للشفاء التام ، وفي بحر عام أو أثنين من تلك التركة الصدامية الوسخة ، بحيث يمكن لهم أن يجهروا بآرائهم وأن تكون تلك الآراء عادلة …؟
الأمر الآخر ، أن العداوة لإسرائيل واليهود عداوةٌ تاريخيةٌ توارثتها الأجيال جيلٌ إثر آخر دون أن يجرؤ أحدٌ على التساؤل ، لماذا ..؟
لماذا نكره اليهود ؟ لماذا نكره دولة إسرائيل ، وهي لم تضرنا بشيء ولم تعتدي على بيوتنا وبلداننا كما فعل الآخرون أهل البيت ذواتهم من أولياء أمورنا أو أشقائنا العرب والمسلمون الذين يستبيحون حرماتنا وينتهكون مقدساتنا ويقتلوننا بالجملة وبلا مبرر …؟
العداوة يا صاحبي تاريخية يختلط فيها الديني بالسياسي ، ولا مجال لنزعها من عقول الناس في بحر عام أو عامين من الحرية …!
ثم … من أين لجنابكم هذا الرأي في أن إسرائيل تعيش على دموع التماسيح التي تذرفها وتبيعها للآخرين وإسرائيل تعيش في وطنها المعترف به أممياً وهي أكبر قوة عسكرية واقتصادية وعلمية في الشرق كله وتفوق إيران وتركيا والعرب مجتمعين في قوة تسليحها وقوة اقتصادها ومستوى دخل الفرد فيها وقوة نظامها الديموقراطي الذي يفوق عمره الخمسون عاماً …!
ثم … طوال تاريخ إسرائيل الحديثة ، ما سمعنا أنها اعتدت على بلدٍ ، بل كانت هي من يُعتدى عليه وهي من ينتصر في النهاية .
طوال حروب العرب مع إسرائيل ، كانوا هم من يبادر للعدوان لإعادة رسم الخرائط التي أقرها المجتمع الدولي ، وفي كل مرة تهزمهم إسرائيل وتعيد من جانبها رسم الخرائط مؤقتاً ، بانتظار السلام لتعيد للناس حقوقهم التي أخذتها ثمناً وفاقاً لعدوانهم عليها .
يتحدث الكاتب عن الشعب الفلسطيني ومظلوميته والجدار العازل الذي يريد الإسرائيليون بناءه و…و…و…الخ .
الحقيقة لا أدري كيف يبيح الكاتب لنفسه أن ينظر للقضية الفلسطينية بعين واحدةٍ غير نزيهة وغير محايدة ، فإسرائيل لم تسلب متراً من الفلسطينيين منذ الأيام الأولى لإعلانها وقد أقامت دولتها في حصتها التاريخية من فلسطين ، وكان هناك يهودٌ في تلك المناطق وقد اشتروا لأشقائهم الآخرون أراضٍ وإذ زاد عددهم رفعوا علماً وأقاموا دولة أقرتها لهم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي برمته ، في الوقت الذي ما كان فيه في كل ارض فلسطين أي دولة ( عربية –فلسطينية ) منذ أيام عمر بن الخطاب ( والذي أقصى اليهود من أورشليهم وأقام مسجده وبنى للمسلمين مقدساتٍ على أساس دعوى إسراء محمد ومعراجه ) ، أما ما كان لهم ( لليهود ) فهو واقعٌ ملموسٌ محسوسٌ عمره ألف وثمانمائة سنة قبل عمر ، ( نعني تابوت العهد وهيكل سليمان والذي عمره من عمر مجيء موسى إلى أورشليم ( القدس ) في القرن الثاني عشر قبل الميلاد ، أي قبل إسراء محمد المزعوم بألف وثمان مائة سنة و…و…و…الخ ) .
أما عن مصالحنا كعراقيين أولاً مع إسرائيل ، فإنها مصالح إستراتيجية وتاريخية عمرها آلاف السنين ، إذ أن لليهود في العراق أنبياء ومراقد ومقدسات وكان عندنا شعبٌ يهوديٌ عراقيٌ عمره من عمر العراق تقريباً إذ وفدوا إلى العراق في العقد السادس قبل الميلاد ، أي قبل مجيء العرب بألف ومائتي عام …!
وهؤلاء اليهود العراقيون يبلغ عديدهم الآن قرابة النصف مليون في داخل إسرائيل وفي المهجر ، ولهؤلاء الحق في العودة أو زيارة بلدهم والتمتع بأملاكهم التي استباحها البعثيون ووزعوها على العربان وإرهابيو العالم الإسلامي ، تماماً كمنا فعلوا مع أملاكنا وبيوتنا نحن العراقيون من الشيعة والكرد والمسيحيون والتركمان وغيرهم …!
مضافاً لهذا فما يجمعنا الآن مع إسرائيل واليهود عامة هو أكبر مما يفرقنا من أساطير دينية عدوانية لا صحة لها على الإطلاق …!
ما يجمعنا بإسرائيل هو حلم الديموقراطية وقضية إنجاز تحرير بلدنا من الإرهاب الإسلامي والصدامي الذي يهدد وطننا ووحدتنا ومستقبل أجيالنا …!
نحن بحاجة ماسة يا سيدي لإسرائيل والخبرة الإسرائيلية في مكافحة الإرهاب وفي إعادة بناء وطننا وفي حمايتنا من الأعداء الحقيقيين لخيارنا الديموقراطي والفيدرالي ، وهؤلاء الأعداء أظنك تعرفهم ويعرفهم الجميع وهم إيران وسوريا والقاعدة وأيتام صدام الإسلاميين الطائفيين والعروبيين في الداخل العراقي …!
من العدل أن يقوم مثقفونا وبينهم السيد الكاتب وكل سيدٍ يتصدى لهمّ الكتابة ، بإعادة قراءة التاريخ وقراءة الحدث بعين جديدة تتناسب مع الواقع العالمي الجديد ومستقبل العراق والمنطقة برمتها …!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفع حالة التأهب في إسرائيل ومنع التجمعات في الشمال


.. ما حدث في الضاحية يهدف لتحييد حزب الله والمقاومة عما يجري ف




.. أهم المحطات في مسيرة حزب الله اللبناني • فرانس 24 / FRANCE 2


.. حالة من الذهول والصدمة في بيروت • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بين نعيم قاسم وهاشم صفي الدين.. إليكم من قد يخلف حسن نصرالله