الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عملية -وادي السلقا- بين المفاوضات الحائرة والإستراتيجية البديلة

محمد بهلول

2011 / 1 / 15
القضية الفلسطينية


يوحي المفاوض الفلسطيني في الآونة الأخيرة؛ أنه بصدد اعتماد سياسة بديلة، أو بالأدق "دبلوماسية بديلة" عمادها الوصول إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار إدانة دولية للاستيطان الإسرائيلي تمهيداً لاعتراف دولي بالدولة الفلسطينية، بديلاً عن سياسة ودبلوماسية المفاوضات المتبعة منذ أكثر من عشرين عاماً.
يعتقد المفاوض الفلسطيني أنه ومن خلال تكتيكه الجديد "القديم" قادر على امتصاص النقمة الشعبية والتبدلات الهائلة في أوساط الرأي العام الفلسطيني، وتجاوز الحالة الوطنية والسياسية الفلسطينية التي بدأت ـ وبعضها مبكراً جداً ـ والتي تدعو إلى اعتماد إستراتيجية جديدة بديلاً عن خيار التفاوض الأحادي.
يظن المفاوض الفلسطيني أن تكتيكه الجديد قادر على اختراق مجلس الأمن والرأي العام الدولي دون ملاحظة سلسلة المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية في كل من الولايات المتحدة و"إسرائيل"، والتي تجعل من أمريكا ـ بحكم المؤكد ـ تستخدم كل أوراق الضغط لديها ـ بما في ذلك "الفيتو" لتعطيل أي مفاعيل للتكتيك الدبلوماسي الفلسطيني، أما في "إسرائيل" والتي تتحول إلى مجتمع شديد اليمينية والعنصرية ـ عماده المستوطنين ـ فهي قادرة على لجم الطموحات الفلسطينية من خلال شبكة علاقاتها ومصالحها من جهة، واستهزائها بأي إنجاز على هذا الصعيد من الجهة الأخرى.
دبلوماسية المفاوض الفلسطيني تعتمد على مثاليات الحق والعدل وتوجهها باتجاه الرأي العام الدولي "حكومات وشعوب" وتختزل إلى حدود التلاشي البديل المنطقي "الواقعي والمادي" وهو خيار مقاومة الاحتلال والاستيطان، وكأن المطلوب إثارة العواطف، وليس التغيير المادي في موازين القوى.
ربما لم يلحظ المفاوض الفلسطيني بأن المفاوضات ولا سيّما منذ حكومة نتنياهو ـ ليبرمان اليمينية المتطرفة، ابتعدت عن مسارها كمفاوضات فلسطينية ـ إسرائيلية برعاية أمريكية، إلى مفاوضات أمريكية ـ إسرائيلية تتعدى إيجاد حل أو على الأقل تجميد ولفترة طويلة للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي في إطار تسوية ما، لتلامس قضايا المنطقة كلها، وبوضوح أكثر، لتعزز النفوذ الأمريكي ـ الإسرائيلي في هذه المنطقة الغنية والحيوية.
المتابع لمسار المفاوضات؛ يلحظ بسهولة الثبات العنيد للموقف الإسرائيلي، والتحوّل الكبير للرؤية الأمريكية واقترابها المتسارع للموقف الإسرائيلي.
منذ بداية عهد أوباما؛ أبدى الإسرائيليون رغبة جامحة بتجميد الحل في ملف الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي لصالح إيجاد حل "عسكري أساساً أو استسلامي" في الملف النووي الإيراني، الأمريكيون في البداية دعوا إلى أولوية حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي باعتباره مدخلاً لحل كل الصراعات الإقليمية الأخرى، وعندئذ تم الحديث على أن الدولة الفلسطينية هي "مصلحة أمريكية"، الآن من الواضح أن الأمريكيين بدأوا يتقبلوا الرؤية الإسرائيلية من خلال السعي إلى إبقاء نقاط التوتر في الأطراف واستخدامها في حل المشاكل الكبرى، ولعل العديد من المعطيات الأمريكية وأبرزها؛ تحلل الرئيس أوباما من ملف الصراع والمفاوضات على الجانب الفلسطيني ـ الإسرائيلي وتحويله إلى دبلوماسيين، كما تجاوز شرط التجميد المؤقت للاستيطان في الضفة الغربية، ما هي إلا مؤشرات للتقارب الأمريكي من الرؤية الإسرائيلية.
الفلسطينيون في هذا السياق عليهم الإقرار بهامشية دورهم في عملية المفاوضات القائمة، والتسليم بأن هذه الهامشية هي نتاج منطقي واقعي للسياسة الفلسطينية المعتمدة على "الخيار الواحد" التي لا زالت السلطة تصرُّ عليه حتى الآن، مما يجعل الورقة الوحيدة التي لا زالت ممسكة بها، ألا وهي حق "الرفض" لأية مقترحات، ورقة قابلة للتبدد والتلاشي مما يزيد الحالة الفلسطينية تهميشاً.
نحن الآن في الحالة الفلسطينية أمام خيارين: الخيار الأول "خيار التهميش المستمر والمتواصل" من خلال التمسك بخيار المفاوضات، والذي لن ينتج في أحسن الأحوال إلا دولة مؤقتة، ممزقة جغرافياً، معزولة سياسياً، ومهمشة إدارياً، أي حكم ذاتي "ناقص" بظلال استقلالية وهمية. أما الخيار الثاني فهو "خيار الاستنهاض الكلي" لطاقات الشعب الفلسطيني بكل تجمعاته الجغرافية تحت مسمى الإستراتيجية البديلة للحالة الفلسطينية وبحدود ما للحالة العربية.
إن الحلقة المركزية في هذه الإستراتيجية البديلة هي حركة المقاومة الشعبية بما يعني توسيع نطاقها وتصعيدها على خطوط التماس ومناطق الاشتباكات الساخنة مع الاحتلال والاستيطان، وهو ما يستلزم أمرين رئيسيين: الأول: إنهاء الانقسام على قاعدة سياسية عنوانها "التخلي عن البرامج الخاصة لصالح المشروع الوطني"، مترافقة مع استعادة بريق منظمة التحرير، وتصحيح آلية اتخاذ القرار الوطني بشكل جماعي بديلاً عن الأغلبية العددية في هيئاتها القيادية. أما الثاني: فهو انتهاج سياسة اقتصادية مجتمعية جديدة عنوانها تقديم مقومات الصمود للشعب وفي المقدمة الانفتاح الديمقراطي على الشعب، لإشراك مئات الألوف في الوطن والشتات بانتخابات النقابات والاتحادات والبلديات واللجان الشعبية بالتمثيل النسبي الكامل، وسحب اليد العاملة في المستوطنات بإيجاد فرص العمل البديل.
في إطار حركة اللاجئين والمغتربات؛ فإن عملية الاستنهاض يجب أن تستند على عدة عناوين أبرزها: تصعيد شمولية الحركة الشعبية في مواجهة الانقسام لاستعادة منظمة التحرير والمشروع الوطني، كما في تصعيد الحركة الشعبية لتأمين الحقوق الاجتماعية والإنسانية، وأخيراً العمل على تحشيد أوسع عملية تضامن ومساندة من قبل الرأي والمجتمع المدني في الدول المضيفة لمواجهة "إسرائيل" وجرائمها.
إن استنهاض وتصعيد حركة المقاومة الشعبية وعلى نطاق الشعب الفلسطيني بأكمله، يترافق مع انتهاج سياسة مقاومة دبلوماسية عنوانها المفاوضات على أسس وشروط واضحة المعالم، قاعدتها تجميد الاستيطان والمرجعية القانونية والزمنية، هذه الدبلوماسية المترافقة مع دبلوماسية توسيع دائرة الاعتراف الدولي بدولة فلسطين وبحقها في السيادة على أرضها ضمن حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، والعمل على نزع الشرعية الإنسانية والقانونية عن دولة الاحتلال ووضعها موضع المسائلة ومحاسبتها على انتهاكاتها الصارخة للقانون الدولي وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
إن المقاومة الشعبية الشاملة والمتعددة الأشكال والأساليب هي سند المقاومة الدبلوماسية ومنبع قوتها والأساس لإعادة تصليب المفاوض الفلسطيني لا تهميشه. في هذا السياق تأتي العملية البطولية لكتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية في "وادي السلقا" مساء يوم 7 كانون الثاني/ يناير، والتي أدت إلى مقتل رقيب إسرائيلي وجرح أربعة آخرين، منهجاً يخدم الإستراتيجية البديلة التي كانت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أول من دعت إليها وتبنتها في اجتماع لجنتها المركزية (23 ـ 26/10/2010).
كاتب عربي فلسطيني ـ دمشق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرايا القدس: خضنا اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال في محور ال


.. تحليل اللواء الدويري على استخدام القسام عبوة رعدية في المعار




.. تطورات ميدانية.. اشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحت


.. ماذا سيحدث لك إذا اقتربت من ثقب أسود؟




.. مشاهد تظهر فرار سيدات وأطفال ومرضى من مركز للإيواء في مخيم ج