الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حيوية الشعب التونسي وحياء رئيسه

حسن الفرطوسي

2011 / 1 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


الغموض يكتنف طرفي المعادلة التونسية، فالانتفاضة الشعبية التي أثبتت حيوية الشعب التونسي، مظهرها واضح الملامح، غضب، نيران، عنف، فوضى، وجوهرها غامض، لا قيادات معروفة في الداخل ولا خطاب سياسي رصين من قبل معارضة نظام بن علي في الخارج.
ذلك على عكس الطرف الآخر من المعادلة وهو الرئيس زين العابدين بن علي الذي ظاهره واضح وجليّ، من خلال استجاباته لغضب شعبه وتعامله مع الحالة بحكمة وشعور بالمسؤولية، وعود بإصلاحات، أوامر لقواته الأمنية بعدم استخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين، خطاب لا يخلو من العاطفة تجاه شعبه، إقالة حكومته ووضع سقف زمني لإجراء انتخابات، ومن ثم تخليه عن السلطة ومغادرة البلاد.. أما جوهره فغامض ومغيب الملامح، انتهاكات لحقوق الإنسان تثيرها منظمات محلية بين حين وآخر، سوء في إدارة الاقتصاد وتشغيل الموارد البشرية وغيرها من الملفات التي لم تلامس مؤشرات الانهيار التام ولم تطرق أبواب مسامعنا كثيراً.
ووفق هذه المعادلة أستغرب حماس بعض الكتاب العرب في إعلان رأي مطلق بقراءة المشهد التونسي، بل أن بعضهم أفرغ كل ما في حوزته من خطابات متشنجة على شكل مقالات، كما هو حال عبد الباري عطوان عبر مقاله المغرق في الثورية "للشعب التونسي.. شكراً" المنشور في القدس العربي، وقد أدهشني إنه أكمل كتابة ذلك المقال دون أن يصاب بنوبة قلبية.. كما أستغرب عجالة بعض الكتاب العراقيين في دعوة شعبهم والشعوب الأخرى للسير على جمر أحداث تونس، ففي مقال للشاعر العراقي عبد القادر الجنابي نشره على موقع إيلاف، أعرب عن فرحته بما حدث في تونس واستشهد بأقوال فلاسفة القرون الوسطى في سبيل إثبات سمو الحالة التي يشهدها الشارع التونسي، وختم مقاله بأمنية أن تنتقل التجربة إلى سوريا، ولا أدري لماذا سوريا تحديداً دون سواها.. ليس هذا فحسب، بل أن عدداً لا يستهان به من الكتاب العراقيين قد أفصحوا عن أمانيهم بأن يتعلم العراقيون الدرس من الشعب التونسي، ودعوا بكثير من الحماس إلى نقل الفوضى إلى بغداد. ويبدو أن الفوضى التي يعيشها العراق اليوم غير مشبعة لعقلياتنا الثورية التواقة للخراب..
هل العراق بحاجة إلى انتفاضة مشابهة لما حدث في تونس؟ العقل والحكمة والضمير والحرص على بناء الحياة، يقولون "لا" لسنا بحاجة إلى خراب أضافي، بقدر حاجتنا إلى بناء وعي تنويري يميّز الأمور بموضوعية وإيجابية، وعي ينمّي قابلية المواطن على حسن الاختيار في الانتخابات (مثلاً)، وعي يجعل المجتمع يرجح كفة البناء على كفة الخراب المغلف بشعارات ثورية جوفاء، وهذا خيار صعب بطبيعة الحال، لأنه يحتاج إلى جهود فكرية ومعرفية فوق العادة وتحركات ميدانية نوعيّة مبنية على أسس واقعية وموضوعية، لكن استسهال الطريقة الفوضوية بالتغيير يغري الكثير من الكسالى للترويج لها.
كم نحن بحاجة إلى تأسيس منظمات مجتمع مدني حقيقية، لا دكاكين يعشعش فيها الانتهازيون والطفيليون، وكم نحن بحاجة إلى إعداد وتنفيذ برامج اجتماعية وتوعوية تنهض بواقعنا الثقافي والأخلاقي والتربوي المتدني، كم نحن بحاجة إلى أن تنشغل النخب العراقية بالبحث عن آليات عملية لنقل المجتمع من الظلام إلى النور، كم نحن بحاجة إلى ابتكار وسائل ناجحة لواجهة فعل وخطاب وسلوك الأحزاب الدينية التي كشفت عن نواياها الحقيقية بإتباع نهج نظام طالبان لتعميم النموذج القندهاري؟ كم ذلك يبدو عسيراً؟.. وكم يبدو يسيراً خداع البسطاء وجعلهم وقوداً مجانياً يتدفأ عليه أصحاب المصالح الحزبية الضيقة وأصحاب المشاريع السياسية التي سادت ذات زمن ثم بادت؟
قد يكون بن علي قد آثر السلطة على حساب مصلحة جماهيره، لكن ليس بوسعنا أن ننكر استجابته السلمية لغضب الشعب التونسي، وهذا بحد ذاته يبدو غريباً على ثقافتنا العربية، حتى أن بعض الكتاب العرب نظروا إلى التنازلات المتلاحقة التي سارع بن علي لتقديمها لشعبه على إنها تنازلات مخزية، في الوقت الذي لو تأملناها جيداً لوجدناها حياء ونبل فريدين.
أتمنى أن تنجح تجربة الشعب التونسي ويبني نموذجاً للشعب الذي يريد الحياة فعلاً، وأتمنى أن لا تكون تلك الثورة فرصة أمام القوى الظلامية للانقضاض على الحكم.. كما أتمنى أن لا يأتي اليوم الذي نرى فيه الشعب التونسي نادماً على ثورته، رغم إني أتوقع ذلك في قادم الأيام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -محاولة لاغتيال زيلينسكي-.. الأمن الأوكراني يتهم روسيا بتجني


.. تامر أبو موسى.. طالب بجامعة الأزهر بغزة يناقش رسالة ماجستير




.. مشهد تمثيلي في المغرب يحاكي معاناة أهالي غزة خلال العدوان


.. البرازيل قبل الفيضانات وبعدها.. لقطات تظهر حجم الكارثة




.. ستورمي دانييلز تدلي بشهادتها في محاكمة ترمب