الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوية الطبقية لدولة ما بعد الأحتلال الإنجلو – أمريكي

وصفي احمد

2011 / 1 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


الهوية الطبقية لدولة ما بعد الأحتلال الإنجلو – أمريكي
على الرغم من أن هوية الحكومة العراقية التي تشكلت بعد الإحتلال الإنجلو – أمريكي للعراق سنة 2003 لم تحسم احد الأن , فما زال الصراع محتدم بين الإسلام السياسي الشيعي و التيار القومي العروبي حتى كتابة هذه السطور, و سيظل مستمر إلى مدى غير منظور , فالإسلام السياسي الشيعي غير قادر على تشكيل دولة مدنية حديثة في بلد متنوع القوميات و الأديان و الطوائف و الثقافات بسبب طبيعته الطائفية . بينما يمتلك التيار القومي العروبي , الذي حكم البلاد منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عشرينيات القرن الماضي , إرثا سيئا في الذاكرة الجمعية للغالبية العظمى للجماهير العراقية بسبب ممارساته القمعية سواء في تعامله مع القضية الكردية أو مع المصنفات و المصنفين ( شيعة ) .
دون أن ننسى دور العامل الخارجي , دوليا و إقليميا , فالتيار الأول متهم بالولاء إلى حكومة الملالي في إيران و أنه لن يستطيع الخروج عن طوعها على المدى المنظور على الأقل لأسباب يعرفها معظم المراقبين للشأن العراقي , في حين يسعى التيار الثاني على الحصول على دعم دول الجوار العربي المسماة ( محور الإعتدال العربي ) و تركيا المدعومة من قبل الإتحاد الأوربي , و بذلك فقد أصبحت الساحة العراقية مركزا للتصارع بين هذين الإتجاهين .

في حين يعاني التياران السياسيان القادران على بناء دولة المواطنة , الييبرالي واليساري , من ضعف واضح , فالأول لا يمتلك الأرضية الإجتماعية لغياب الطبقات البرجوازية التي يمثلها , بينما يعاني الثاني من ضعف واضح بسبب الأخطاء المتكررة لتياره التقليدي في تعامله مع قضية إستلام السلطة , في حين ما زال تياره الجذري حديث التأسيس و يعاني من مشاكل عديدة أهمها مشكلة التمويل .
أما الأحزاب القومية الكردية فهي تعلم بأنها غير قادرة على النهوض بهذا الأمر لذلك فهي ما زالت تلعب على التناقضات بين التيارين الأوليين للحصول على أكبر قدر ممكن من المكتسبات لصالحها .
و في الوقت نفسه فقد حسمت الهوية الطبقية لهذه الدولة حتى قبل الغزو الأمريكي للبلاد , إذ اتفقت الأحزاب و القوى السياسية مع الإدارة الأمريكية على إسقاط نظام صدام في مقابل بناء النموذج الإقتصادي الليبرالي في عراق ما بعد صدام و بهذا فالدولة الجديدة ستكون برجوازية تابعة للإقتصاد الرأسمالي , خصوصا الأمريكي .
و لتحقيق هذا الهدف لابد من القيام بحزمة من الإجراءات القانونية و العملية لتحويل اقتصاد البلاد من موجه إلى حر . فالقانونية تتمثل في تغيير القوانين السائدة بما يسمح للشركات المحلية و الأجنبية للعمل بحرية في البلد .
أما في الجانب العملي فلابد من قيام الدولة برفع الدعم عن الحاجات الأساسية التي تمس حاجات الجماهير اليومية , لذلك قامت حكومة الجعفري برفع أسعار المحروقات تحت ضغط صندوق النقد الدولي و غيره من المؤسسات الرأسمالية بشكل كبير مما ألحق أضرار فادحة بواقع الجماهير الاقتصادية خصوصا الفلاحين الذين يعتمدون على مادة الكاز في تشغيل مكائن الري لسقي مزروعاتهم نتيجة للإنقطاع المستمر للتيار الكهربائي مما أدى إلى رفع كلف الإنتاج قياسا بالأرباح التي يحصل عليها الفلاح هذا إذا ما علمنا أن الدولة رفعت يدها عن دعم المستلزمات الآخرى للعملية الزراعي كالبذور و الأسمدة و المبيدات الحشرية مما أدى إلى هجرة أعداد كبيرة منهم لأراضيهم و التوجه نحو المدن للحصول على فرص العمل فيها .
كما تعاني مفردات البطاقة التموينية التي تعتمد عليها الغالبية العظمى من العوائل العراقية نتيجة معاناتها من فقر مدقع لانتشار البطالة و إرتفاع معدلات التضخم بشكل قياسي .
و لابد من فتح الأبواب للشركات المتعدة الجنسية للإستثمار في البلاد , خصوصا في مجال الثروة النفطية , بحجة عدم قدرة الدولة على النهوض بواقعها للنقص الحاد في الموارد المالية اللازمة لتحقيق هذه الهدف , لذلك قام وزير النفط ( الشهرستاني ) بإستغلال القوانين التي مازالت سارية المفعوا للتعاقد مع العديد من هذه الشركات للتخلص من المعارضة الشديدة التي أبدتها العديد من القوى السياسية , داخل العملية السياسية كالتيار الصدري و خارجها كمؤتمر حرية العراق , و الإجتماعية كنقابات العمال و العديد من خبراء النفط .
و في نفس الوقت تعاني المشاريع الصناعية الكبرى , التي تعد من أكبر المنجزات التي حصل عليها الشعب العراقي بعد نضال شاق و طويل , من إهمال متعمد كي تظل تعاني من خسائر متكرة مما يعطي الذريعة للحكومة من أجل العمل على خصخصتها , دون الانتباه إلى الخسائر الأقتصادية التي لحقت بالعديد من الدول التي أقدمت على خطوات مماثلة كما هو الحال مع مصر السادات حيث بيعت مشاريها بأثمان بخسة ذهبت معضمها إلى جيوب الفاسدين , و بالتالي سيؤدي هذه الخصخصة إلى طرد مئات الألاف من العمال بحجة عدم الحاجة لهم لتزداد أعداد العاطلين .
إن هذا الواقع المأساوي يضع على عاتق الجماهير الكادحة ألا تنخدع بالشعارات البراقة للأحزاب و القوائم البرجوازية في المستقبل الزاهر المزعوم و أن تقوم بتنظيم أنفسها في نقابات و إتحادات حقيقية و أن تلتف حول الأحزاب و القوى السياسية التي تمثل مصالحها للوقوف أمام إجرائات الدولة و لتقليل حجم الخسائر التي لابد و أن تحصل لها جراء هذه الاجراءات و العمل على إحداث تغيير حاسم في موازين القوى لصالحها و إلا فان أوضاعها الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية ستظل تسير من سيء إلى أسوء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التكوين الطبقي للنظام الجديد
عبدالله الداخل ( 2011 / 1 / 16 - 14:24 )
سوف أؤيد الكاتب إذا طمح إلى إعتبار موضوعه هذا مصدراً مهماً من مصادر المعرفة الطبقية للدولة العراقية، تأريخياً، إذا أعاد كتابة هذا الموضوع بصورة أكثر تفصيلاً إنطلاقاً من الفقرة الرابعة في هذا المقال والتي تبدأ هكذا: (و في الوقت نفسه فقد حسمت الهوية الطبقية لهذه الدولة حتى قبل الغزو الأمريكي للبلاد)؛ حيث يصح لغوياً إستعمال كلمة -تكوين- (وليس تكوّن)؛ بدلاً من (الهوية) وذلك في عملية -خلق- طبقة جديدة وهي البورجوازية الكومبرادورية التي تتميز بالخيانة الوطنية والتي التحقت بها شرائح لا يُستهان بها من بقايا الدكتاتورية وحتى أعضاء المافيا الصدامية، حيث تنمو هذه الطبقة على السرقات وسلب المجتمع بكل الوسائل مثلما على الهبات والرشاوى الأجنبية تحت عناوين إعادة البناء أو الأمن أو التسليح، حيث يتم صرف الهبات من واردات النفط العراقي
تحياتي

اخر الافلام

.. من يتحمل مسؤولية تأخر التهدئة.. حماس أم نتنياهو؟ | #التاسعة


.. الجيش السوداني: قواتنا كثفت عملياتها لقطع الإمداد عن الدعم ا




.. نشرة إيجاز - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجزيرة


.. -تجربة زواجي الفاشلة جعلتني أفكر في الانتحار-




.. عادات وشعوب | مدينة في الصين تدفع ثمن سياسة -الطفل الواحد-