الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-ثورة الياسمين- درس تونسي مضاف!

كامل كاظم العضاض

2011 / 1 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


، ودرس تونسي مضاف!“ثورة الياسمين”
د. كامل العضاض

إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليلِِِِِ أن ينجلي ولابد للقيد ان ينكسر
................
ومن لم يعانقه شوقُ الحياة تبخر في حرها واندثر

هكذا على مدى شهر كامل كانت أناشيد و هتافات الآلاف من أبناء الشعب التونسي تصدح في مدن تونس الرئيسة، بل وتقطع شوارع تونس العاصمة، صباح مساء، متلقية رصاص الأمن وجلاوزة الحكومة، ومحترفي قتل الجماهير. هذه الجماهير التي كانت تردد صدى أبيات شاعر تونس الأكبر، أبو القاسم الشابي، وقد أوقدها اللهيب الذي أشعله ذلك الكادح التونسي محمد بوعزيزي، الذي سُدّت بوجهه سبل الحياة، وصفعته شرطية، بينما دفشواعربتة التي يبيع بها بعض الخضار بأفلاس ضئيلة، ليسد بها بعض أود عيالة، وطردوه ولم يقابله أو ينصفه أحد من المسؤولين، فحرق نفسه نهارا جهارا وأمام عيون الجلاوزة المسؤولين! وهكذا إندلع لهيب هذه الإنتفاضة الشعبية من لهيب النار التي حرقت جسد بوعزيزي، فاطلق عليها البعض بثورة "الياسمين"، ربما على نسق تسمية إنتفاضات شعبية جرت خلال المدة 2000-2005، في بعض أقاليم الإتحاد السوفيتي سابقا، في سيبيريا والبلقان، مثل جورجيا التي سميت إنتفاضتها بثورة الورد، وأوكرانية التي سميت إنتفاضتها بالثورة البرتقالية، وكيرغيزستان التي سميت إنتفاضتها بثورة التولب. وهذه إنتفاضات جماهيرية أطاحت بحكوماتها، ولكن لم تقدم شهداء ولم تراق فيها الدماء مدرارا، كما حصل في تونس. وعلى ذلك، نحن لا نرى من المناسب تسميتها بثورة الياسمين. وذلك لأن المنتفضين قدموا ثمانين شهيدا ومئات الجرحى، فهل لا يؤهل هذا الثمن الإنساني إنتفاضتهم لتسمية "الثورة الحمراء"؟
نعم، أنها كانت حمراء، لأنها كانت تعبر عن غضب حقيقي لم يوقفه الدم المسال ولا الرصاص المجلجل. فهو غضب حقيقي لأنه يعبر عن فقدان الأمل لمئات الألوف من العاطلين، بضمنهم خريجون ومؤهلون جامعيون، الى جانب شحة الفرص وإرتفاع تكاليف الحياة، في ظل نظام قمعي شرّد معارضية وسجن أصحاب الرأي، وقيد الحريات، وأضحت فيه البلاد سجنا كبيرا يديره سجانون، لحساب السيد القابع على رأس السلطة لثلاثة وعشرين عاما. إلا أنه تنازل ورشح نفسه خلال هذه المدة مرتين، كمرشح وحيد لرئاسة الجمهورية، بصلاحيات طاغية؛ بعد أن إستولى على السلطة من سيده الحبيب بورقيبة الذي كان قد قاد البلاد الى الإستقلال من فرنسا في عام 1957، وتربع على عرشها، الذي صار عائليا بحتا، لمدة ثلاثين عاما، الى أن انهكه المرض، فإغتنمها حارسه الأمين زين العابدين بن علي فرصةً، ليزيحة ويحل محله في عام 1987. وبعد مرور إثني عشر عام رشح نفسه، كمرشح وحيد، ليفوز بنسبة 99% من الأصوات. وحينما أدرك سهولة تزييف الأصوات، رشح مرة أخرى في عام 2004، لينال 94% من الأصوات!
صحيح أن المناضلين الأوائل، بقيادة بورقيبة، قد أقاموا، بعد تحقيق إستقلال البلاد من فرنسا، جمهورية ديمقراطية علمانية، بنظام رئاسي، وأسسوا لدستور ديمقراطي، وأقاموا هيئتين للتشريع، الأولى هي مجلس النواب، والثانية هي مجلس المستشارين، ولكن المعارضة لم تصبح محسوسة إلا بعد مضي ما يقرب من أربعين سنة بعد الإستقلال. وتحت حكم بن علي، فإن أقصى ما حققته المعارضة هو تشكيل نسبة 9% من مجموع مجلس النواب في عام 1994؛ وهذه نسبة لا تستطيع أن تكون مؤثرة لتحقيق أية تعددية. وصحيح، أيضا، بأن التنظيم النقابي في تونس قد تطور تحت ما يسمى بالإتحاد العام التونسي للشغل الذي تأسس تحت التأثير الفرنسي منذ عام 1946، إلا أنه لم يكن دائما قادرا على تجاوز مطاليبه النقابية الى الحيز السياسي. وهناك أحزاب معارضة بعضها عريق وبعضها حديث، مثل حزب النهضة بقيادة رشيد الغنوشي والمؤتمر من أجل الجمهورية والحزب الشيوعي التونسي، وتنظيمات معارضة أخرى، ولكن معظم قادتها مغيبون خارج البلاد، وبعضهم يرزح في السجون. وصحيح أيضا، بأن الإقتصاد التونسي لايمتلك موارد طبيعية كبيرة، كالنفط والغاز، كما أن قطاعه الزراعي محدود، لا يتجاوز ال11% من الناتج المحلي الإجمالي، فنشاطه الغالب هو الخدمات الخاصة والعامة، حيث تشكل 54% من الناتج المحلي الإجمالي، وتتوزع بقية النسب على بقية النشاطات، كالتشييد والتجارة والصيرفة، الخ. إن هذه الهيكلية الإقتصادية لا تسمح بإستيعاب كل اليد العاملة المتاحة، فعدد السكان المقدّر هو حوالي 12 مليون نسمة، يعمل ما يقرب من مليون منهم في الخارج؛ (اوربا، وجزئيا، الخليج)، وهناك بطالة تقرب من 12% من السكان، اي ان عدد العاطلين قد يصل الى المليون شخص، وخصوصا من المتخرجين الجدد، مما كان يتطلب وضع خطط بعيدة المدى لإدخال التقنيات الحديثة، وتفعيل الإستثمارات الصناعية والتجارية، لاسيما وان تونس على بعد مرمى حجر من أوربا، ولكن الحكومات التي يشكلها بن علي لم تتصد للمشاكل الإقتصادية الحقيقية، وكان الفساد يعتريها، بل وأن الرئيس بن علي محاط ببطانة من الفاسدين، بما فيهم من هم من عائلتة وعائلة زوجته.
أن الدروس التي ألقتها علينا اليوم الإنتفاضة التونسية الحمراء تتلخص بأمرين أساسيين؛ الأول، هو أن الديمقراطية والحريات والتنمية لا تتحقق لمجرد وجود دستور ديمقراطي ومؤسسات تشريعية وقضائية ديمقراطية، فهذه ممكن شلّها وتعويقها وتزييف إرادة الناخبين، وقمع المعارضين وأصحاب الرأي، طالما ان الرئيس يملك مجلسا للنواب يشرّع له، عند الطلب، ما يحتاجه من القوانين القمعية. والأمر الثاني، هو ان الجماهير حينما تيأس وتجوع، وتنغلق أمامها نوافذ الأمل، فهي لا تنتظر منقذا للمجئ لتحريكها، فهي تثور بالإستيلاء على الشارع، بعدما ينفد صبرها. وهذا الدرس جدير بالتأمل من قبل كل من يتصور من الحكام، بأن لديه ما يكفي من قوات أو مليشيات وطوائف مذهبية مجيّشه، ويمكن دفعها للتتظاهر بالملايين، كلما أراد لها الحكام ذلك، لتأييده. لكن، حينما يحلّ الحرمان والإستلاب وتُفتقد الكرامة، وينعدم الأمل، ستخرج نفس هذه الجماهير المصفقة بالأمس لتطيح بحكامها، وسيستولي العاطلون على الشوارع، ذلك لأن ليس لديهم ما يخسرونه. هل سمع الناس بشعارات المواكب الحسينية في العراق قبل شهر؟ من هنا، يشّع الدرس التونسي المضاف، فحسبما عرفنا من خلال متابعة الأحداث في تونس أن المحرك الأعظم للإنتفاضة هو ليس أحزاب المعارضة، بل أن التحرك العفوي للجماهير هو الذي كان طاغيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا