الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عطر- القارئ بين القراءة والمشاهدة البصرية

خالدة خليل

2011 / 1 / 16
الادب والفن


في عام 1985 صدرت رواية العطرDas Parfum للكاتب الالماني باتريك سوزكيند، والتي لاقت صدى كبيرا في الاوساط الادبية والنقدية في المانيا وبيع منها حوالي 15 مليون نسخة وترجمت الى العديد من لغات العالم ثم عرضت على الروائي فكرة تحويلها الى فلم سينمائي . رفض زوسكيند الفكرة بسبب صعوبة نقل هكذا رواية الى مشاهد بصرية لكنه قبلَ أخيرا بعد عرض من توم توكفير وبعد ان دفع الممثل داستن هوفمان له مبلغا كبيرا من المال. لكن هل تمكن هذا المخرج المشهور صاحب فلم (باريس احبك) من تحقيق نجاح مماثل في فلمه الجديد هذا ؟
قدر تعلق الأمر بي أحسست في الأقل بخيبة أمل كبيرة ذلك ان الفرق بين الرواية والفلم كبير جدا، إذ افتقدنا في الفلم تأثير إيحاء الأعجوبة على العكس من نظيره في الرواية، يرى القارئ من خلال أنف الشخصية الرئيسة فيما بقي انف الشخصية الرئيسة في الفلم مرئيا وهو أمر قتل الاستغوار.
من جانب آخر ان ترجمة عصب الرواية الى فلم لم يكن متكاملا اذ اختُصر كثيرا وبذلك فقدت تلك الجاذبية الموجودة في الرواية حيث ان تطور غرانوي الى قاتل كان على مراحل وان هذا التطور كان من اجل خلق شئ يريد به تغيير العالم ، اما في الفلم فقد اصبح بسبب الوقت تطورا خطيرا يصعب على المشاهد فهمه واعتقد ان زوسكيند كان على حق حين رفض في البداية هذا الامر كما رفضه مخرجون اخرون .
تذكرت هذا وانا اشاهد قبل ايام فلم القارئ Der Vorleser المأخوذ عن رواية الكاتب الالماني بيرنهارد شلنك والذي ترك لدي انطباعا مفاده ان الفلم دائما قاصر عن احتواء كل المشاهد الروائية بالتفصيل ومع ان الفلم كان جميلا الا ان هناك بعض المآخذ عليه منها :
احسست وانا اشاهد الفلم ان من لم يقرأ الرواية يصعب عليه فهم الفلم وذلك لتداخل بعض المشاهد كالمشهد الاول الذي يظهر فيه الممثل رالف فينيس وهو ينظر من النافذة عندما تعود به الذاكرة مع مشهد وجود دافيد كروس الممثل الشاب وهو بدور (مايكل) ايضا في القطار الداخلي للمدينة .
بطلة الفلم هي كيت وينسلت الحائزة على جائزة الاوسكار التي تقوم بدور حنا شمت الى جانب ممثلين المان لهما شهرة عالمية هما برونو كانز والكسندرا ماريا لارا .
يلاحظ القارئ ان مايكل في الرواية هو الراوي العليم، مشفوعا بتقنية الاسترجاع التي تضفي على العمل جمالية ومفاجأة تخفتان في الفلم. حين تعود الذاكرة ب(مايكل) الى الماضي وتحديدا الى الحدث الذي غير حياته وهو في عمر الخامسة عشر، عند لقائه بـ(حنا) بنت السادسة والثلاثين، إذ تدعو بهما الحاجة الجنسية الى هذا النوع من اللقاء. حنا شمت السيدة في منتصف العمر والمحصلة في القطار الداخلي للمدينة تعيش وحيدة، تلاقي مايكل المراهق الغر الذي معها يستهل معرفته بعالم المرأة. تصبح هي معلمته لكنها تطلب منه ان يقرأ لها قبل الممارسة شيئا من القصص والروايات، ومع ان الجزء الاول الذي يتضمن في الرواية المقاطع الجنسية لم يتوافر على تلك التفصيلات التي أضاءها الفلم وجعل مؤلف الرواية يقول انه "كانت هناك بالفعل صور أخرى ومشاهد اقتبست من الرواية. وعندما يستحدث المخرج شيئا جيدا ارى ان هذا جميل بالفعل“.
بالنسبة لي اخذ هذا الجزء الكثير من وقت الفلم لان الرواية تركز على الجزء الثاني اكثر وهي محاكمة حنا بتهمة قتل يهوديات وهي ثيمة العمل الرئيسة وقد أجاد شلنك في تصويرها واستطيع القول ان هذا الوصف الدقيق لاجواء المحكمة والمحاكمات يعود إلى معرفة بيرنهارد شلنك بالقانون بوصفه بروفسورا في مجال القانون وقد عمل محاميا وقاضيا وهو يدرس علوم القانون في الجامعة الان. اما عن سبب اختيارهم لهذه الرواية وتحويلها الى بصرية فربما يكون السبب هو انه قد كثرت في الاونة الاخيرة الافلام التي تعيد الذاكرة الى المحرقة اليهودية والتاريخ النازي الالماني، فقد اخرج فلم اخر في هوليود بعنوان عملية فالكوره Operation Walküre الذي قام بدور البطولة فيه توم كروز، ويصور محاولة اغتيال هتلر على يد العقيد شتاوفنبيرج . وعودا على فلم القارئ، يجد المشاهد ان الفلم يعبر عن نهاية قصة حب مأساوية بين حنا ومايكل بشكل اعمق وقد يكون السبب انه لاتعاطف مع مجرمي تلك الفترة بحق اليهود .
هناك مشاهد محذوفة من الفلم منها ان مايكل في أثناء مغادرته، يترك ل(حنا ) رسالة يخبرها فيها بخروجه مع أصدقائه، ولكن كون ان حنا امية نجدها لا تبالي وهذا ما يغصبها حد ضربه، وهي دلالة توكيدية على اميتها التي كانت تخفيها، اللهم باستثناء مشهد ذهابهما الى المطعم معا، حين يطلب منها ان تختار نوع الطعام فتنظر مليا في لائحة الأطعمة دون ان تعرف ما تنتقي. هنا يدرك المشاهد اميتها، ولكن حنا تبدأ في السجن بتعلم القراءة والكتابة و ترسل ل(مايكل ) اسماء الكتب التي تريد قراءتها .
ويتجلى الغموض في مشهد انتحار حنا، عندما تتصل حارسة السجن ب (مايكل ) لتخبره بان سبب انتحارها هي قراءتها الكثير من كتب الهولوكوست، وهو ما لم يكن واضحا في الفلم لكن يمكن للمشاهد الاستدلال على ذلك من النقود التي تركتها لاحدى الناجيات من المعتقل انذاك، تكفيرا عن احساس بالذنب .
بقي ان اقول ان ما اراد المؤلف قوله كان واضحا في الرواية والفلم وهو مدى توافق الحب والذنب والقدرة على دحر الأحداث من حيز الذاكرة والشعور والعقاب وهل ان الحب قادر وهو حالة شخصية أن يمحي ماهو عام اي الذنب الجماعي الذي ارتكب بحق الاخرين ؟ تبقى النهاية مفتوحة في الرواية /الفلم امام القارئ /المشاهد لتكون له الكلمة الاخيرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الموزع الموسيقى أسامة الهندى: فخور بتعاونى مع الهضبة في 60 أ


.. الفنان محمد التاجى يتعرض لأزمة صحية ما القصة؟




.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا


.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -عالماشي- في العرض الخاص بالفيل