الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القطار والبحث عن استعادة عالم مستحيل

محمد مسعد يحيي

2004 / 9 / 30
الادب والفن


في البداية يفقد الزوجان تذاكر القطار.. ليهبطا إلي عالم المتسولين الصغيرين ويشتبكان مع عالم المحطة بكل ما فيه ، بداية من ناظر المحطة - الممحو المعالم - وحتى الركاب بكل تنويعاتهم ... وفي النهاية يصعد الزوجان إلي القطار تاركين خلفهم عالماً ربما يبدو للبعض أكثر جمالاً وربما يبدو للبعض الآخر عالماً محطماً ، لكنه وفي النهاية عالم يمتلك وعياً مغايراً وواقعاً مختلفاً .
يتحرك عرض (القطار) الذي قدمته فرقة كوريا الجنوبية(تشو إن للدراما) على مستويين : الأول هو مستوي هيمنة النص الحركي و الذي يطغي بسلطة الحدث على العرض ، أما المستوي الثاني فهو تحاور عناصر العرض مع تلك السلطة إلي الحد الذي ينفيها إلي حدود الحنين والاستعادة الفاشلة لصورة عالم منقرض بفعل الضرورة والزمن ، عالمٍ تسقط كل محاولات استعادته في دائرة الفشل – وبشكل مسبق- دائماً.
فإما بالنسبة للمستوي الأول فإن العرض قائم على دراما تقليدية تتأرجح طيلة الوقت على هاوية الميلودراما ، بل إنها ذهبت في بعض الأحيان إليها بوعي كما في مشهد تفتيش وضرب المتسولين الصغيرين من قِبل زعيمة عصابة المراهقين- إذا ما جاز وصفها بذلك – لكنها دائماً – أي الدراما – تعود سريعاً لتحطيم الميلودراما عبر الكوميديا والسخرية طيلة العرض
ولكن وعلى المستوي الآخر فإن العرض يقوم بتفتيت تلك البنية الحكائية للدراما عبر تلك اللوحات التي تتابع والتي تقسم العرض إلي وحدات مشهدية مكشوفة للمتلقي ، وإن لم تكمل كشفها لذاتها إلا مع اللوحة النهائية والتي كتبت عليها كلمة (النهاية) حيث تقسم تلك اللوحات العمل إلي وحدات كما تستخدم داخل العرض كإعلان عن القطارات .
وكذا اعتماد التعبير الحركي كلغة للتواصل مع المتلقي حيث يطرح استخدامه العديد من التساؤلات حول اعتماد نص العرض للجسد كلغة للتحاور والتواصل مع المتلقي داخل بنية درامية تقترب – وكما سبقت الإشارة - من النموذج المعتمد للواقعية النقدية مع بعض الرتوش الميلودرامية ، وهو ما يؤدي إلي إعادة صياغة المتلقي مع موضوع العمل ويحول تلك الأنماط التقليدية إلي شيء مختلف يرتحل بشكل مستمر داخل العرض ليضع المتلقي في حالة مواجهة مستمرة مع تلك الأنماط التي تبدو في ظاهرها شديدة السهولة قابلة للتأويل المباشر إلي أنماط أكثر عمقاً يمكنها أن تمتلك عدة مستويات للتأويل.
ولعل هذا يتضح من خلال معظم عناصر العرض الأخرى كالملابس التي تبتعد في اختيار الألوان المحددة لها عن الطبيعة الفكرية المهيمنة على الحدث وتقوم بتحديدات واضحة للأنماط وإن حاولت الإبتعاد عن التحديد التقليدي باستثناء شخصية (زعيمة عصابة المراهقين) والتي ترتدي اللون الأسود وإن كانت تتحول مع الجزء الأخير من العرض لترتدي لوناً معدنياً يضعها داخل منطقة محايدة وهو ما يحطم الحالة الميلودرامية المهيمنة علي الحدث الذي تقدمه الدراما والذي يطرح صورة أقرب ما تكون إلي عوالم (ديكنز) .
بالرغم ما يبدو للوهلة الأولي على أنه سعي إلي إعادة التصالح مع العالم عبر الحل الذي يقدمه العرض لعالم المحطة الملتبس من جهة ، وعالم الزوجين من جهة أخري فإن عرض القطار لا يعيد التصالح مع العالم بصيغه التقليدية ولكنه يطرح عالماً مغايراً يخلف وراءه العديد من التساؤلات حول نفي اللغة في عرض يقدم حكاية ذات صبغة ميلودرامية ،عرض يطرح طيلة الوقت ذاته كحالة استعادة لعالم هو مغترب عنه لكنه أبداً يقف عند حدود الاستعادة فهو غير قادر على الذوبان داخل ذلك العالم بل يجد نفسه – وبشكل مستمر- على حافته فهو قادر على اكتشاف بنية ذلك العالم وعلى طرحه كبناء يغرِّب المتلقي عنه عبر سينوغرافيا المنظر المسرحي وعلى أساليب تشكيل الفراغ من قبل جسد الممثل عبر ذلك الجو الساخر الذي يغلف العمل والذي ينفي عالم ديكنز( لو اعتبرنا أن بناء الدراما يقدم عالماً يشبه عوالم شحاذي ومجرمي ديكنز) ويطرح طوال الوقت وعياً مخالفاً يحاول الاختفاء تحت البنية البسيطة لكنه يطفو ولطيلة الوقت .
كما يطرح العرض وعلى مدي زمن عرضه – وحتى لحظة انتهائه – العديد من البني التي تتقابل وتتباعد مع البناء الدرامي للحدث ويشكل حالة محاورة مع تراث المتلقي الفني الذي يختزنه من الدراما السينمائية التقليدية والتي ينتهي مثلها بمشهد ركوب الزوجين للقطار ( الخفي ) بينما يتساقط الثلج فوق رؤوس الأطفال الذين يتابعون بعيونهم غياب القطار قبلما تظهر لوحة النهاية ولعل ذلك الاختلاف التي يمتلكها عرض القطار والتي تفتح باب التأويل للعمل ونفي المعني المباشر والصريح للعرض ، نحو تأويلات أكثر عمقاً تفتح الأبواب أمام إعادة قراءة كافة عناصر العرض بداية من الملامح الممحوة لناظر المحطة وحتى الصراع الأخير الذي ينتصر فيه الخير ويعيد الضال إلى داخل بنية الجماعة . وإلى التصالح مع العالم .. أو تدمير المنظومة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل