الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة الفقراء في تونس

معتز حيسو

2011 / 1 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


((مقدمات ونتائج))
لم يعد خافياً بأن تدني معدلات الدخل و ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والفساد المالي والسياسي والإداري والتضخم وارتفاع أسعار المواد الأساسية وتحديداً الغذائية وتراجع الدولة عن دورها الاجتماعي في التعليم والصحة ....( أي العوامل التي ترتبط بمستوى المعيشة) تعتبر من أهم أسباب التحركات الشعبية، ويعتبر إخفاق الحكومات عن تحقيق تنمية شاملة مصدراً أساسياً لتفاقم العامل المذكورة. وقد بات واضحاً بأن السياسات الاقتصادية الليبرالية /تحرير الأسواق والأسعار، الخصخصة،إطلاق الحرية لأسواق المال والمضاربات و تحرير حركة رأس المال المالي والاستثمارات الأجنبية وتحديداً الخدمية والمالية../ التي اعتمدتها هذه الحكومات عمقت من حدة الاستقطاب الاجتماعي، ونتيجة لهذه السياسات فإن غالبية الفئات الاجتماعية تقبع بين خطي الفقر الأدنى والأعلى . ويرتبط مع ما ذكرناه سوء توزيع الناتج القومي وتحويل الثروة الوطنية لثروات شخصية تعود ملكيتها لمن يستولي على سدة السلطة السياسية. وقد مكنت الفئات المسيطرة هيمنتها وشفطها للثروات الوطنية، في سياق تبعيتها الاقتصادية و ارتهانها السياسي لمراكز رأس المال العالمي وصنّاع القرار في الدول المهيمنة. إن ما ذكرناه يعبّر عن أشكال تجليات المستوى الاقتصادي الذي يحدد ويتحدد وفق علاقة جدلية بالمستوى السياسي الذي يتجلى بهيمنة سلطات سياسية استبدادية لم تكتفي بتغييب المجتمع عن الممارسة السياسية، بل جففت تربة العمل السياسي، بفعل اجتثاثها للقوى السياسية المعارضة،ومحاربتها مؤسسات المجتمع المدني غير الرسمية ووسائل الإعلام الخاصة وتحديداً السياسية. مما يعني التصاق الإنسان الذي سرقت منه صفة المواطنة في لحظات التحول الاجتماعي بمكونه الأولي ( طائفة، عشيرة.. خرجت تونس من هذه المعادلة).
إن موجات الاحتجاج في تونس والجزائر، يمكن أن تحدث في أي بلد تتفاقم فيه ظروف الانسداد السياسي،وتزداد فيه معدلات الإفقار.وعلى هذا الأساس يجب أن نفهم سياسياً القانون الفيزيائي (الضغط يولد الانفجار)، إذ بات واضحاً بأنه مها تنوعت أشكال الاستبداد إلا أن نهايتها التصدع والانهيار. إن الاستقرار الظاهري المستند على القمع وتوظيف أشكال الحداثة والعلمانية لإطالة أمد التسلط،قد ينجح نسبياً على خلفية التخويف من الحركات الإسلامية الأصولية، لكنه يحصر خيار الشعوب بين أنظمة علمانية فاسدة ومستبدة ساهمت موضوعياً في صعود التيارات الأصولية، وبين حركات إسلامية أصولية لا تبشر إلا بمزيد من الاستبداد والخوف. إذاً لا يهم الشكل الذي تتجلى به البنية السياسية التسلطية ( حداثياً علمانياً، أو دينياً إسلامياً..) لأن هذه الأشكال لم تعد خافية على الوعي العام بفعل الإعلام العابر للحدود الذي حجم من أدوات الضبط والرقابة التقليدية، وبحكم المعاناة اليومية.
إن الاستبداد السياسي بفعل سياسات القمع والاضطهاد والسيطرة على مراكز صنع القرار.. إضافة لكونه يشتغل على تسليع و تشيئ الإنسان وتحويله إلى فرد، عاجز، مشوه، خاضع، تابع ومرتهن، فإنه ينتج التخلف والفقر والخوف .. لذا بات واضحاً بأن تقاطع ما ذكرناه مع زيادة تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية سوف يتجلى في تحولات اجتماعية عربية( انتفاضات ، احتجاجات، إضرابات جماهيرية ..) لا يكون فيها للقوى السياسية المعارضة بأشكالها الراهنة دوراً يذكر، هذا إن لم تكن خارج معادلات التغيّر الاجتماعية والسياسية المحتملة. وهذا يجعلنا نشدد على ضرورة إيجاد أشكال سياسية ترتكز على الحوار والتنسيق الديمقراطي، وفق آليات تقوم على تحالف كافة القوى السياسية والمدنية في سياق إعادة التواصل مع القاع الاجتماعي، وتبّني القضايا التي تهم المواطن المسحوق في إطار مهام سياسية واجتماعية إستراتيجية، وهذا يساهم في إعادة فتح آفاق جديدة تقي مجتمعاتنا من تحولات اجتماعية وسياسية مجهولة الآفاق، هذا لأن مجتمعاتنا على أعتاب مرحلة جديدة، وقد يكون انتصار إرادة الشعب التونسي على الاستبداد مدخلها العريض.
إن انتصار الشعب التونسي إضافة لكونه يؤسس لعهد جديد من الكفاح الديمقراطي الاجتماعي، فإنه وضع المواطن العربي أمام مسؤولياته، وأحيى فيه نشوة النصر لتحقيق أهدافه في العدالة الاجتماعية والتنمية البشرية والمشاركة السياسية الحقيقية لصنع مستقبله بإرادته وقواه الذاتية، وأثبت للعالم بأن الشباب ليس مفرغاً وما زال يشكل القاعدة الأساسية في لحظات الحسم السياسي والاجتماعي،بعيداً عن كافة التصنيفات والحزبية والدينية.. حتى أن فكرة هيمنة الإسلاميون على المجتمع فقدت مصداقيتها نسبياً. وقد أكدت التجربة التونسية بأن اعتماد النظم الاستبدادية على الدعم الخارجي لتعويض شرعيتها المنقوصة لا يحقق استقراراً حقيقياً، إذ لا تتردد الدول المهيمنة في استبدال «أتباعها» في اللحظة المناسبة. لذا فليس من بديل عن شرعية داخلية شروطها الأولية تحقيق المهام:الديمقراطية والوطنية والاجتماعية.
لقد بات واضحاً بأن الانتفاضة التونسية بمضمونها الاجتماعي وتجلياتها الديمقراطية كانت تستهدف السلطة الحاكمة،الجامعة لسلطتي المال والسياسي، لذا فإن آفاق المستقبل الديمقراطي ستكون مفتوحة في حال لم يتم اغتيالها من قبل رموز الاستبداد السياسي السابق. أما ما يحصل في مصر و السودان والعراق وفلسطين وإيران وانسداد الأفق السياسي اللبناني.. فإنها تعاني من تمزق اجتماعي وتفكك ثقافي يهيمن عليه بُعد ديني تفتيتي إقصائي يساهم في تمكين القمع الحكومي ويمنحه الشرعية في سياق نزوع إسلامي سلفي جهادي معاد للمجتمع والدولة، وبذات الوقت لا ينفتح على آفاق إنسانية تحررية، لذا فإن هزيمتها وانتصارها يشكل كارثة اجتماعية .
إن ما ذكرناه يشكل لوحة سياسية واجتماعية عامة لكافة الأقطار العربية، لهذا فإن التحولات المحتملة على المستوى العربي في ظل غياب دور القوى السياسية المعارضة، وتفشّي الفساد و الاستبداد وتخليف المجتمع وإفقاره .. ستكون اجتماعية، أي إن الطبقات المسحوقة ستكون المبادرة في التحركات الاحتجاجية، وهنا يكمن التخوف من أن تبادر جهات خارجية أو أصولية أو رموز سلطوية للتحكم في مسارها أو قطف نتائجها. لذا نذكر الشعب التونسي بتوخي الحذر من استيلاء رموز السلطة البائدة على انتصاراته أو تحويلها عن أهدافه الحقيقية. وإذا كان الجيش لا يتدخل بفعل القانون في الحياة السياسية، إلا أن بعض رموز السلطة البائدة تشتغل على قيادة ورسم مستقبل الثورة، ولكي لا يتم إجهاض أو اغتيال انتصار الشعب التونسي،فإن هذا يستدعي من كافة الوطنين التمسك بزمام ثورتهم وعدم التخلي عن دورهم القيادي الذي يمكن أن يكون تشكيل حكومة إنقاذ وطني تشارك في تشكيلها كافة القوى السياسية والمدنية... الشكل الأولي لتأسيس نظام سياسي ديمقراطي قادر على تحقيق وانجاز مهامه الاجتماعية والديمقراطية والوطنية.وليس غريباً أن تكون عين المواطن العربي الذي يعاني الفقر والاستبداد والإقصاء... على تجربة الشعب التونسي. ونجاحها سيضع المنطقة بكاملها على عتبة جديدة. وقد بدأ المواطن العربي يتحسس قواه الكامنة، وقدرته على الانتفاض في وجه طواغيت الظلم، لأن لهيب ثورة الخبز الذي كان وقودها فقراء الشعب التونسي، بدأت آثارها تنتقل إلى باقي الدول العربية، وإذا كان شكلها الأولي التضامن مع الشعب التونسي، إلا أنها ستتحول إلى انتفاضات جماهيرية لأن معاناة المواطن العربي إن لم تكن واحدة فإنها من المؤكد متقاربة.
إننا محكومين بالأمل
****************************************************************************








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الإرهاب الأحمر في سوريا
بلال محمد ( 2011 / 1 / 18 - 17:16 )
قال لي أحدهم أن سوريا ستكون بعد تونس فعارضت رأيه ولما سألني عن السبب قلت له أن الإرهاب في سوريا مثلما كان في العراق قد تجاوز كل الخطوط الحمراء حيىث بات الشعب مدجناً حاله كحال الدجاج. فما كان الشعب العراقي ليتحرر من إرهاب صدام ولو بعد ألف عام لولا الجيوش الأميركية مع أن النظام كان كرتونياً لم يقو على المقاومة
نظام الأسد مثل نظام رفيقه في البعث صدام فالشعب السوري لن يتحرك وقد وصل به الخوف الحد الذي رغب فيه الأسد حافظ وليس أدل على ذلك من أن الكاتب أعلاه سمى الدور على مصر والسودان والعراق وإيران وفلسطين وحتى لبنان بسبب انسداد الأفق السياسي ولم يجروء على تسمية بلده سوريا ــ يا عيني شو الأفق السياسي مفتوح فيها!!!

اخر الافلام

.. كينيا: قتلى وجرحى إثر تفريق الشرطة مظاهرات مناهضة للحكومة في


.. احتجاج أمام شركة -سيمنز- الألمانية رفضا لتعاونها مع إسرائيل




.. تأثير الذكاء الاصطناعي في الحروب


.. السياسي العراقي فائق الشيخ علي يوجه رسالة لحسن نصر الله: -كي




.. الإفراج عن عشرات أسرى الحرب الروس بعد تبادل للأسرى مع أوكران