الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات أولية عن الدروس المستفادة من الانتفاضة التونسية

صدقي كبلو

2011 / 1 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


رغم أنّ لكل ثورة ظروفها ولكل شعب تقاليده الثورية؛ إلا أنّ هناك دائماً دروس للثوريين يستخلصونها من تجاربهم وتجارب الثورات في أي مكان، دون أن يزلقوا لخطأ محاولات تكرار التجارب دون وعي بتاريخية الأحداث وخصوصيتها والقفز للعام والمشترك بما يعبر عن تجريد.

ونحن إذ نحاول أن نبدي بعض الملاحظات العامة حول انتفاضة ديسمبر- يناير في تونس والتي أطاحت بدكتاتورية زين العابدين بن علي، إنما نفعل ذلك وفي ذهننا اختلاف الظروف في تونس والسودان.

انتفاضة المدن الهامشية التي امتدت لكل البلاد

تميزت الانتفاضة التونسية بأنها بدأت في الهامش، في المناطق الأقل نمواً في سيدي أبوزيد، ثم انتقلت لباقي المدن، وأنها بدأت بالخريجين الذين لا يجدون عملاً وفقاً لشهاداتهم الجامعية، بل أن الشخص الذي أشعل الانتفاضة خريج لم يجد عملاً فعمل بائعاً ولكن شرطياً حاول مصادرة عربته اليدوية التي يعرض فيها بضاعته، وضربه كفا فقرر الإنتحار مشعلاً النار في نفسه احتجاجاً. بدأت المظاهرات احتجاجاً على العطالة والفقر وإهانة الشرطي والتي تطورت لانتفاضة كان مطلبها الأخير والذي عبرت عنه بالتظاهر أمام وزارة الداخلية التونسية يوم 14 يناير هو ذهاب زين العابدين بن علي، وكان لها ما أرادت. وهكذا تطورت المظاهرات من إحتجاج إلى انتفاضة ضد السلطة. كما نقول من المطلب البسيط للجماهير، لأكثر المطالب تعقيداً. ولكن الضروري هنا أن نلاحظ أنه ليس بالضرورة أن تؤدي كل مظاهرة إحتجاج إلى انتفاضة، ففي الجزائر المجاورة أدت المظاهرات لتخفيض أسعار السلع الأساسية دون أن تسقط نظام بوتفليقة. وهذا بالضبط هو الاختلاف في الظروف التي يمر بها كل بلد وكل نظام وكل حركة جماهيرية.

القواعد النقابية تتمرد على قياداتها

نلاحظ أنه رغم عفوية بداية المظاهرات في سيدي أبوزيد، ولكن المظاهرات في أبوزيد وفي المدن الأخرى سرعان ما لقيت دعم التنظيمات القاعدية إتحاد الشغل التونسي، رغماً عن قيادة الإتحاد قبل إنقسام قيادة الإتحاد في الأسبوع الثاني عندما دعت بعض قياداته للتظاهر في تونس العاصمة، ودعمت المظاهرات نقابات المعلمين المحلية والمحامين، والأحزاب السياسية المعارضة كحزب العمال الشيوعي التونسي (الذي يقوده الرفيق حمة الهمامي وهو من أوائل المعتقلين في الانتفاضة) وحركة التجديد (الحزب الشيوعي التونسي السابق بقيادة حرمل والذي يقوده الآن أحمد إبراهيم)، والحزب الديمقراطي التونسي بقيادة الشابي، وحركات حقوق الإنسان، واتحادات الطلاب وغيرها من التنظيمات. وهكذا تعلمنا انتفاضة تونس أن بعض أحزاب المعارضة قد تدعم حركة الجماهير العفوية، بينما يقف البعض الآخر في انتظار الانتصار ليلبسوا بدلهم للتفاوض حول الحكومات الانتقالية. وأنّ قواعد النقابات قد تتمرد على قياداتها في القضايا التي تمس حياتها وقضايا الوطن. ولكن كل ذلك يعتمد على الظروف الخاصة المحددة التي تحدث فيها المظاهرات أو الإنتفاضة.

طول نفس الجماهير المنتفضة

ونلاحظ أيضاً طول نفس الإنتفاضة التونسية التي استمرت حوالي أربعة أسابيع، كانت تكتسب كل يوم قوى جديدة وجماهير أكثر وتنضم لها قطاعات أوسع، وانها لم تتراجع أمام تزايد الإرهاب ولم تساوم أمام المكتسبات الجزئية التي إنتزعتها من النظام الديكتاتوري: فصل وزير الداخلية، تحديد ميزانية إستثنائية لتنمية المناطق المهمشة، الوعد بخلق 3 آلاف فرصة عمل للخريجين، ثم حل البرلمان والحكومة والوعد بعدم ترشيح الرئيس لفترة أخرى عام 2014، وأخيرا الأمر بعدم إستعمال الرصاص ضد المتظاهرين والإعلان عن حرية الصحافة والإنترنت والإعلام. ووصلت الانتفاضة مداها بالتجمع أمام وزارة الداخلية الذي طالب بذهاب بن علي. ونتعلم من كل هذا أن الانتفاضة تحدد طاقاتها بنفسها بتوسيع قاعدتها وتجديد مطالبها وتعرف قدرتها على الإستمرار وما يمكن إنجازه فعلاً.

انحياز الجيش دون إنقلاب

رفض الجيش في تونس أن يضرب الجماهير وأكتفى بحراسة المؤسسات العامة حتى جاءت اللحظة الحاسمة في 14 يناير عندما طلب ذهاب بن علي دون أن يقوم بإنقلاب عسكري أو يستولى على السلطة، بل وامتد إنحياز الجيش للجماهير والانتفاضة بعد الانتصار بمطاردة عصابات الأمن الرئاسي والمليشيات التي حاولت أن تمارس سياسة الأرض المحروقة لإجهاض الثورة وإظهارها بأنها فوضى.

الشعب يحمي انتفاضته

ولعل من أهم دروس الانتفاضة التونسية كونت الجماهير لجاناً شعبية لحماية الأحياء والممتلكات، والتصدي لعصابات الأمن الرئاسي، والتعاون مع الجيش التونسي في مطاردة العصابات، واعتقال أفرادها وأقاموا الحواجز في مداخل ومخارج المدن لتفتيش العربات الغريبة. ولعلنا قد نواجه ظرفاً مشابهاً، فالجماهير تحتاج لحماية نفسها وممتلكاتها العامة والخاصة وتفويت الفرصة لكل من يحاول أن يحول انتفاضة الشعب لفوضى.

الانتفاضة لم تفرز قيادتها

ولعل من أضعف حلقات الانتفاضة أنها لم تفرز قيادتها الموحدة على مستوى تونس لتتولى مهمة قيادة البلاد بدلاً عما تبقى من قيادات نظام بن علي، ولعل تكوين اللجان الشعبية قد يفرز قيادة جديدة، وإذا قارنا الوضع بثورة أكتوبر 1964 نجد أنّ الأخيرة أفرزت جبهة الهيئات التي ظلت تتنازع القيادة مع جبهة الأحزاب رغم الوحدة الشكلية بينهما في الجبهة القومية، كما أفرزت انتفاضة مارس أبريل قيادتها المتمثلة في التجمع النقابي وتجمع الأحزاب.

وفي الحقيقة من الصعب التنبؤ بما سيحدث في تونس في الأيام القادمة التي تعتبر مفصلية لمستقبل الانتفاضة والجمهورية التونسية.

هذه بعض ملاحظات علها تفتح نقاشاً حول الأدب الثوري للإنتفاضة بحيث تتكون لدينا نظرية للإنتفاضة تجعل من انتفاضة شعبنا القادمة أكثر نضوجاً وقادرة لتحقيق أماني شعبنا في الديمقراطية والتقدم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملثمون يوقفون المحامية سونيا الدهماني من داخل دار المحامين ف


.. نبض أوروبا: هل حدثت القطيعة بين بروكسل ومالي بعد وقف مهمة ال




.. الأردن يُغلق قناة تابعة للإخوان المسلمين • فرانس 24


.. المبادرة الفرنسية و تحفظ لبناني |#غرفة_الأخبار




.. طلاب جامعة هارفارد يحيون الذكرى الثانية لاغتيال شرين على يد