الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة الشعبية التونسية و الدولة

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2011 / 1 / 19
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


عندما هبت الجماهير الشعبية إلى الشوارع لمواجهة النظام الديكتاتوري بتونس لم تضع في حسبانها الإطاحة بالديكتاتور و بدولته الإستبدادية ، إلا أن تطور الأحداث و تسارعها سرعت بإسقاط النظام البوليسي ل"حزب التجمع الدستوري" بفضل صمود الجماهير الشعبية أمام آلة القمع البوليسية للديكتاتور "بن على" ، و نظرا لعفوية الثورة و شعبيتها لم يتم وضع أسس بناء دولة ما بعد سقوط الديكتاتورية كما هو الشأن خلال الثورة الفرنسية التي لم تعرف خلالها الطبقة العاملة أن الطبقة البورجوازية تستغلها لتستولي على السلطة السياسية و الإقتصادية ، و قد بلغت القوى المنتجة المتقدمة في تونس أقصى مداها أمام علاقات الإنتاج البائدة للنظام الرجعي البوليسي القائم مما استوجب ضرورة التغيير ، و خلال الإنتفاضة الشعبية نما الوعي الطبقي لدى الجماهير الشعبية و حدث تحول نوعي في القاموس المفاهيمي للثورة الذي تجاوز المطالب الإقتصادية الصرفة ، و سرعان ما تحولت مطالب الجماهير الشعبية بعد تسارع الأحداث إلى مطالب سياسية واضحة و على رأسها المطالبة برأس الدولة الديكتاتورية الذي انهار أمام تصاعد وتيرة الإنتفاضة الشعبية ، و لقيت الثورة الشعبية صدى واسعا عبر العالم إن على المستوى الشعبية أو على مستوى الدول بما فيها الإمبريالية الفرنسية ، التي سانت الديكتاتور خلال الثورة و رفضت استقبال الديكتاتور بأراضيها خوفا من ملاحقته من طرف الجماهير الشعبية.

و بعد انتصار الثورة الشعبية التونسية طرح في الأفق سؤال الدولة المطروحة للبناء بعد إسقاط الديكتاتور تتجاوب و تطلعات الجماهير الشعبية ، باعتبار الدولة قوة مادية ضرورية للطبقات التي أنجزت هذه الثورة من أجل بسط سيطرتها على الطبقات المسيطرة في النظام البائد.

يقول لينين :
"الدولة هي نوع خاص من تنظيم للقوة، هي تنظيم للعنف بقصد قمع طبقة من الطبقات. فأية طبقة ينبغي للبروليتاريا أن تقمعها؟ بطبيعة الحال ينبغي لها أن تقمع الطبقة المستثمِرة وحدها، أي البرجوازية. إن الشغيلة ليسوا بحاجة إلى الدولة إلاّ لقمع مقاومة المستثمِرين، ولا يقدر على قيادة هذا القمع، على تطبيقه عموما، غير البروليتاريا بوصفها الطبقة الوحيدة الثورية حتى النهاية، الطبقة الوحيدة الكفء لتوحيد جميع الشغيلة والمستثمَرين من أجل النضال ضد البرجوازية، من أجل إسقاطها تماما." الدولة والثورة - تعاليم الماركسية حول الدولة، ومهمات البروليتاريا في الثورة.
و قد لعبت البروليتاريا دورا هاما في إنجاح الثورة الشعبية التونسية خاصة و عي الطبقة الوحيدة التي تم تنظيمها في نقابتها "الإتحاد العام للشعل" كنقابة وحيدة ، و هبت الإصلاحية الحزبية و التحريفية الإنتهازية لجني ثمار الثورة الشعبية المظفرة محاولة إخماد نيرانها المتأججة خشية التهاب الأنظمة الديكتاتورية بالمنطقة المغاربية و العربية و إسقاط الرأسمالية الإمبريالية ، معتقدة أن سقوط الديكتاتور يجعل الجماهير الشعبية تكف عن مطلب التغيير في ظل بقاء النظام الديكتاتوري سائدا ، و روجت لما يسمى "التوافق" و "دولة التوافق" و "دولة الوحدة الوطنية" باعتبارها شعارات ملغومة تحاول الإمبريالية زرعها في أوساط الحركة العمالية الثورية لاغتيال الثورة في مهدها ، و تسارعت رموز النظام الديكتاتوري إلى توزيع الوعود الكاذبة مستدرجة الإصلاحية و التحريفية الإنتهازية إلى دواليب السلطة لتشكيل ما يسمى ب"حكومة الوحدة الوطنية" كأن الثورة الشعبية فرقت هذا الوطن ، و كانت الجماهير الشعبية على يقظة و حذر من أمرها عندما خرجت إلى الشوارع تطالب بحل "حزب التجمع الدستور" و طرد عناصره من الحكومة المؤقتة باعتبارهم متورطين في الجرائم السياسية و الإقتصادية في العهد البائد ، و كان انسحاب الإتحاد العام للشغل من هذه الحكومة تعبير صارخ عن موقف الطبقة العاملة التي ساهمت بشكل كبير في إنجاح الثورة ، باعتبار وحدة الطبقة العاملة في نضالها من أجل التغيير أساسية في بناء أية دولة ما بعد انتهار ديكتاتورية الكومبرادور و الملاكين العقاريين الكبار.
يقول لينين :
" وهكذا، عندما طرحت في ثورة سنة 1917 مسألة شأن الدولة ودورها بكل خطورتها، عندما طرحت عمليا باعتبارها مسألة عمل مباشر وفي النطاق الجماهيري، انزلق جميع الاشتراكيين-الثوريين والمناشفة، جميعهم دفعة واحدة ودون تحفظ، نحو النظرية البرجوازية الصغيرة القائلة أن «الدولة» «توفق» بين الطبقات. القرارات والمقالات التي وضعها ساسة هذين الحزبين بعدد لا يحصى، تتخللها من ألفها إلى يائها هذه النظرية التافهة البرجوازية الصغيرة، نظرية «التوفيق». أمّا أن الدولة هيئة لسيادة طبقة معينة لا يمكن التوفيق بينهما وبين نقيضها (الطبقة المضادة لها)، فهذا ما لا تستطيع الديموقراطية البرجوازية الصغيرة فهمه بحال. والموقف الذي يقفه من الدولة الاشتراكيين-الثوريين والمناشفة عندنا، هو دليل من أوضح الأدلة على أنهم ليسوا باشتراكيين قط (الأمر الذي كنا نحن البلاشفة نبرهنه على الدوام)، بل هم ديموقراطيون برجوازيون صغار ذوو عبارات تكاد تكون اشتراكية." نفس المرجع.
لقد تعلمت الجماهير الشعبية التونسية من دروس تاريخ الثورة الشعبية الأولى ضد الإستعمار القديم الذي كبدت فيه الطبقة العاملة خسائر كبيرة بعدما تم اغتيال قائدها العظيم "فرحات حشاد" ، الذي حمل لواء الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية عاليا ضد الإمبريالية الفرنسية التي احتوت "الحبيب بورقيبة" باعتباره بورجوازيا صغيرا ، الذي احتال على الثورة و حول مسارها الشعبي إلى مسار التحريفية الإنتهازية باسم "الحزب الإشتراكي الدستوري" و استولى على السلطة و أسس دولة ديكتاتورية ، التي صنعت الديكتاتور المخلوع بتركيز أسس الحزب البوليسي المسيطر على دواليب الحياة السياسية و الإقتصادية و المدنية و زرع الرعب في صفوف الطبقات الشعبية ، التي هبت في ثورة دجنبرـ يناير المجيدة و استطاعت إسقاط الديكتاتور و أعادت الإعتبار للنضال الثوري للجماهير الشعبية ضد الإستعمار الجديد ، و حاولت الإصلاحية و التحريفية الإنتهازية تحريف المسار الصحيح للثورة الذي سطرته الجماهير الشعبية بعرقها و دم شهدائها ، خشية من قوة الثورة التي باستطاعتها تطويع الجمهورية الديمقراطية البورجوازية التي تحول عبرها البورجوازية الطبقة العاملة إلى عبيد للرأسمال.
يقول لينين :
" إن سلطان «الثورة» هو كذلك أضمن في ظل الجمهورية الديموقراطية لأنه لا يتوقف على هذه النواقص أو تلك للآلية السياسية وعلى غلاف الرأسمالية السياسي الرديء. فالجمهورية الديموقراطية هي أحسن غلاف سياسي ممكن للرأسمالية، ولذا فرأس المال، إذ يستولي على هذا الغلاف الأفضل (عن طريق بالتشينسكي ةتشيرنوف وتسيريتيلي ومن لف لفهم) يقيم سلطته على أساس مكين، على أساس مضمون لحد لا يمكن لأي تبديل في الأشخاص ولا في المؤسسات ولا في الأحزاب في الجمهورية البورجوازية الديموقراطية أن يزعزع هذه السلطة." نفس المرجع.
و اتخذت الإصلاحية و التحريفية الإنتهازية من الإنتخابات شعارا تضليليا للسيطرة على قوة الثورة لتطويعها لصالح البورجوازية ، محاولة إيهام الجماهير الشعبية بأن تنظيم جزء من الجماهير بواسطة الإقتراع المباشر يكفي لبسط سيادة الديمقراطية في ظل المجتمع البورجوازي ، في محاولة يائسة لتقديم الإنتخابات على أنها الحل الوحيد لإرساء أسس الديمقراطية البورجوازية نقيض ديكتاتورية البروليتاريا التي نادى بها ماركس و إنجلس.
يقول لينين :
"كذلك يجذر بالذكر أن إنجلس يصف بصورة جلية قاطعة حق الإنتخاب العام أيضا بأنه أداة لسيادة البرجوازية. فقد قال آخذا بعين الإعتبار بصورة جلية الخبرة التي اكتسبتها الاشتراكية الديموقراطية الألمانية خلال وقت طويل أن حق الإنتخاب العام هو «دليل نضج الطبقة العاملة. و لا يمكنه أن يكون ولن يكون أبدا أكثر من ذلك في الدولة الراهنة».
إن الديموقراطيين صغار البورجوازيين، أشباه الاشتراكيين-الثوريين والمناشفة في بلادنا ، وكذلك أشقاءهم، جميع الاشتراكيين-الشوفينيين في أوروبا الغربية، ينتظرون من حق الإنتخاب العام «أكثر» من ذلك بالضبط. إنهم يؤمنون هم أنفسهم ويوهمون الشعب بفكرة مغلوطة مفادها أن حق الانتخاب العام «في الدولة الراهنة» يستطيع أن يظهر في الواقع إرادة أكثرية الشغيلة وأن يضمن تطبيقها."نفس المرجع.
إن تغيير الأشخاص لا يمكن أن يغير نوعية النظام الديكتاتوري الذي تم بناؤه بتونس خلال أزيد من نصف قرن من اضطهاد الطبقات الشعبية من طرف الكومبرادور و الملاكين العقاريين الكبار ، و تغيير النظام الديكتاتوري بتونس لن يتغير إلا بسيادة الجماهير الشعبية ذات الأغلبية على السلطة السياسية لقمع الأقلية البورجوازية المسيطرة على ثورات البلاد ، و قيام دولة ديكتاتورية البروليتاريا أمر لا مفر منه من أجل الظفر الحقيقي للثورة الشعبية التونسية و بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية.
يقول لينين :
" الدولة هي «قوة خاصة للقمع». إن إنجلس قد أعطى هنا بأتم الوضوح تعريفه الرائع هذا والعميق منتهى العمق. ويستنتج منه أن «القوة الخاصة لقمع» البروليتاريا من قبل البرجوازية، قمع الملايين من الشغيلة من قبل حفنات من الأغنياء لا بد أن يستعاض عنها بـ«القوة الخاصة لقمع» البرجوازية من قبل البروليتاريا (ديكتاتورية البروليتاريا). وفي هذا كنه «القضاء على الدولة بوصفها دولة». وفي هذا كنه «عملية» تملك وسائل الإنتاج باسم المجتمع. ومن الواضح بداهة أن مثل هذه الاستعاضة عن «قوة خاصة» (برجوازية) بـ«قوة خاصة» أخرى (بروليتارية) لا يمكنها بتاتا أن تتم بشكل «اضمحلال»." نفس المرجع.
إن الهدف الأساسي من الثورة الشعبية ضد البورجوازية هو اضمحلال الدولة باعتبارها أداة قمع طبقة لطبقة و لن يتم تحقيق هذا الهدف إلا بناء دولة ديكتاتورية البروليتاريا ، التي يجب أن تصهر على القضاء على الطبقات من أجل الوصول إلى القضاء التام على نفسها بنفسها في ظل سيادة المجتمع اللاطبقي ، أما تطويع الجمهورية الديمقراطية البورجوازية من طرف البورجوازية فلن يزيد الطبقة العاملة إلا استغلال مكثفا يعطل الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية بتونس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: اليمين المتطرف يتصدر الاستطلا


.. فرنسا: هل يمنع حزب التجمع الوطني مزدوجي الجنسيات من الولوج إ




.. هل يعتمد ماكرون استراتيجية تشوية اليسار في الدورة الأولة للت


.. مظاهرات بتل أبيب والقيسارية ضد نتنياهو هي الأضخم منذ بدء الح




.. الناصرية 1 حزيران 2024 - مشاركات الحضور - ندوة سياسية لمنظم