الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس بين الأمس واليوم

حبيب هنا

2011 / 1 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


قبل ثلاثة عقود تقريباً، كتبت مقالاً عن الأوضاع التونسية في أعقاب حملة الاعتقالات التي شنها نظام الحبيب بو رقيبة على مختلف القوى السياسية والنقابية ، طالت معظم القيادات الميدانية ، وأذكر في حينه صدور الحكم على النقابي حبيب عاشور بالسجن الفعلي عشرة أعوام بتهمة الضلوع في أعمال العنف والتحريض _ تحريض العمال _ على العصيان والتمرد على النظام القمعي السائد . هذه المقالة صدرت في مجلة الرفاق التي كانت تصدر في سجون الاحتلال الإسرائيلي بشكل سري ناطقة باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .
على أية حال ، أردت من هذه الإشارة إلى إظهار أمرين ، الأول : أن ما حدث اليوم لم يكن فعلاً آنياً لا تربطه صلة بالتراكمات السابقة على مر العقود الماضية ، كما حاول بعض الكتاب إظهار الأمر وكأنه حالة عفوية خالصة . الثاني : أن فعل الثورة الضروري تجلى بشكل واضح في صدفة إحراق محمد بو عزيزي نفسه احتجاجاً على ما تعرض له من هدر للكرامة ومساس في حقه بالحصول على رغيف الخبز والحرية معاً ، أسوة بمعظم الفقراء من عمال وفلاحين وجامعين لم يجدوا فرصة عمل واحدة توفر لهم الحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية . فضلاً عن توفر العاملين الموضوعي والذاتي لنجاح الثورة ..
بهذا المعنى ، بات من المفيد تسليط بعض الأضواء على مختلف مناحي الثورة التي هي في المحصلة النهائية نتاج أزمة معقدة تتطلب حلاً بطرق غير عادية ترقى لمستوى الحدث ، على اعتبار أن كل ثورة هي نتاج أزمة مستعصية الحلول التوفيقية ، في الوقت الذي ينبغي ألا ننظر فيه إلى أن كل أزمة هي مقدمة لثورة ، ذلك أن الثورة باختصار هي : استحالة بقاء الوضع بين الحاكم والمحكوم على ما كانت عليه قبل الأزمة مهما كلف الأمر .
ولأن قادة العمل السياسي التونسي يدركون تماماً أن اليوم ليس كالأمس مهما كان مضيئاً في أعقاب الانتصار السلمي الذي حدث لأول مرة في الوطن العربي ، فلا خوف على الثورة من الانحراف ، وقد اتضح ذلك جلياً عندما قال حمه الهمامى بما معناه :لقد قطعنا نصف الطريق ولن نسمح بمصادرة النصف الآخر عن مساره التاريخي الذي يؤمن لنا الحرية والعدل والمساواة.
بهذه الكلمات قطع الطريق أمام أي محاولة للالتفاف على مكتسبات الشعب ، ليس فقط باعتباره متضلعاً في أساليب الأنظمة الرجعية القمعية وقدرتها على التلاعب بمشاعر الجماهير بغية إفراغ الثورة لاحقاً من مضمونها الاجتماعي تمهيداً لحملة اعتقالات واسعة تطال كل القوى والفعاليات التي شاركت في صياغة فعل الثورة وانتصارها ، بل وكذلك تأكيداً أن الثورة ماضية دون توقف نحو أهدافها المحددة التي هي أولاً وأخيراً تصب في خدمة مختلف شرائح المجتمع كي ينعم بالحرية والرخاء .
أما التحليلات المتفائلة التي تشير إلى سرعة انتقال العدوى إلى الأنظمة العربية القمعية الأخرى ، فهي نظرة سطحية ومتفائلة جداً ولا تربطها بالواقع أي روابط ، بل وأبعد من ذلك ، لا يعرف أصحابها التركيبة الاجتماعية التونسية حق معرفة ، لاسيما وأن الطبقة العاملة التونسية هي الوحيدة في الوطن العربي المبلورة بوضوح والمنظمة تماماً والواعية بحجم استلاب قوة عملها مقابل حفنة من النقود لا تكفي لسد رمق الحياة ، الأمر الذي تكون معه مستعدة للتضحية من أجل الظفر بالحرية مهما كانت الأثمان في وقت تفتقر الطبقة العاملة في البلدان العربية الأخرى للتأطيل في نقابات تدافع عن حقوقها اليومية البسيطة ، وبالتالي غياب أكثر القوى تضحية عن ساحة الصراع مع رأس الهرم وما يمثله من أدوات قمع .
وعليه نقول ، الأمس ليس هو كاليوم ، ما كان مسموحاً به لا يمكن السكوت عليه الآن حتى لا يتم إجهاض ثورة الشعب ومكتسباته التي باتت تلوح في الأفق . ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نؤكد على النقاط العشر التي أشار إليها حمه الهمامي في خطابه : حتى لا يسرقوا ثورة الشعب ويقتلوا طموحه بدولة العدل والمساواة والحرية للجميع ودون تمييز. على أن الدرس البليغ الذي يمكن الاستفادة منه والبناء عليه من التجربة التونسية الشاهد الحي ، هو ، مهما بلغت قوة وبطش الأنظمة الدكتاتورية ، فإنها هشة سرعان ما تتقوض تحت قبضات الجماهير وهتافاتها الغاضبة المطالبة بحقها في الحرية والخبز والمساواة .

عاش نضال الشعب التونسي ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات التهدئة في غزة.. النازحون يتطلعون إلى وقف قريب لإطلا


.. موجة «كوليرا» جديدة تتفشى في المحافظات اليمنية| #مراسلو_سكاي




.. ما تداعيات لقاء بلينكن وإسحاق هرتسوغ في إسرائيل؟


.. فك شيفرة لعنة الفراعنة.. زاهي حواس يناقش الأسباب في -صباح ال




.. صباح العربية | زاهي حواس يرد على شائعات لعنة الفراعنة وسر وف