الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بو عزيزي سبارتاكوس العرب

ماهر علي دسوقي

2011 / 1 / 19
حقوق الانسان


هي الصدفة، لربما، او لعلها الأقدار كما يقال التي جمعت الذكرى الرابعة والثلاثون لثورة جياع وفقراء مصر في 16/1/2011 ، وبزوغ عهد جديد لجياع وفقراء تونس ومضطهديها فجر 15/1/2011 .
ففي السادس عشر من كانون الثاني لعام 1977 انتفض فقراء مصر ضد الغلاء والفساد والاستغلال ، ليسطّروا على مدار ثلاثة أيام "ملحمة الفقراء" ضد الإضطهاد والإستبداد .. وكادت حقاً ان تطيح بالرئيس المصري آنذاك انور السادات ، - ولعلها فعلت – خاصة وأنه كان جهّز حقائبه وتأهب للهرب ، لولا نصائح اللحظة الأخيرة التي تلقاها من قوى الظلام والتآمر الداخلية والخارجية.. فاضطر صاغراً للتراجع عن قراراته الاقتصادية التي مست لقمة عيش الفقراء، والمواد الأساسية للمواطنين المصريين.. وذلك بتوجيه مسبق من البنك الدولي.

ومن المفيد هنا الإشارة الى ان البنك الدولي هذا ، حثّ السادات على تلك الإجراءات الاقتصادية خاصة رفع الدعم عن المواد الأساسية لتتماشى مع سياسة ما يسمى بالإنفتاح الاقتصادي .. وذلك للإمعان في إذلال المواطن المصري وذوي الدخل المحدود .. ولإلهائهم عن همومهم الوطنية والقومية الأبرز خاصة قضية فلسطين .. وتحويلهم الى مُطارِدين للقمة عيشهم وعيش أبنائهم.

على أن أبرز مفارقات تلك الانتفاضة، تسمية السادات لها "بإنتفاضة الحرامية" ، ولعله كان بذلك يحاول رد التهمة عن نفسه ونظامه الذي أخذ بتصفية القطاع العام وبيعه للصوص ورموز الفساد والمستثمرين الأجانب، فأطلق الشعب على نظامه أسماء ما زالت ماثلة للعيان ، من أبرزها.. نظام النهب والسلب، ونظام القطط السمان والفساد ونظام الحرامية .

على أية حال هدأ حينها الشارع المصري .. وفي الجمر بقية من نار..

أما تونس فلم يكن حال شعبها ببعيد عما جرى ويجري في مصر ، فالفساد والقهر والتسلط والغلاء والبطالة والفقر والنهب والمحسوبية والرشوة .. هي عناوين حياة المواطن التونسي الذي خبر بدوره جولات انتفاضية مختلفة ابرزها "انتفاضة الخبز" عام 1984، إبان حكم الحبيب بورقيبة الذي فتن بذاته حتى الجنون ..

وتونس هنيبعل هذه كانت على موعدٍ آخر في 17/12/2011 حينما أقدم طالب جامعي شجاع عاطل عن العمل على إحراق نفسه احتجاجاً على الظلم والاضطهاد بعد أن منع من الترزق على بسطة خضار متواضعة كان يعيل من خلالها أسرته بما في ذلك أخ له متزوج وعاطل عن العمل ، وإمعاناً في القهر والذل طرد من بلدية سيدي بوزيد حين توجه مشتكياً ، وأهين بأفظع الشتائم، وضرب على يد أداة قمع بوليسية استمرأت اذلال البلاد والعباد .

محمد بوعزيزي ، هذا اسم لن تنساه تونس ابداً ، بل وبلاد العُرب بأسرها فهو الذي نشأ على ثقافة "الكرامة قبل الخبز" ، للشهيد النقابي فرحات حشّاد الذي اغتالته فرق الموت الفرنسية عام 1952 في تونس إبان عهد الاستعمار ، أبى الظلم وفقدان الكرامة فأشعل بنفسه النار امام حشد من أترابه المقهورين .. ليشعل تونس بأكملها على مدار شهر حتى الآن ادت الى فرار دكتاتور البلاد "زين العابدين" وحرق قصوره ....
وعلى ما يبدو فإن في المشهد التونسي بقية ..

لعل الشهيد بوعزيزي لم يكن يدرك في تلك اللحظة التي اشعل فيها النار بجسده المثقل بالكدح وسياط الجلادين ، ان انتفاضة واسعة ستتبع ذلك .. وتطيح بأعتى رموز السلطة السياسية في الوطن العربي، ومن المفارقات هنا ايضاً ان سارق البلاد المخلوع كان اطلق على انتفاضة الجياع في تونس ، "انتفاضة الملثمين والإرهابيين" ، ولعل هذه التسمية هي محاولة لرد التهمة عنه وعن نظامه الذي اعتاد ارهاب التونسيين ، والسطو على مقدراتهم ليلاً نهاراً ، "متلثماً" بأقنعة الفساد والإستبداد مستعيناً بالبنك الدولي كأداة نهب عالمية، لتزيين نظامه اقتصادياً حول معدلات نموٍ ونماءٍ فارغة !!

الا ان فجر الخامس عشر من كانون ثاني أبى أن يبزغ الا بزوال الدكتاتور .. وما اعجب مكر التاريخ .. حيث صادف ذلك الفجر ذكرى مولد الرئيس القومي الخالد جمال عبد الناصر ، ولعل في ذلك بشرى وإعادة اعتبار لتاريخ حاولوا تزويره .

وتبقى الأسئلة هنا مفتوحة وماثلة.. هل بالإمكان إعادة اموال الشعب التونسي التي سرقت؟ وهل بالإمكان احضار الهارب الى محكمة تونسية او دولية على خلفية الجرائم والسرقات التي ارتكبت؟ وهل هناك بداية لمرحلة جديدة فعلاً في الوطن العربي؟ أم هي بروفات اولى لما هو قادم بعيداً عن دسائس قوى الظلام والإرهاب الدولي؟ وهل المواطن العربي اصبح سبيله الوحيد للإحتجاج على الظلم والقهر هو الانتحار حرقاً؟ وهل الشعوب العربية ستقف يوماً أمام موجات حرق جماعية للأنفس؟ أم هي بداية طريق جديد للشروع بحرق رموز الفساد والإستبداد في الوطن العربي؟!

وعلى ما يبدو فإن آخر ما تبقى لجيوش المقهورين العرب هو "حرق الذات" ، في هذه المرحلة ، على إعتبار أن لا خسارة في ذلك مطلقاً طالما ان الانظمة العربية تلهب ظهور العباد والبلاد بالفساد والإرهاب وحرق المقدرات .. ولعلها مرحلة وتنطوي لينقلب السحر على السحرة والمستبدين .

وفي المشهد العربي الحالي قضية.. بإنتقال عدوى بوعزيزي الحميده الى كل من الجزائر وموريتانيا ومصر واليمن.. وإرتعاد نظم القهر خوفاً ، وتحريضهم زعماء ومشايخ الإفتاء للتصدي لها عبر التركيز على "حُرمة ذلك" ، لدليل على التأثير العميق لبوعزيزي وشجاعته ، الذي حقاً استحق لقب شهيد لقمة العيش والكرامة .
مع أن نظرة فاحصة لمشهدٍ غير عربي تظهر أن بعض المجتمعات في شرق آسيا قد اعتادت بين الوقت والآخر على أن يقدم بعض المسؤولين او الوزراء على حرق أنفسهم بعد اتهامهم بقضايا فساد او سوء استخدام للسلطة .. لربما خوفاً من سطوة الشعب لاحقاً .. او احتراماً لكرامتهم المهدورة ..فيا ليتهم في بلاد الاعراب يحرقون انفسهم قبل أن نحرقهم !!

بوعزيزي ايها المواطن المقهور الذي رحل .. كم منا يعلم كيف انقضت آخر لحظات حياتك في المشفى ؟ وكم منا يعلم كيف كانت آخر لحظات حضورك بين اسرتك ؟ وكم منا يعلم كيف اتخذت قرارك بحضور والدتك؟ وكم منا يعلم ما كان في بيتك من طعام او شراب او دواء ؟وكم .. وكم .. وكم ..؟!

محمد بوعزيزي اسمح لنا أن نطلق عليك سبارتاكوس العرب .. فأنت من حرّك المياه العربية الراكدة .. آه لو تعلم كيف انطلقت الحناجر من بعدك لتخرج ما في القلوب من قهر وظلم ضد الإستبداد والتبعية والهزيمة التي حاولوا ان يزرعوها بنا .. آه لو تعلم كيف خرجت الشعوب في مصر والجزائر وموريتانيا والأردن وما تبقى من فلسطين المحتلة وعُمان وليبيبا ولبنان .. لتطالب بالحرية والانعتاق والعدالة الاجتماعية .

لقد سِرت على خطى سبارتاكوس حقاً ، الذي رفض العبودية وتصدى لأعتى امبراطوريات التاريخ – الامبراطورية الرومانية – فحرر عبيد روما وفجر ثورةً ما زال القاصي والداني يتحدث عنها الى يومنا هذا رغم آلاف السنين التي مضت .. فهذه سنة الحياة يخلد الأبطال وتزول عناوين القهر والإستبداد ..
فيا سبارتاكوس العرب لك من كافة المقهورين والمظلومين تحية .. خاصة من فلسطين التي تعيش الأزمات مركبة حيث ظلم ذوي القربى والانقسام والاحتلال والفقر والبطالة والإستيطان والفساد والإستبداد وبذخ وترف أرباب السلطات وملاحقة المقاومة ..

آه يا بوعزيزي .. آه يا سبارتاكوس العرب .. لو نملك شجاعتك لنحرقهم عبر حرق أجسادنا .. ونخلص !!

ماهر دسوقي
رام الله - فلسطين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما اروع واجمل هذه التسمية
زينة - تونس ( 2011 / 1 / 19 - 19:28 )
شكراً لفلسطين وأحرارها ، موعدنا في يافا وربوع فلسطين الخضراء، ما اجمل ان تأتي هذه الكلمات من فلسطين التي لها مكانة خاصة في قلوبنا جميعاً، ان ما جاء في المقال من مقارنات ومفارقات يستحق ان يكون بحثاً سياسياً عميقاً ، فكل التحية للأخ ماهر على مشاعره وكلماته الصادقة. هذا نبل من فلسطين ووفاء لدماء المعذبين والكادحين.


2 - يا الله ما اروعك
موسى الكردي من دهوك ( 2011 / 1 / 19 - 20:17 )
يا شعب تونس العظيم وكم هي رائعة عنوان هذه المقالة التي جذبني عنوانها من بين المئات من المقالات عن تونس .يحق لكم ان تفتخروا يا توانسة واننا في العراق ننحني امامكم تحية نحن شعب الصراصر


3 - السطو على تاريخ الاخرين
ورغمي الورغمي ( 2011 / 1 / 20 - 07:36 )
الاخ دسوقي
انت من دسوق صح
ومصري قحّ وصريح
فلماذا السطو على تاريخ الاخرين
تونس امازيغية وما يحركها ويبث فيها روح الحياة هو تراثها الامازيغي الالفي والبوعزيزي كمان امازيغي مثله مثل سبارتاكوس لو تقرا التاريخ غير المزيف



4 - كل التحية لشعب تونس وفلسطين ومصر
فاتنة عبد الرحمن ( 2011 / 1 / 20 - 09:02 )
ألم يكن طارق بن زياد أمازيغياً؟ ألم يكن بن بطوطة أمازيغياً؟ وطارق هو الذي فتح الأندلس وسجل انتصارات العرب والمسلمين
كل التحية لشعوب فلسطين وتونس ومصر


5 - بو عزيزي رمز لفقراء العرب
جمال ناصر - الدانمارك ( 2011 / 1 / 20 - 09:41 )
تركنا بلادنا هرباً من الفقر والجوع وما اجمل واروع ان نسمع الكلمات التي تثلج الصدر خاصة في ذكرى ميلاد عبد الناصر.. بوعزيزي رمز لفقراء العرب تماما كسبارتاكوس .. تحية لكم من الدانمارك وموعدنا في وطن عربي حر بإرادة الشعوب المقهورة


6 - حال واحد
ندوى محمد - الجزائر ( 2011 / 1 / 20 - 09:48 )
الجزائر وتونس وفلسطين ومصر حال واحد يا ليت الاستبداد والفساد والاحتلال يزول وحتما سيزول بارادة الاحرار شكر لكاتب المقال وشكرا لشعب تونس الحبيب


7 - تحية من اليمن
مصطفى عبد الغني - اليمن ( 2011 / 1 / 20 - 15:35 )
ما احوجنا الى مقالات من هذا القبيل , نرجو من الحوار المتمدن المتابعة على هذا النمط لان في ذلك اعطاء صورة حقيقية و حرية الرأي عن الموقع.. اظن انني كنت قد قرات للكاتب في السابق و اذكر جيدا ما نشر عنه في صحف عربية و دولية بعد اعتقاله ممن قبل السلطة الفلسطينية , و اتذكر ايضا انه اعتبر سجين ضمير و راي في العام 2000 من قبل امنستي. مقال يستحق التعميم و انا بدوري قمت بترجمته مع اصدقاء الى اكثر من لغة. تحياتنا الى الاخ ماهر من رام الله و الى الاقلام الحرة من فلسطين..و هي مسيرة شعوب حقا نحو التحرر و العدالة الاجتماعية ضد الاستبداد و ارهاب النظم.


8 - تحية بحرانية
ناصر الشمرى البحرين ( 2011 / 1 / 20 - 16:24 )
واللة ذكرتنا بايام العز مقالة اكثر من رائعة اجعلها بعودة


9 - المغرب العربى البوعزيزى
نهى العلى المغرب ( 2011 / 1 / 20 - 16:35 )
نعم بوعزيزى العربى حركة المياة الراكدة مااجمل الربط بين الاحداث النصر للشعب المناضل اينما كان قمت بترجمة المقال للفرنسية تحية لفلسطين


10 - تونس فرحات حشاد
احمد التونسى ( 2011 / 1 / 20 - 16:42 )
نحنا نحب فلسطين برشة باهى اخ ماهر ونحبو اللى يذكرها بخير يعطيك الصحة


11 - سبار بوعزيزى
لطيفة صفاقص ( 2011 / 1 / 20 - 17:02 )
اللة يحيك برشة برشة سمعت عن امقالكم ونظرتة باللة عليك سلملنا علىالقدس والناصرة تونس بلقاسم بتحييكو


12 - نبواة وكان المقال
ناصر السالم ( 2011 / 2 / 19 - 14:29 )
بعد اكثر من شهر هذا المقال بالفعل تنبؤ خاصة للوضع فى مصر واشهد يا اخ ماهر وبالفعل ايضا ان فى المشهد المصرى بقية من ناراو كما قلت وفى الجمر المصرى بقية من نار بعد العام 1977

اخر الافلام

.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو


.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع




.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة


.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون




.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر