الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمّا الآن فأقول أسفي عليك يا تونس الخضراءُ...!

باهي صالح

2011 / 1 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


مرّة أخرى أوجّه ندائي إلى إخواننا و أشقّائنا و جيراننا التّوانسة لأقول لكم بكلّ صدق و بعيدا عن العاطفة..

كنتم مثلا في الأمن، و الأمن تاج على رؤوس الآمنين لا يراه و لا يعرف قيمته إلاّ أولئك الّذي اكتوا بنار الفتن و الحروب...؟

حذار من الوهم و التوهّم...؟

حذار من تضييع الانضباط فهو صمّام الأمان الّذي يضمن إستقرار دولتكم...

حينما تسطع شمس الحرّية بغتة على سجناء الزّنازين و الدّهاليز المظلمة الباردة، فإنّه يتعيّن عليهم الصّبر والانتظار حتّى تعتاد أعينهم على الرّؤية شيئا فشيئا و يتمكّنوا من تمييز و تبيّن الأشياء الّتي أمامهم...!

الحرّية شراب مُسكر لمن اعتاد العيش في الأسر ردحا من الزّمن، لذا يجب عدم الإفراط أو الإكثار منه حتّى لا يتهوّرشاربه و يفقد تمييزه...!

حذار ثمّ حذار من تكرار تجربة الحرّية و الدّيمقراطيّة في الجزائر، التّاريخ دوما يكرّر و يعيد نفسه، لذلك أدعو أعضاء حكومتكم و النّخب المخلصين و الصّادقين و كلّ فئات المجتمع أن يقرأوا و يطّلعوا على إرهاصات و مسبّبات و مآلات الفترة الّتي تلت مباشرة تطبيق الدّيمقراطيّة و إطلاق الحرّيات فجأة (عندنا في الجزائر) بعد ثلاثين سنة من ديكتاتوريّة و ظلم و قهر شخوص حزب جبهة التّحرير، يمكن أن تتأمّلوها أو تعرضوها على إخصّائيين لتستفيدوا و لتتعلّموا و تتّعضوا منها...!

حذار من الانزلاق إلى قاع مظلم مشوّش نتن زلق يصعب معاودة العودة أو الصّعود منه ، و حذار من الانجراف مع زخم الأحداث المتسارعة المتفاعلة و حذار من الاستسلام لتيّار و عصف الحرّيات الزّائف...

حذار ثمّ حذار من كرة الثّلج الّتي بدأتم تجمّعونها و تكوّرونها و تغذّونها بأنفسكم و تظنّون أنّكم تحسنون صنعا...أوقفوها و امنعوها من التّدحرج سريعا من عليائها، لا تتركوها تخرج عن سيطرتكم و إلاّ فإنّها ستكبر و ستكبر، و ستتضخّم و سيتضاعف حجمها و ستتسارع في التفافها و هبوطها، و ستزيد من تسارعها مع مرور الوقت لتبدأ في ابتلاع و تلقّف كلّ ما يعترضها أو يأتي في طريقها، و عندما تسترجعون قدرتكم على رؤية ما يحدث يكون الوقت قد فات و تكون كرة الثّلج قد خرجت كلّيا عن تحكّمكم و سحقت و دمّرت و خرّبت و محت معالم الطّريق و الأشياء و العباد في طريقها...!

حذار من الأئمّة و الشّيوخ المتسيّسة و من لصوص و حراميّة السّياسة و المصالح أن تستغفلكم و تستغلّ فرصة انشغالكم بمسرحيّة الحرّية و الدّيمقراطيّة و يسرقون انتفاضتكم أو ثورتكم العفويّة المباركة بأيّ حجّة و تحت أيّ شعار أو مسمّى...!

حذار من الانهيار بسبب ما تثقلون به أنفسكم من أحمال زائدة تظنّون أنّها لازمة و هي غير ذلك...؟!

حذار من طوفان و طغيان الأحداث..حذار من البهجة الزّائدة...حذار من الغرور...حذار من الإفراط..حذار من التخبّط و العشوائيّة و الارتجاليّة و الاندفاع إلى الأمام...؟!!

و حذار ثمّ حذار من التّفريط في مكاسب العهد السّابق و أهمّها الطّابع العلماني و اللّيبرالي الّذي اعتادت و تربّت عليه دولتكم منذ نظام بورقيبة و هو الأفضل لكم...

و حذار من من التّفريط في خيار فصل الدّين عن السّياسة و شؤون الحكم، ليس بإقصاء الإسلاميين و التّضييق عليهم كما فعل بن علي و لكن بضبط القوانين على المبادئ العلمانيّة و شروط الدّولة الحديثة...

أجل زين العابدين بن علي كان ديكتاتورا و نظامه جرّ مظالم كثيرة عليكم، و مع ذلك و إنصافا للحقّ فقد خدمكم في عدّة جوانب أهمّها أنّه نهض باقتصادكم و وقف سورا منيعا يحميكم و يخفّف عليكم ضغط و أذى المدّ الظّلامي لموجة التديّن الّتي جرفت الدّول العربيّة و الإسلاميّة فلم تكد تبقي منها و تذر...؟!

عندما كنت أزور بلدكم، كنت أعود مبتهجا و راضيا و مفعما بالإعجاب ممّا رأيت و سمعت، و كنت أستمتع بالحديث مع أصدقائي و زملائي و جيراني أعبّر لهم عن مدى إعجابي بمنجزاتكم و بتجربتكم التّنمويّة دون نفط أو غاز، و عن الآمان الّذي تنعمون به و عن... و عن..

أمّا الآن فأقول أسفي عليك يا تونس الخضراءُ، أخاف عليك من يوم يأتي تأسفين فيه على زمن بن علي و تودّين لو تعود أيّامه فتحكين له ما فعله بك الحسّاد و الأعداءُ...!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خوفك غير مبرر
سناء نعيم ( 2011 / 1 / 20 - 05:30 )
انا مثلك توجست خيفة وخشيت ان ياتي اليوم الذي يندم فيه التونسيون على بن علي،الذي بنى تونس وطورها رغم ديكتاتوريته،لكن بعد زوال العاصفة وبعد تفكر عميق زال خوفي وتاكدت ان تونس التي انجبت ابا لقاسم الشابي وبورقيبة هي تونس المنفتحة الحديثة التي ستظل عصية على الفكر الديني المتطرف ولا يمكن لشعبها ان ينجرف وراء الظلاميين .فالشعب الذي أسقط واحدا من اعتى الديكتاتوريات قادرعلى إبعاد كل من يحاول ان يسيربهم ضد تيار الحادثة .فلا أسف ولا خوف على تونس


2 - الى الأخت الفاضلة سناء نعيم
نورس البغدادي ( 2011 / 1 / 20 - 07:13 )
انا مع تحذيرات وتوقعات الأخ كاتب المقال لأن التيارات الأسلاميه لا مانع لديها ان تتسلل الى الحكم وتأتي بثياب الحملان لكن بداخلها ذئاب مفترسة ، انظري كيف جاء الحزب الأسلامي الحاكم في تركيا ودخل بأسم غير اسلامي للحكم وكيف يحاول ان يقضم الدستور العلماني الأتاتوركي وأسلمته كلما سمحت له الفرصة ، انظري كيف تقوم الأحزاب الدينيه في العراق بمحاولة اسلمة الدستور واقعيا من خلال التطبيق العملي لأفعال هذه الأحزاب ، اليوم نشرت العربية نت تصريحا بعنوان خارطة التيارات الإسلامية في تونس من الغنوشي إلى الشيخ الضرير اتمنى ان تطلعي عليه وهذا رابطه http://www.alarabiya.net/articles/2011/01/19/134222.html
تحياتي لك وللأخ باهي صالح


3 - إلى نورس البغدادي
سناء نعيم ( 2011 / 1 / 20 - 10:30 )
تحية لك ياأخ نورس وأقول ان عدم تخوفي ،وانا الجزائرية،ليس تفاؤلا بقدر ما هو معرفة بطبيعة الإنسان التونسي الذي يختلف شيئا ما عن طبيعة الجزائري او العراقي أو المصري.بورقيبة، ومنذ إستقلال تونس 1956،رسّخ قيم العصر في المجتمع التونسي وكافح من اجل بناء مجتمع منفتح حداثي يعيش عصره لا متعلّقا باوهام الدولة الإسلامية التي لا توجد إلا في عقول المغيبين.فالدين في تونس هوأمر شخصي لاغير ،بل حتى التونسيون المتدينون،وعلى قلتهم في المجتمع،غير متعصبين ولا عنصريين ولا تكفيريين كما هو الحال عندنا.فعلى سبيل المثال الخمر يباع في المحلات كما يباع الحليب ولا إعتراض من احد.وقس على هذا كل شيء.فمظاهر الحياة في تونس أقرب للدولة الاوربية منها للدول العربية ولذلك وبناء على طبيعة الثقافة والوعي المترسخة في الوجدان والعقل التونسي يصعب على أي فكر ظلامي ان يقضي عليها.لذلك اكرر لا خوف على تونس من الفكر الرجعي المستبد وشكرا


4 - خوفك في محله يا استاذنا الفاضل
سعد الشروكي ( 2011 / 1 / 20 - 13:08 )
لا بل انها الكارثة اذا دخل الاسلاميين على الخط . اما دكتاتورية النظام السابق فصراحة ان العرب لا يرتضون الا بالدكتاتور والشعب العربي يصنع الدكتاتور ويتملق له ويعبده.
العراق مثلا كان صدام حسين مجرم دكتاتور بلا نقاش وهو الوحيد من القادة الذي ضرب شعب بالكيمياوي وكنا نتمنى ان يأتي شيطان ويحكم بدلا منه لمعرفتنا بان الشيطان ارحم منه . ولكن والله لقد خسر العراقيين هذا الدكتاتور القذر. لقد بدأنا نترحم القذر والقذارة .لان الخلف اسوء من صدام بكثير . لقد حولوا الشعب كله الى لطامة وحملة محابس ولحى وزينبيات وسلفيين وقاعديين وقتل بأسم الدين والشريعة واهل البيت . التسليب والخطف والتفجير والقتل بكواتم الصوت . كل الاعمال تدار من قبل مليشيات دينية 100% لانها الوحيدة الحاملة للسلاح ومحمية من قبل رجالات الدولة ومن دول الجوار . ولهذا خوفي مع خوفك يا باهي مبرر.
الرحمة الرحمة على المجرم والعلقم صدام فنحن لا ينفعنا سوئ صدام وشاكلته اتمنى ان يأتينا صدام اخر ولك التحية.


5 - قذافي آخر
غسان العوني ( 2011 / 1 / 21 - 00:04 )
مع احترامي رايك لا يختلف كثيرا عن راي دكتاتور عصره العقيد القذافي


6 - تحية
وائل مهدي _ استراليا ( 2011 / 2 / 6 - 09:33 )
الأستاذ باهي صالح المحترم .. تحياتي اليك
ليسلم قلمك الرائع الذي يميّز الخطأ من الصح دائماً .. أسعدني مقالك

اخر الافلام

.. موسكو تنفي اتهامات واشنطن باستخدام الجيش الروسي للكيماوي في 


.. واشنطن تقول إن إسرائيل قدمت تنازلات بشأن صفقة التبادل ونتنيا




.. مطالبات بسحب الثقة من رئيسة جامعة كولومبيا الأمريكية نعمت شف


.. فيضانات عارمة اجتاحت جنوب البرازيل تسببت بمقتل 30 شخصاً وفقد




.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات