الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوراق وأطباق - كما حاورني جبران خليل

سامي العامري

2011 / 1 / 20
الادب والفن


أوراق وأطباق
*-*-*-*-*-*
كما حاورني جبران خليل

سامي العامري
--------

كنتُ جالساً على تلٍّ أتأمل المساء كيف يتنفّسُ الأشياء وينفثها كيفما شاء إذا بصديقي جبران خليل يلوّح لي عن قرب,
صاح بي : يا سامي , يا سامي
قلتُ : لبيك !
قال : بلغتُ الخلودَ ومازلتُ أحبُّ أن أسأل ... ليس لأني لا أعرف وإنما ما ألذَّ السؤال وما أجملَ من يسأل .
وطبعاً تستطيع أن لا تجيب .
قلتُ : بل سأحاول أن أجيب وسنرى
فاجلسْ جنبي يا رعاك الله !
ففعلَ وراح يتأمل المغيبَ بعمقٍ ثم :
ما تقول بالحياة ؟
قلتُ : الحياة أمٌّ معطاء , لا تيأسُ منك طالما أنك لا تيأس منها
وإذا كانت أمك ولدتكَ مرة واحدة بمحبةٍ فبمحبتكَ للحياة تلدك الحياةُ مراتٍ ومرات .
الحياة تحتاج دهشتَكَ بها لهذا فهي مصرَّة على التشبث بتلابيب بسمتك , ولأنَّ البسمةَ تنطلق من عمقكَ البهي الحي لذلك فهي خالدة أما الألم فلأنه يخرج من عمقكَ دون رغبتكَ لذلك فهو فانٍ .
قال : حسناً , وماذا عن الوفاء ؟
قلتُ : الوفاء وردة لا تذبُل وإذا ذبلتْ فلأنَّ الناظرين إليها قِلَّة .
قال : والقلبُ يا سامي ؟
قلتُ : إذا كانت العين تُريكَ ما هو أمامك وجنبك فالقلبُ يريكَ ما هو خلفكَ أما إذا أحببتَ فسترى بعينكَ قلبَكَ نفسَهُ , إنه يطلُّ من هناك ... في انفلاقِ كلِّ ثمرة .
قال : حسناً , والسأم ؟
قلتُ : غيمةٌ مُجَعَّدةٌ يا جبران !
- والإنشراح ؟
- دموعٌ غزيرة على وجنة غيمةٍ فحاذرْ أن تكفكفَها !
تنفسَ جبران عميقاً ثم سال بانفعالٍ : والحرية ؟
قلتُ : ما أساء لمعنى الحرية كالسياسي .
إنَّ مقدرتك على مصافحة صديقٍ بحرارة أو تقبيل حبيبٍ بدفءٍ تُعَدُّ تألقاً , ولا أظن أن الحرية تخرج عن هذا المعنى المُركَّز على الإطلاق .
قال : حسناً , والعدل ؟
قلتُ : تتفاوتُ أرزاقُ الناس وحظوظُهم في الدنيا كما تتفاوتُ مستويات الحياة نفسها ولكن ليس في النقص انتقاصٌ ولا في الزيادة تشريف .
ثم سال : والفضيلةُ ؟
قلتُ : هي النقطة التي يصل بها القلبُ إلى أن يمنح العقلَ ما يخفق بهِ ولهُ .
فكر قليلاً ثم قال : حسناً , والرغبة !؟
قلتُ : هي الجدوى مختومة بالشمع الأحمر !
هنا تبسم جبران , قال : حدثني يا سامي عن فهمك للموت ؟
قلتُ له : أفهم لمَ ربطتَ الرغبة بالموت !...
إن الموت هو بالفعل سؤال محيِّر ولكني أفهمه لحد الآن بالشكل التالي : كل من يبدأ مسافةً ما فإنه يطمح لبلوغ نهايتها , لماذا ؟
لأنه شبه عارفٍٍ أنها نهاية سعيدة أو على الأقل أفضل مما هو عليه , غير أن الإنسان قد ينسى هذا وسط الطريق بسبب التعب ربما ! ومن هنا يحصل التشوش !
سرحَ جبران طويلاً وكانت جبهته تشع نبوغاً وسماحة ثم أردفَ : وكيف تُعرِّف الله ؟
سرحتُ أنا أيضاً غير قليل ثم قلتُ : الله ؟ إنه الصاعقة الوحيدة التي إذا عصفتْ بالإنسان مَرةً جعلتْ قلبَهُ راقداً في النور كإبليس !
تبسمَ جبران بودٍّ وصميمية وسأل : وماذا عن الوطن ؟
قلتُ : ما الوطن إلا تهمةٌ خطيرة لا يرغبُ المتَّهمُ فيها بمحامٍ أو دفاع .
فاستبشرَ جبران وربّتَ على كتفي وقال : حسناً , هاتِ لي شيئاً عن الدِّين .
قلتُ : الدين مخلوقٌ بريءٌ كالقنفذ غير أن الناس لا تحاول ملامسة جوهرهِ خشيةً من لسعات السطح !
هنا بكى جبران فرحاً وفرحتُ أنا ألماً !
إلى الملتقى يا صديقاً حميماً ...
فتوارى بين الغمائم كفكرةٍ تعيد الثقة .

-----------------------------------
(*) الحوارية هذه أضفتُها كملحقٍ لرواية قادمة لي عنوانها : صبواتٌ وشَمَم , والتي سيفرحني نشر بعض فصولها تباعاً

برلين
كانون الثاني –








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | المخرجة ليليان بستاني: دور جيد قد ينقلني إلى أ


.. صانع المحتوى التقني أحمد النشيط يتحدث عن الجزء الجديد من فيل




.. بدعم من هيئة الترفية وموسم الرياض.. قريبا فيلم سعودي كبير


.. المخرج السعودي محمد الملا يتحدث لصباح العربية عن الفيلم الجد




.. الناقد الفني أسامة ألفا: من يعيش علاقة سعيدة بشكل حقيقي لن ي