الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التفريق بين قياس الفساد وقياس جهود مكافحته وقياس التقدم في الحرب ضده

رحيم حسن العكيلي

2011 / 1 / 20
دراسات وابحاث قانونية


بعد اعلنت هيئة النزاهة بان ارقام ملاحقات الفساد لديها عام ( 2010 ) بلغت ثلاثة اضعاف ارقام العام الماضي ( 2009 ) ، التي كانت - هي ايضا - اكثر من مما تم انجازه في الخمس سنوات الماضية ( 2004 – 2008 ) مجتمعة، ظن البعض بان ذلك مؤشر على ارتفاع في مستوى الفساد في العراق ، ونسبوا الى الهيئة – خطأ - بانها اعترفت بان الفساد تضاعف ثلاث مرات عن العام الماضي ، وبنوا ذلك على وهم بان ارتفاع عدد المحالين الى المحاكم وزيادة عدد المحكومين وارتفاع عدد المطلوبين عن تهم فساد انما هو مؤشر على ارتفاع الفساد ، وهذا خطأ علمي فادح ، لان ارقام ملاحقات الفساد لا تصلح كطريق ( لقياس الفساد ) ، ولا تصلح مؤشر او كدليل على ( ارتفاع مستوى الفساد ) ، ولكنها تصلح لقياس ( جهود مكافحة الفساد ) ، وهنك فـرق كبير بين ( قياس الفساد ) و( قياس جهود مكافحة الفساد ) .
فالفساد يقاس باربع طرق ، اهمها واكثرها واقعية وموثوقية طريقين الاولى هو ( قياس الفساد عن طريق ادراك الناس له ) وهذا ما تعتمده الشفافية الدولية ، ويصدر عنها نتيجة له ( مؤشر مدركات الفساد ) وجدوله الدولي الشهير ، والثاني وهو الطريق الاكثر موثوقية من مؤشر مدركات الفساد ، فانه قياس الفساد عن ( طريق خبرة الناس في التعامل مع ظاهرة الفساد المطلوب قياسها )، وهذا ما تبنت هيئة النزاهة اعتماده في المؤشرات التي تصدر عنها شهريا بناء على استبيان يتضمن سؤال اساسي هو سؤال المتعامل مع الدائرة المعنية فيما اذا كان قد دفع رشوة بمناسبة المعاملة التي انجزها .
ومع ذلك فان جميع طرق قياس الفساد الاربعة محل نظر وانتقادات علمية كثيرة ، لذلك دعا الامين العام للامم المتحدة ( بان كيمون ) في كلمته التي القاها في مؤتمر اطلاق الاكاديمية العالمية لمكافحة الفساد في فيينا في ايلول / 2010 الدول الى بذل الجهود للتوصل الى معيار علمي موثوق لقياس الفساد .
اما ارقام المحالين الى المحاكم والمحكومين والمطلوبين بتهم الفساد ، والاموال المستعادة فانها لا تصلح مطلقا لقياس الفساد او القول بزيادته او انخفاضه ، وهذا ما تؤكده منظمة الشفافية الدولية في المذكرة التوضيحية التي تلحقها عادة بمؤشر مدركات الفساد الذي تصدره سنويا ، وذلك محل اتفاق عند جميع المعنيين في مكافحة الفساد في العالم .
الا ان تلك الارقام ( اي ارقام عدد المحكومين والمحالين والمطلوبين بتهم فساد ) تصلح لقياس ( جهود مكافحة الفساد) ، فكلما ارتفعت ارقام المحالين الى المحاكم وارقام المحكومين والمطلوبين عن تهم الفساد ، فذلك دليل على زيادة وجدية جهود مكافحة الفساد ، وكلما انخفضت كان ذلك دليل على ضعف جهود مكافحة الفساد . وهذا ما تتابعه بدقة واهتمام المنظمات المعنية بمراقبة جهود الدول في مكافحة الفساد وتؤكده عليه وتعتبره المؤشر الاهم في فعالية الدولة في مكافحة الفساد او عدم فعاليتها .
ولابد ان نشير هنا – لكي لا يساء فهم ما ذكرناه عن قياس جهود مكافحة الفساد – الى ان مؤشرات تطور او تقدم ( جهود مكافحة الفساد ) لا تصلح – لوحدها - لقياس التقدم او التحسن في معالجة الفساد ، لان هناك فرق بين وجود جهود لمكافحة الفساد - ولو كانت كبيرة او جدية - وبين احتمالات حصول تحسن او تطور في مشكلة الفساد ، فرغم ان المنطقي هو حصول ذلك التحسن مع وجود جهود جدية ، الا ان ذلك ( اي منطقية النتيجة ) شئ وحصول التحسن - فعليا - شئ اخر ، لذلك فان قياس جهود مكافحة الفساد لا تصلح للقول بوجود تحسن في مشكلة الفساد ، كما انها لا تصلح للقول بوجود تراجع في مشكلة الفساد او ارتفاع في مستواه كما ذكرنا انفا . ورغم ان الارقام الدالة على التقدم في ( جهود مكافحة الفساد ) لا تصلح لوحدها كمؤشر للقول بوجود ( تقدم في مكافحة الفساد ) لكنها احدى المؤشرات المهمة التي ترجح وجود التقدم في مكافحة الفساد اذا ما اكدته معايير اخرى صالحة لقياس ذلك التقدم .
ولكن تصلح ( طرق قياس الفساد ) كمؤشر لقياس ( التقدم في معالجة مشكلة الفساد ) فكلما اشارت طرق قياس الفساد الى انخفاضه عد ذلك تقدم في معالجة الفساد ، وهذا ما اعمدته هيئة النزاهة في الحملة الوطنية لمكافحة الرشوة في استبياناتها الشهرية لقياس حجم تعاطي الرشوة في القطاع العام ، فالاستبيان كان طريق لقياس حجم تعاطي الرشوة ( اولا )، وطرق لقياس التقدم او التراجع في معالجة ظاهرة الرشوة ( ثانيا )، وهو وسيلة من وسائل الضغط للعمل ضد الظاهرة من خلال اعلان نتائجه ونشرها اعلاميا ، وقد حقق ذلك نتائج ايجابية الا انها لا زالت تعد – لدينا – تقدم هش وغير راسخ .
وهناك مؤشرات اخرى تصلح لقياس ( التقدم في مكافحة الفساد ) كمعيار زيادة الاستثمار الاجنبي ، فكلما زادت حالات الاستثمار الاجنبي ، عد ذلك مؤشر على انخفاض مستوى الفساد ، والعكس يدل على ارتفاع مستوى الفساد ، فالمعروف ان الفساد هو احد العناصر الطاردة للاستثمار الاجنبي . ويقاس التقدم في مكافحة الفساد بقياس مدى تعاون الناس في الاخبار عن الفساد فكلما ارتفع مستوى من يقول بانه يخبر عن الفساد في حالة العلم به دل ذلك على تقدم في الحرب ضد الفساد ، والعكس يؤشر حالة سلبية ، اذا ما عزف الناس عن الاخبار عن الفساد لاسباب تتعلق بالخوف من الانتقام الجسدي او العشائري او الوظيفي وغيرها من الاسباب .
وعموما لا يفضل ( قياس الفساد ) ولا قياس ( التحسن في معالجته ) بالاعتماد على طريق او مؤشر او معيار واحد ، بل يتوجب – ما كان ذلك ممكنا – جمع اكبر عدد ممكن من الوسائل والمؤشرات المتوفرة ، فكلما زادت المؤشرات والمعايير والطرق المعتمد عليها في استخلاص النتائج النهائية ، كلما كانت الموثوقية فيها اكبر ، وتقل الموثوقية بالنتائج مع قلة المؤشرات والمعايير المعتمدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هئية النزاهة
صادق التميمي ( 2011 / 1 / 20 - 09:52 )
تحية طيبة للاستاذ رحيم العكيلي
كانت لدي جملة تسالأت طرحتها في مقالة نشرت على ذات الموقع بودي طرحها هنا مجددا طبقا لقانون النزاهة الهئية ملزمة بنشر البيانات المالية للقادة السياسيين وتمكين الجمهور منها وحتئ لهم حق نسخها.لم تعمل هئيتم بهذا البند والتفسير الوحيد هو تجنب رد فعل السياسيين
ثانيا الزم القانون هئية النزاهة بفرض عقوبات على من لم يقدم بيانات عن وضعه المالي كالغرمات ووقف العمل لكن هئيتكم لم تعمل بهذا البند اذ ان اغلب اعضاء النواب لم يقدموا كشوفات مالية .ثالثا لم تطعن هئيتكم بتخصيصات المنافع الاجتماعية وطريقة صرفها لانها لاتستند الى قانون كيف يمكن تحقيق مساوات سياسية بين الافراد اذ كان المال العام يستخدم كهبات ومكارم وعطايا لاشخاص .اذ تشير التقارير الى ان المنافع الاجتماعية يتم استثمارها لحشد الدعم السياسي وانشاء قواعد دعم للاحزاب الحاكمة .كما لم تبادر الهئية للتصدي قضائيا لعمليات الاستيلاء على المال العام واتخاذه مقرات حزبية او عمليات البيع الصوري في المزايدات لبيع الاموال العامة والتي تم شرائها من قبل احزاب .لم تتصدئ الهئية .لم تتصدئ الهئية قضائيا لعمليات ايجار املاك الدولة


2 - مكافحة الفساد
صادق التميمي ( 2011 / 1 / 20 - 10:07 )
والسؤال هو ما جدوى وجود هذه الهيئات الرقابية التي ليس لها سلطان لتفيذ ما ورد في مضامين قوانيها؟ وهل تقف مكتوفة الايدي تحت هذه الحجة وتتنصل من استنباط الآليات طبقا لقوانينها في وقف هدر المال العام؟ وكيف تعرف مفاهيم مثل التبديد والاساءة في استخدام السلطة والاهمال والتقصير؟ اذ ورد في المادة 11 أولا، من قانون الرقابة المالية والتي عدت مخالفة مالية لاغراض هذا القانون الافعال والتصرفات الأتية 2- الاهمال والتقصير الذي يؤدي الى الضياع أو الهدر في الاموال العامة أو الاضرار بالاقتصاد الوطني. فلا ديوان الرقابة المالية ولاهيئة النزاهة تتبنى هذه القضية لا من حيث ان الصرف دون غطاء قانوني، يوجب اقامة دعوى لوقف مثل هذا الصرف بالتعاون بين هاتين الهيئتين الرقابيتين او انها اهدار مال عام، تنطبق عليها معايير التبديد وإساءة استخدام السلطة , اذ تجنبت الاجهزة الرقابية مواجهة ذلك المبالغ الهائلة التي وزعها مجلس النواب على بعض منظمات المجتمع المدني والتي اغلبها واجهات حزبية للجماعات الحاكمة على الرغم من ان اغلب هذه المنظمات غير مسجل قانونا، ولم يصدر تقرير من ديوان الرقابة يتأكد من تحقق غايات هذه المنح


3 - مكافحة الفساد
صادق التميمي ( 2011 / 1 / 20 - 10:17 )
خولت هيئة النزاهة حق مراجعة لنظام انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدل واصدار نصا منقحا للنظام والقواعد كما منحت حق احالة معلومات تتعلق بمخالفات محتملة لقواعد السلوك الى رئيس الدائرة التي توظف المخالف او المشتبه به او الى المفتش العام وان ترفق بتلك المعلومات توصية باتخاذ اجراءات تاديبية طبقا لماورد في القسم 4 الصلاحيات والواجبات من قانونها.ان قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام يغدو بلا معنى عندما يكون المشرعون بمناى عن اي محاسبة لاسيما في حال عدم امتثالهم لحضور جلسات البرلمان، ان القوانيين فقط تطبق على الضعفاء كحال موظفي القطاع العام، كيف يمكن ان نلزمهم بالمواضبة واحترام الوظيفة العامة كخدمة وفي ذات الوقت ان قمة هرم السلطة ينتهك معايير ذات القانون الذي يفترض انه صادر منهم .كما اود اشير ان نقطة جوهرية تلك هي ان الغاية من تقديم السياسين بيانات مالية هي لضبط اموالهم ومعرفة مصادر دخلهم المشروعة واي زيادة لاتتطابق مع البيانات ومصدر الدخل يخول هئية النزاهة التحقيق فيه دون حاجة الى قانون جديد لان هذا في صلب اسباب ومقاصد القانون.هذه ملاحضات بسيطة نضعها بين يديكم

اخر الافلام

.. مسؤولون فلسطينيون: التصعيد الإسرائيلي في جنين رد على طلب الم


.. جدل بالدول الغربية حول مطالبة مدعي -الجنائية الدولية- باعتقا




.. بعد مذكرة الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت.. مدعي الجنائية الدول


.. شبكات | ماذا بعد طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إ




.. تباين ردود الأفعال الدولية حول مطالبة -الجنائية الدولية- باع