الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البراعة السردية للقاص رياض الاسدي

كاظم الشويلي

2011 / 1 / 20
الادب والفن


ما طالعت نصا قصصيا للقاص د . رياض الاسدي الا ووقفت مبهورا أمام قدرته السردية الفائقة ، فهو يعرف أسرار وخفايا صنعته بدقة متناهية ، نعم نتصور انه يكتب بأسلوب سهل للغاية لكن هذا السهل البارع هو الممتنع على الآخرين ، ولو أخذنا قبسات من قصته القصيرة (دريع أبو صفره) - وحسب ما جاء في هامش القصة فأن الدريع تعني المندفع، والصفرة من الصفر وتعني الجنون - نجد ان القاص كان ماهرا في صناعة الشخصيات وكان فطنا جدا وهو يسلسل حبكة الحادثة ، حيث نلحظ ان القاص قد شرع في دريع ابو صفرة من لحظة تستفز المتلقي : ( لست أدري لم جيء بي لأقف بعيدا مربوطا إلى شجرة كاليبتوس قديمة، وإلى خطّ ثلاثة لا أعرف منهم إلا (أبو حرب) وكنت انظر طوال الوقت إلى الجمع المدجج بالبنادق وأصرخ : آني شنو جايبيني؟ لكن تلك الكلمات ما كانت تزيد الواقفين إلا حنقا متزايدا علي. ثم ردّ عليّ رئيس الجمهورية بنفسه : معقولة متدري ليش جايبينك هنا؟ كلب!. والله ما ادري والعقيدة سيدي! ربما كنت أرى (أبو حرب) يضحك مني.. اجل هو يضحك بقوة. ياالهي أية قوة أعصاب لديه؟ صدق من أطلق عليه (أبو حرب).
يحدثنا القاص في هذا النص عن سيرة شاب جنوبي لم يقدر ان يتخلص من الفقر المدقع مما اضطر لترك الجامعة والالتحاق بالرفيق الحزبي ابو حرب ، وقد برع القاص بوصف سذاجة الشخصيات قائلا : ( لذلك لم يحلف ابو حرب (بالعقيدة) كما أفعل أنا إلا مرات قليلة في حياته وتحت ضغوط كبيرة جدا؛ رغم أن مفهوم العقيدة لم يكن واضحا لديه بما فيه الكفاية كما أظن. وطالما تسأل أمامي : يعني شنو عقيدة؟ محمد جاء بعقيدة للعرب ونحن جئنا بعقيدة.. لا فرق.. قابل هاي شغله كبيرة! ) وبهذه الطريقة العفوية المتناهية في دقة التخطيط لصناعة هذه الشخصية ، نجد أنفسنا نتابع بلهفة مصير هذه الشخصيات ، وان الفقر كان المساهم الأكبر في وضع كثير من الشبان في قبضة النظام الدكتاتوري ، هاهو البطل يستمر بكشف أوراق الماضي معلنا ان : ( العالم بفقره المدقع هو من جاء بي إلى مواجهة فرقة الإعدام هذه. أنا كنت أعمل فرانا مساء في (البتاوين) لتوفير مصروفي وإيجار الفندق - شجابني أعمل مراسلا لأبي حرب!؟ .... كانت أمي تطلق عليّ صفة (الدريع) دائما حتى بعد أن كبرت وبقيت تناديني الدريع أبو رأس. لم أكن أفهم وصفها إلا بعد أن قتلت خلال أقل من شهر بعد مدة التدريب مباشرة سبعة أكراد وثلاثة من الشيعة وآخر(سكوتي) مجهول الهوية تحت التعذيب ... فأعجب بي أبو حرب وجعلني مراسله الخاص ... المهم كان راتبي جيدا والمكافآت التي يمنحها لي الأستاذ أبو حرب مفيدة لأسرتي. )
وبهذا السرد المدهش نتعرف على هذه الشخصيات التي اندفعت بشدة إلى أتون الجريمة وتتوالى الأحداث بسرعة متلاحقة ، يكتشف خلالها ابو حرب انه مجرد أداة قتل استغلها الحزب ، وهنا بدأت محاولاته على ان يكفر عن ذنبه ، فلم يكن - بعد ان أوغل هو وشقيقته الطالبة الجامعية في استدراج الناس للحزب – الا ان ينفجر في وجه الدكتاتور في اللحظات الأخيرة وهو مربوط الى شجرة وفرقة الاعدام سوف تنفذ أمر اعدامه بمجرد أشارة بعد ان اكتشف الحزب ان ابو حرب أصبح يمثل خطرا عليه فكان هذ المشهد الاخير من النص : ( ... كانوا خمسة عشر من الرماة يحملون كلاشنكوفات نصف أخمص لا تمنح إلا لمن هو ذي شأن في الدولة والحزب. لماذا فصلت عن الجماعة ألآني أعمل مراسلا؟ لست ادري. وبإشارة واحدة قام ثلاثة من الرماة واتخذوا وضع الجلوس أمامي. صحت من جديد : آني شنو جايبيني؟ ثم جلسوا على الركب بانتظار الأوامر ووقف الرجال الثلاثة مقيدين إلى أعمدة نصبت سريعا لهذه المهمة. وقف هو وسط أثنين من رفاقه ممن اشتركوا في المؤامرة. ثم وقف رئيس الجمهورية ونائبه خلفهم مع عدد آخر من الرفاق القياديين وضباط الجيش الكبار وقد علت قسمات وجوههم دهشة ممزوجة بخوف داخلي. قال رئيس الجمهورية بصوت عال (أبو حرب) هل تريد أن تقول شيئا أخيرا؟
- إي.. تفووو عليك! سيدي.
وما أن هبطت اليد المرفوعة حتى كان صوت الاطلاقات مدويا يصم الآذان. لم يترك أية فرصة للصراخ فقد نفدت مخازن البنادق الكلاشنكوف كلها في الأجساد الثلاثة التي لم تتحرك عن أماكن وقوفها كثيرا. دخان البنادق يملأ الفضاء القريب. وبقيت أنا الآخر في الانتظار ....
تحية للقاص د. رياض الاسدي الذي صنع لنا صرحا من الجمال القصصي شكلا ومضمونا ، فقد كان ماهرا في الأسلوب واختياره اللغة السهلة القريبة من قلب المتلقي ، وكان موفقا في أرشفة جرائم العهد البائد من قتل ودمار وفساد على كل المستويات ... نحن بحاجة لهكذا أقلام نزيهة تكتب لنا التاريخ بقالب قصصي واقعي شيق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا لك
رياض الأسدي ( 2011 / 1 / 20 - 15:07 )
أن تتناول هذه القصة بالذات هو مكسب وطني وثقافي كانت تلك المرحلة تعجّ بالأحداث الجسام وربما على المثقفين العراقيين تناولها فكريا قبل القاصين شكرا لك ثانية اخي العزيز


2 - استاذنا رياض الاسدي
كاظم الشويلي ( 2011 / 2 / 7 - 15:54 )
تحايا لروحكم النقية ايها الاديب القدير د. رياض الاسدي

اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس