الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زين الهاربين - بن علي-

وديع شامخ

2011 / 1 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


زين الهاربين " بن علي"

شجرة الديكتاتورية بين مسرح القسوة وواقع النار

يتذكر التونسيون ما قاله الرئيس السابق الحبيب بورقيبه للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي يوم كان قائدا للأمن، قال له : "إسكت يا بهيم يا بتاع البوليس"
لكن البهيم بن علي َلقن سيده درسا وأقصاه عن سدة الحكم حين بلغ بورقيبة من " العمر عتيّا وصار خَِرفا " ، ويقال إنها طبخة مخابرتية أمريكية جريا على عادتنا العربية في نظرية المؤامرة !! .ولكنها على الاقل " طبخة شهية" حقّقت ل" بهيم البوليس" َتصدر دفة الحكم .. ولكن السؤال هنا .. هل بلغ" الفهيم بن علي " سن الرشد ؟
هل تعلّم درس إدارة شؤون الناس وهل منحته " الأريحية المغاربية " في عزل الولاة ، حكمة التعامل مع كرسي الحكم بوصفه تكليفا لخدمة الشعب وليس تشريفا .. وهل شفعت له " طبخة المؤامرة " أن يكون " حويطا" لشم رائحة الشواء ... وهل كان يتوقع أن تكون هذا الرائحة ليست من صنع " مطابخ المخابرات " بل جاءت من جسد المواطن التونسي ، بائع الخضار " بوعزيزي" الذي سوف يؤسس لثقافة شواء الأجساد قربانا لسقوط الأصنام ، وكأننا أمام تراجيديا القرابين المنحورة على كراسي السلاطين !!!
......................................
ويتذكر التونسيون أيضا ما قاله الحبيب بو رقيبه عن أبناء قرى تونس بأنهم " أودلاد الحفيانيه"، وهو نفس اللقب الذي أطلق صدام حسين " ديكتاتور العصور" على العراقيين بانهم حفاة !!
َمنْ وصفهم بورقيبه بالحفاة هم أهل " سيدي بو زيد" وقراها ، الذين تصدوا للإحتلال الفرنسي ، ولكن بورقيبه نسى فضلهم كما هي عادة الحكام الطغاة حين يتصدرون سدّة الحكم .
بل إن هؤلاء " البلهاء" الحكّام قد اصبحوا العيّن الاحصائية الملائمة للإستنتاج بأن العرب مصابون بفقدان الذاكرة ، وهو ما أشار اليه أحد القادة الاسرائيلين في معرض حديثه عن التحالفات أو المعاهدات مع الدول العربية والقاضية بشأن أمن دولة أسرائيل بوصفها دولة الخطوط الحمراء .
...............................
أتذكر الآن قائمة الطغاة والبغاة .. أتذكر بوكاسا أحد ملوك افريقيا، وثلاجته المليئة باللحوم البشرية والتي كان يفضل أكلها مع أطايب المشروبات ، وهو ما يماثل فساد بن علي وبطانته .. أتذكر جوزيف بروس تيتو، ونظارته الذهبية وبؤس الشعب اليوغسلافي آنذاك، وهو ما يشابه بن علي وولعه بتصفيف الشعر وقيامه بعميلة تجميل لانفه والذي لم يسعفه للأسف لشم روائح شواء " بو عزيزه"! ، أتذّكر هتلر وهو يستخدم " السياند" لوضع حد لنهاية الكلب ، لانه لا يثق حتى بموته !!
أتذكر ستالين وهو يَقلق التاريخ .. أتذكر الحجاج بن يوسف الثقفي وهو ينتظر موسم قطاف الرؤس وجز اللحى.. أتذكر .. أتذكر .. .. وأقف عند " زين الهاربين" الدرس الآخر للحكّام الذين تفننّوا في مغازلة الكراسي والاستماته للبقاء حدّ القطرة الأخيرة من حيائهم الناضب أصلا !!
...............................

يتحدث إنطوان أرتو المسرحي الفرنسي الكبير عن اسلوب مسرحه الغريب، وكان البيان الأول بعنوان (مسرح القسوة) حيث تحدث فيه عن ضرورة أن يكون لتأثير المسرح كالنار المحرقة!!، وكانت وسيلة تعبيره هي الصورة المشهدية القاسية التي تشكل قوة عليا طاغية. وفي كتابه " المسرح وقرينه " تحدث عن تأثير المسرح على الجمهور كما هو تأثير مرض الطاعون .
لكن بائع الخضار بن عزيزي من أهل " سيدي ابو زيد" أراد لرائحة شواء جسده أن تكون رسالة واقعية تنتشر كالنار في هشيم شجرة الديكتاتوريات .
يالعظمة المسرح الفرنسي الذي جعل " الرئيس ساركوزي" يمتنع عن إعطاء تأشيرة لزين الهاربين بن علي في دخول فرنسا !!
ويا لعظمة الحياة .. أمام شواء الجسد البشري واقعيا .
فهل هي ثقافة الشواء؟
شواء الجسد أم الروح ؟
أم هي رسالة جديدة لتذكير العقل العربي الحاكم والنائم في يقين الكراسي .
....................................

ِمن أهم ما أفرزته تجربة " أولاد الحفيانية " في تونس إنها كانت ثورة جياع ، وثورة إنسانية خالصة وخالية من ثاني أوكسيد السياسة ومكائد الجوار ومطابخ المخابرات . بدأت من " سيدي بو زيد" والقرى الصغيرة التي ترقد آمنة على مقربة من سفوح الجبال مثل " الاعتزاز والنصر " أو "الرقاب ، والمكناسي ، والمزنة ، ومنزل بوزيان " .
لم يكن " البهيم بتاع البوليس " مقنعا في أدائه كرئيس.. ولم يستمع الى صراخ الجياع حتى جاء النذير .
أتذكّر أن العراقيين دفعوا بحورا من الدماء ولم يهتز لعرش" صدام" شعرة ، ودفعوا من ماء الحياء حتى بلغت من الذلّة والهوان شأن لا يدانية خزي آخر..
وكان قَدر هؤلاء الطغاة البغاة أن يلقوا حتوفهم على أيادي " أولاد الحفاة" لأن الحفاة يمتلكون ذاكرة باشطة وألم يوخز ضمائرهم وبطونهم كلّ يوم .
..........................................
درس الشواء البشري بكل تجلياته الإنسانية وعمق تراجيديته وسودايته ورغم نجاحه في الحقل التونسي في حصد رأس الكرسي ، لكني لا أحبذ أن يكون سنّة متنّبعة ،لان نجاحه في تونس أقتضى توفر بيئة حاضنة لقبول هذا القربان وإشعال ثورة بيضاء أفضت الى القضاء على رأس الفتنة وبطانته رسميا، هذا لايمكن تكراره لاختلاف الحاضنات المجتمعية والسياسية في أماكن أخرى عربية وغيرها ما زال الديكتاتور يتربع على صدور الناس ، وعلى الشعب التونسي الرائع أن يضع نصب عينيه الأهداف النبيلة التي مات من أجلها " الشهيد بن عزيزة"، ولا ينجر الى ألاعيب الساسة وأهواء المصالح ونفوذ المتربصين في الداخل والخارج، فإذا ما هرب " زين الهاربين " فلا يجب أن نتوقع ظهور الملائكة .. فهناك مصالح ومطامح أكبر من الوطن والناس ورائحة الشواء الآدمية .

.................................................

قلتُ في مقطع شعري ، "أتذكر أيامي المشويّة على سفود الحروب"
وكنت أعتقد أنني بلغت نهاية الإستعارة القصوى في المقابلة بين تقويم الأيام والشواء على السفود، وكنا في العراق نشوى على السفود ويموت منا في اليوم ما يعادل صدمة زلزال ولاأحد كان يسمعنا..
إن من أفضع أخطاء الديكتاتور العربي أنه بلا ذاكرة فعّالة ، وهي لعمري من أجلّ محاسنه من جانب آخر ، لان الذاكرة قبر لمن ينام فيها وحقل لمن يزرعها . فصدام حسين مثلا لم يستطع الفكاك من حلمه " أو كابوسه " في البقاء في القوة " وليس في الحكم " حتى جاءت الصدمة مزلزلة وعلى قدر وهمه في البقاء، لان الشعب العراق قد عجز عمليا وداخليا في إزاحته .
ولو أن مواطنا عراقيا " أحرق نفسه " إحتجاجا على صدام ونظامه فإنه لم يشكل نموذجا ثوريا للشعب العراقي الذي كان في "جحيم سقر" طوال عهد البعث الصدامي ،كما أن هذه الجثة المتفحمة سوف تكون نذير شوؤم لعائلة وعشيرة المحترق إحتجاجا!.
رائحة محمد بوعزيزة نريدها رائحة الانسان العاقل الفاعل ، الإنسان الذي يعيش ضرورة ويموت إضطرارا ، لا الإنسان الذي يحيا إضطرارا ويموت ضرورة وناموسا.
.........................................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله