الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتى لا يتم الالتفاف على الثورة التونسية المجيدة

محمد بودواهي

2011 / 1 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لأكثر من عقدين من الزمن كان الشعب التونسي يئن تحت وطأة نظام زين العابدين بن علي الفاشي الديكتاتوري المتسلط ، الذي كان ينشر الرعب والخوف في نفوس كل التونسيين عبر أجهزته البوليسية والمخابراتية المتنوعة ، التي كانت لا تتورع في اعتقال واختطاف وتعذيب وسجن كل من تسول له نفسه انتقاد أو معالرضة نظام الطاغية حيث كان المنع يطال العمل السياسي والنقابي والحقوقي الجاد والصحافة المستقلة والنزيهة ، ويعرض أصحابه إلى كل أنواع المضايقات والمخاطر التي تصل إلى حد التصفية الجسدية ، مما دفع بالعديد من رموز ومناضلي اليسار والمعارضة السياسية ومناضلي حقوق الإنسان إلى مغادرة البلاد والبقاء في المنفى لمدد طويلة من الزمن
لقد كان النظام التونسي البائد يعتبر نموذجا يحتدى به في الديكتاتورية وممارسة المنع لكل الأنشطة السياسية والنقابية وللعمل الحقوقي والعمل الصحفي الجاد حيث كان يصنف من قبل المنظمات الحقوقية الدولية كمنظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش والمنظمة العالمية لحقوق الإنسان وصحافة بلا حدود وغيرها دولة استبداد لا تسمح بالتعددية السياسية ولا تحترم حقوق الإنسان وليس لديها قضاء مستقل ، فكانت تمارس الطغيان والاضطهاد ، وبجميع أشكاله ، على كل أصناف المعارضة فحشرت المئات منهم في السجون والمعتقلات ، واضطر مئات الآخرين من الهروب إلى المنافي ، كما جعلت ملايين التونسيين يتوجسون ويتخوفون من الجهر بانتقاد سياسة الدولة ورموزها ومؤسساتها المتسلطة ، وطلقت العنان لكل المقربين وعائلات المتنفدين في السلطة ، انطلاقا من عائلة الرئيس مرورا بعائلة زوجته ليلى الطرابلسي وصولا إلى أبناء بعض الوزراء الكبار كوزير الداخلية الذين وضعوا أياديهم على أغلب المؤسسات البنكية والفنادق الفخمة والشركات الكبرى وجعلوا لهم في الخارج مؤسسات للإستثمار وكدسوا الأموال في الأبناك السويسرية والفرنسية وغيرها، هذا إضاقة إلى التجاوزات الفظيعة التي كانوا يرتكبونها في حق الناس والمواطنين دون أن تستطيع أية جهة إيقافهم عند حدهم وتطبيق القانون عليهم
وصل السيل الزبى لدى الشعب التونسي حيث كان حدث حرق البوعزيزي لنفسه في سيدي بوزيد عبارة عن شرارة أولى لانطلاق مسلسل الاحتجاجات التي سرعان ما انتقلت إلى مدن مجاورة كالقصرين وتالة وبنزرت لتمتد بعد ذلك إلى كل المدن التونسية الأخرى بما فيها تونس العاصمة حيث لم تنفع معها كل خطابات الوعد والوعيد التي كان يطلقها الديكتاتور بن علي عبر قنوات التلفزة ولا حملات القمع البوليسية التي أسقطت أكثر من 60 شهيدا في شتى المناطق ، ولا رعب القناصة التي كانت تقوم بها أجهزة سرية خاصة تابعة مباشرة للرئيس الطاغية المخلوع لتصفية الأشخاص المتزعمين للثورة ليلا ولبث الهلع والخوف في نفوس الناس ليتراجعوا عن التظاهر والاحتجاج . لكن يقظة وفطانة الشباب التونسي المنظمين من قبل التحاد العام لطلبة تونس والحركة التلاميذية والحركة الشبيبية للأحزاب اليسارية والتقدمية والديموقراطية والشبيبة التابعة للمنظمات الحقوقية وغيرها من فعاليات المجتمع المدني فطنت لتلك اللعبة القذرة فكانت قادرة على جر البساط من تحت أرجل النظام المنهار وكل المرتزقة الذين كانوا يعملون تحت إمرته
وصلت ساعة الصفر للطاغية فهيأ طائرته الخاصة للرحيل بعد أن تبين له عدم جدوائية أسلوب المناورة ، وبعد أن تيقن أن الاستمرارية في التواجد في ظل الحركة الاحتجاجية التي ما فتئت تتصاعد تعتبر مغامرة غير مضمونة العواقب ، والتي من الممكن جدا أن تصل به إلى حبل المشنقة كما وقع لتشاوسيسكو من قبله ففضل اتباع اختيار شاه إيران في اللجوء إلى المنفى بالسعودية بعد أن رفضته مالطا وتخلت عنه فرنسا حليفته الاستعمارية
قيام الثورة من قبل الشارع التونسي دون أية قيادة سياسية واضحة المعالم ، جعل الأمور تختلط والوضعية تلتبس مما أدى بمحيط بن علي السياسي إلى استغلال غياب البديل السياسي ، وعدم التقاط المعارضة السياسية إشارة الشارع في الوقت المناسب وبالتالي التحرك بسرعة لاحتضان الثورة وتبني مطالبها والتواجد داخلها بشكل منظم ومخطط له ، فنشرت - أي زبانية النظام - بلاغها السياسي المزعوم عبر أجهزة الإعلام الوطنية والدولية معلنة فيه تشكيل حكومة مؤقتة من طرف واحد برئاسة الوزير الأول السابق الغنوشي ونفس أعضاء الحكومة السابقة ، لتتراجع بعد ذلك تحت ضغط التظاهرات الشعبية ليتم بعد ذلك إحداث بعض التغييرات المراوغة بإدخال بعض الوجوه المعارضة الذين ما فتؤوا أن قدموا استقالاتهم تحت وطأة احتجاجات الشارع التي عبر من خلالها الشارع التونسي عن عدم رغبته في بقاء رموز النظام السابق في السلطة ومطالبته بحل حزب التجمع الدستوري وتشكيل حكومة وطنية مؤقتة لا يوجد فيها أي عنصر من الحرس القديم أو له علاقة بالنظام الديكتاتوري البائد ، تنظم وتشرف على انتخابات نزيهة وحرة ينبثق عنها مجلس تأسيسي مهمته الأساسية سن دستور جديد يضع الأسس الجديدة للدولة الديموقراطية الحقيقية التي تكرس سيادة السعب وتضمن فعليا قيم المساواة والحرية والديموقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية لكل فئات الشعب ، وتحترم حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا ، وتعمل على تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في كل المجالات وعلى جميع الأصعدة ، وتنهج سياسة اقتصادية واجتماعية وطنية وشعبية توفر الشغل وكل مقومات العيش الكريم لكافة أبناء الشعب ، وتقضي على كل مظاهر الفساد والمحسوبية والتمييز بين الجهات والمناطق ، وتعمل على إعادة كل أملاك الشعب التي استحود عليها رموز النظام السابق وتقدم كل من تورط في نهب المال العام إلى العدالة .....
إن المعالرضة السياسية الديموقراطية والتقدمية مطالبة اليوم بالتحرك السريع وألا تترك الفرصة تضيع من بين أيديها ، وذلك بفضح زبانية النظام السابق الذين يحاولون الالتفاف على الثورة واحتضان تظاهرات الشعب وتنظيمها والتوجه إلى وسائل الإعلام واستغلالها لصالحهم ولصالح الثورة وإغلاقها في وجه المتآمرين ، والعمل على تنظيم وخلق جبهة سياسية وطنية تتكون من كل الفعاليات السياسية الديموقراطية واليسارية والتقدمية والليبرالية الغير متورطة مع الحكم السابق وحزبه التجمع الدستوري ، والفعاليات النقابية والحقوقية والنسائية ومنظمات المجتمع المدني وكل الطاقات التونسية الأخرى الشريفة ، من أجل إحداث قفزة نوعية في النظام السياسي التونسي المقبل ليكون مثالا يحتدى به في الدموقراطية والوطنية والاستقلالية التامة عن التبعية السياسية والاقتصادية للإمبريالية الغربية ، ومن أجل تأسيس دولة تكون فيها السيادة للشعب ولا شيء غير الشعب
تحتة للشعب التونسي البطل ، وإنها لثورة حتى النصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تسارع وتيرة الترشح للرئاسة في إيران، انتظار لترشح الرئيس الا


.. نبض أوروبا: ما أسباب صعود اليمين المتشدد وما حظوظه في الانتخ




.. سبعة عشر مرشحا لانتخابات الرئاسة في إيران والحسم لمجلس الصيا


.. المغرب.. مظاهرة في مدينة الدار البيضاء دعما لغزة




.. مظاهرات في تل أبيب ومدن أخرى تطالب بالإطاحة بنتنياهو