الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الاستبداد الى الديمقراطية

الياس المدني

2004 / 10 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


بمزيد من التشوق قرأت دراسة الاستاذ عبد الغفار شكر (الحوار المتدن العدد 971 بتاريخ 29/9/2004 بعنوان الاحزاب العربية وثقافة حقوق الانسان). مما لاشك فيه ان الاستاذ الكريم قدم صورة واضحة واسسا وبرنامجا موضوعيا للانتقال الفعلي الى الحياة الديمقراطية التي يناضل من اجلها ملايين العرب. واعتقد ان هذه الدراسة يجب ان تكون ادبية ملزمة لكل قادة الاحزاب العربية سواءا منها المعارضة ام تلك التي تتمتع بكل سطان الحكم.
لكن رغم استمتاعي اكبير بهذه الدراسة فلي عليها بعض المأخذ وهي مقدمتها.
يبدأ الاستاذ الكريم مقالته بجملة تقريرية وهي انه (تمر الاقطار العربية بمرحلة انتقال من الاستبداد الى الديمقراطية) ثم يتفضل بتقديم شرح لمفهوم الديمقراطية والاسس التي يتم على اساسها بناء الديمقراطية وهو ما اتفق معه عليه أي (أعادة بناء الدولة على أسس جديدة تشمل تعميم مبدأ سيادة القانون وقيام دولة المؤسسات واحترام التعددية وحقوق الإنسان والحريات العامة والمساواة فى الحقوق والواجبات، وتداول السلطة من خلال انتخابات دورية حرة ونزيهة إعمالاً لمبدأ المشاركة الشعبية.. الخ).
في اعتقادي وكما اعرف التاريخ العربي الحديث والمفاهيم المتعددة للديمقراطية وتاريخ حركة التحرر العربية لم يرى التاريخ العربي الحديث فكرا ديمقراطيا حقيقيا ليتم تحويله بالتالي الى حقائق على ارض الواقع. لم تكن في التاريخ الحديث عند العرب سوى محاولات فاشلةلتطبيق مفاهيم الديمقراطية الشعبية او ما استنسخ منها. اما محاولات بناء الديمقراطية بمفهومها الغربي او اختلاق ديمقراطية تأخذ بالاعتبار الخصائص المحيطة بالمجتمع العربي فلم تخرج عن اطار النقاشات الفلسفية البيزنطية.
عند الحديث عن محاولات بناء الديمقراطية في الدول العربية اذا ما جاز الحديث اصلا فلا بد من ذكر بعض التجارب المميزة التي مرت بها بعض هذه الدول مثل ثورة الخبز التونسية. ولكن لكي اكون موضوعيا فيما اتناوله فانني سأهتم بالنتيجة النهائية لهذه الحركات رغم تعاطفي معها ومع رسالتها. اين الديمقراطية التي كانت تطالب بها فئات الجماهير؟ هل لنا ان نعطي مثالا واحدا استطاعت فيه الجماهير ان توصل الى السلطة حزب ديمقراطي؟ هل استطاع أي من الاحزاب العربية المعارضة التجواب مع مطالب الجماهير وبالتالي الوصول الى السلطة واقامة سلطة القانون؟
لم تنتج أي من التحركات الشعبية العربية نظاما ديمقراطيا ولم تفرز حركة تكون شعبية تمثل مصالح الشعب او معظم قطاعاته بل افرزت حركات كما اسماها احد المفكرين العرب احزابا شعبوية اصبحت تمثل مصالح قطاع ضيق من الشعب على حساب البقية العظمى.
ولا داع للعجب فاذا ما اخذنا بعين الاعتبار العلاقات الداخلية في الاحزاب العربية المعارضة فسنجد ان معظمها هي نسخة مصغرة عن تلك الموجودة في السلطة.
هل في هذا تجنى على دور هذه الاحزاب وقيادتها وفكرها العظيم الذي قامت به خلال سنوات طويلة من النضال تحملت خلالها مشاق التعذيب والسجن والنفي وغيره؟ قد لا اكون موضوعيا حينما احاول تعميم ما اعرفه على تجارب جميع الاحزاب السياسية العربية ولكنني اتسائل – اذا كنا نتكلم عن تداول السلطة من خلال انتخابات دورية وحرة – كم مرة قام مسؤولوا الاحزاب العربية المعارضة بالتنحي عن مناصبهم بعد ان تم انتخابهم للمرة الاولى والثانية والرابعة؟ كم من اعضاء القيادات العربية بقيت تشغل منصب عضوا في المكتب السياسي او اللجنة المركزية حتى بعد وصولها الى ما بعد عمر التقاعد. اما اذا كنا نتكلم عن حرية الرأي والتعبير اليس لنا الحق ان نسأل عن هذه الحرية داخل احزابنا وحركاتنا؟ اليس رأي الامين العام والمكتب السياسي واللجنة المركزية هي اراء صائبة وملزمة واراء القاعدة الحزبية التي لا تنصاع لذلك اراء خارجة ومرتدة ويمينية ورجعية وغيرها من الصفات التي لا تليق بمبدأ احترام رأي الاخرين؟
هنا اسأل ما الفرق بين القمع الذي تمارسه السلطات العربية بحق المعارضة وما يقوم به قادة حركة التحرر العربية من قمع بحق قواعد احزابهم؟
لهذا اتفق مع ما ورد بطرح الاستاذ الكريم عبد الغفار شكر بضرورة ترسيخ القيم التي تحكم نظرة الانسان الى المجتمع وضرورة احترام حقوق الانسان ولنبدأ بانفسنا اولا.
لكنني ايضا اظن بان الاعتقاد بوجود محاولات للانتقال من الاستبداد الى الديمقراطية في الدول العربية هو اعتقاد غير صحيح. وان هذه المحاولات هي عبارة عن محاولة لتجميل وجود بعض الانظمة العربية التي تحاول تنفيس الضغط الجماهيري من خلال السماح ببعض الحقوق الصورية. لنأخذ التجربة الاردنية الحالية:ماذا سيكون موقف جلالة الملك والطبقة الحاكمة في الاردن لو اراد البرلمان الاردني تغيير نظام الدولة (وهذا في حسب الديمقراطية حق للشعب عبر ممثليه في البرلمان) من نظام ملكي الى نظام جمهوري او على الاقل الى تقليص صلاحيات جلالة الملك بالصلاحيات التمثيلية كما هو الحال في بريطانيا او السويد؟؟
ماذا لو حصلت انتخابات حرة في مصر ووصل حزب اخر الى السلطة غير الحزب الحاكم؟ هل سيقوم سيادة الرئيس بتسليم السلطة والانتظار سبع سنوات اخرى ليرشح نفسه بالانتخابات القادمة؟
كذلك الامر في كل الدول العربية بدءا من المغرب مرورا بالجزائر وتونس ولبنان وصولا الى تجربة حكومة المهرجين الامريكيين في العراق. اريد ولو مثلا واحدا عن قيام السلطات الحاكمة باعطاء الحكم للشعب او للاحزاب المعرضة بشكل سلمي وديمقراطي (باستثناء الجنرال سوار الذهب الذي اسقط نظام النميري).
من هنا لا يمكن وصف هذه التحولات بانها تحولات ديمقراطية بل جاءت لاسباب عديدة لكن لم يكن أي منها حرص الحكومة والسلطة على مصالح الشعب ورغبتها بتطوير المجتمع ليأخذ المواطن دوره الحقيقي في حياة البلاد.
تعيش الشعوب العربية في حالة تعليق لكل حرياتها، حتى انها نست وربما لا تعرف الاجيال الجديدة انه لها حقوق وحريات. اصبحت الجماهير العربية عبارة عن رعية للحاكم وحاشيته وليست المصدر الاساسي للسلطة وصاحبتها وان الحكومة ما هي الا ممثلا لارادة الشعب. حتى ان هذه الجماهير اصبحت تخاف ان تطالب بما لها واصبح تقدم كل ما يطلب منها دون حاجة للنقاش ودون حاجة للتوضيح.
اما دور المعارضة فاصبح معدوما وذلك لاسباب عديدة، ليس اقلها ان المعارضة نفسها في علاقاتها الداخلية تعاني من الامراض ذاتها التي تسود بالمجتمع. لقد تعود العرب الانصياع لاوامر الاب في البيت ثم المدرس في المدرسة ثم المعلم او المدير في العمل ثم الحزب وقيادته ممثلا بقائد الشعب. واصبح الانصياع صفة عادية توازي في اهميتها صفة الاباء التي طالما سمعنا عنها في اشعار العرب.
لهذا كله اسمح لي يا سيدي الكريم الا اتفق مع مقولة التحول من الاستبداد الى الديمقراطية. فنحن لا ثقافة ديمقراطية لدينا سواءا كنا رعية او معارضة مغضوبا عليهم. وطالما طال غياب هذه الثقافة في احزابنا التي كنا نود ان تكون طليعية وطالما غابت عن قناعات الناس طالما بقينا رعية تحتاج الى راع بعصاه وكلابه يسير القطيع حيثما يشاء وكيفما يشاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمود ماهر يخسر التحدي ويقبل بالعقاب ????


.. لا توجد مناطق آمنة في قطاع غزة.. نزوح جديد للنازحين إلى رفح




.. ندى غندور: أوروبا الفينيقية تمثل لبنان في بينالي البندقية


.. إسرائيل تقصف شرق رفح وتغلق معبري رفح وكرم أبو سالم




.. أسعار خيالية لحضور مباراة سان جيرمان ودورتموند في حديقة الأم