الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة التونسية ، تداعيات ، نتائج وطموحات

محمد بودواهي

2011 / 1 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لقد رأى العالم كله كيف بعثرت الجماهير التونسية كل التكهنات والدراسات والاستقراءات السياسية والاجتماعية والمخابراتية التي تقوم بها مؤسسات متخصصة في رصد وتحليل ودراسة كل الحركات المجتمعية وكل التحركات التي من شأنها فرض مطالب مادية واجتماعية أو إصلاحات سياسية أو دستورية أو حتى زعزعة أركان النظام السياسي القائم أو إسقاطه
لقد كانت الدولة التونسية دولة أمنية بامتياز حيث كانت التقارير السنوية التي تصدرها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والمنظمات الحقوقية الدولية كمنظمة العفو الدولية والمنظمة العالمية لحقوق الإنسان وهيومن رايتس ووتش وصحافة بلا حدود وغيرها ، كانت تصنف تونس من الدول العربية الأولى التي تصادر الحريات وتنتهك حقوق الإنسان وتمنع الأحزاب السياسية المعارضة من التنظيم والعمل الشرعيين ، وتضيق الخناق على العمل النقابي والحقوقي والجمعوي ، وتتدخل في شؤون الصحافة والقضاء حيث كانت الصحافة كلها تقريبا تابعة للدولة وللحزب الحاكم تمجد أعمالها ولا تغطي سوى تحركات الرئيس وطاقمه الحكومي والوزاري وأنشطتهم الرسمية وسفرياتهم ، وممارسة الدعاية لما يسمى بالإنجازات الاجتماعية والتطور الاقتصادي والنهضة الحداثية التي تعرفها البلاد ، وحيث كان القضاء يتميز بتبعيته المطلقة لوزارة الداخلية ويعمل وفقا لأوامرها وتوصياتها ويستعمل كأداة لتصفية الحسابات مع المعارضين السياسيين والنقابيين والحقوقيين حيث تفبرك لهم المحاكمات وتلفق لهم التهم ليتم الزج بهم في السجون والمعتقلات
لقد كانت تونس بالنسبة للعديد من الدول الغربية والمتتبعين المتخصصين ومؤسسات الرصد السياسي الدولية بعيدة عن أن تكون دولة مؤهلة لإحداث التغيير السياسي والاجتماعي حتى ولو كان إصلاحيا ومحدودا . فلقد كانت كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية توحي بالستقرار الاجتماعي ، وبأن الوضع العام لا يعاني من أي خلل يمكن أن يساهم بهذا الحد أو ذاك في خلق احتقان شعبي وتوتر اجتماعي باستثناء تلك الانتقادات المألوفة التي كانت تخص الوضع السياسي المتشنج والسلطوية المفرطة والانحباس الحاد الناتج عن تكميم الأفواه ، والتي كثيرا ماتناولتها - إلى حد الملل - كل المنابر الإعلامية الدولية والإقليمية ، والتي ما لبث النظام المتعفن يصم آذانه لعدم سماعها ، والتي ما فتئت تنبه لخطورتها المحدقة كل المنظمات الحقوقية الدولية التي كانت تستشعر النظام بضرورة الانفتاح السياسي وعدم التهور وركوب حماقة الاستبداد والطغيان إلى مداه الأبعد ، واستصغار كل المؤشرات التي كانت تعطي إشارات واضحة لتعاظم السخط الجماهيري وتوسع دائرة الناقمين على التوجه السلطوي للحكم والذي ما فتئ يضيق الخناق أكثر فأكثر على رقبة المواطنين والهيئات
لقد رأى العالم كله كيف انهارت الدولة البوليسية في تونس في لحظات متسارعة في الوقت الذي كان فيه الجميع - بما فيها فرنسا صاحبة التيرمومتر المخابراتي الدقيق ومؤسساتها المتطورة في الرصد المجتمعي - يعتبرها في منأى عن أية أحداث أواضطرابات ذات الحجم الجماهيري الواسع والمنظم التي باستطاعتها إحداث ثورة شعبية عارمة تأتي على النظام وتهز كل أركانه من الجدور ، بل كانت كل التقديرات لا تتجاوز في رؤيتها تلك المظاهر السطحية التي يبدو عليها هدوء الشارع التونسي لمدة أكثر من 20 سنة من حكم الطاغية حيث كان أقصى ما يمكن أن يتبلور على مستوى المواقف والقرارات النضالية إضراب قطاعي معين لا يمكن أن يصل تأثيره إلى مابعد حدوده المطلبية والجغرافية كما وقع في إضراب الحوض المنجمي الذي سرعان ماتم الالتفاف عليه ، أو حتى بعض التململات الاحتجاجية لمجموعة صغيرة من الشباب المندفعين المتحمسين الذين غالبا ما كانت مطالبهم لا تتعدى سقف المطالب البسيطة المتعلقة بنظافة المجال ومسائلة رئيس بلدية معين أو حتى برحيل مسؤول أمني تجاوز حدود اللباقة في التعامل مع وقفة أو اعتصام احتجاجي بسيط
لقد كان الهدوء هو السمة المألوفة في الوضع التونسي العام إلى أن جاء التسونامي المدمر فانفجر دفعة واحدة محدثا عدة هزات اجتماعية انطلقت أولها في مدينة سيدي بوزيد الصغيرة بعد أن أقدم الشاب العاطل البوعزيزي على إحراق نفسه احتجاجا على البطالة المقتعة التي كان يكتفي بها للحصول على رزق يعيل به عائلته والتي لم تكن السلطة قابلة حتى على ضمانه كحد أدنى وكمصدرعيش بسيط ، مما جعل المدينة الصغيرة تتنتفض في احتجاجات عارمة سرعان ما انتقلت إلى المدن المجاورة لتعمم بعد ذلك على كل تونس ولتشتعل الثورة كما تشتعل النار في الهشيم ، ولتطيح في آخر المطاف برأس هرم النظام وهروبه إلى السعودية بعد أن رفضته مالطا وفرنسا الحليفة
فرنسا ومعها كل العالم تفاجأوا بالخطوات المتسارعة التي عرفتها الأحداث والتي لم تنفع معها كل المسكنات التي كان يقدمها الرئيس الديكتاتوري المخلوع لتهدئة الأوضاع وامتصاص الغضب المتصاعد في الشارع والتي انتهت بالرحيل المفاجئ والانسحاب النهائي من الحياة السياسية التونسية ومن حياة التونسيين الذين عانوا الأمرين من نظامه الديكتاتوري الفاشستي تاركا وراءه منظومة سلطوية متكاملة تتوزع بين أجهزة بوليسية ومخابراتية نشطة ، ومؤسسة تشريعية فاسدة ومتعفنة متحفظة مما يجري ، ورجال دولة متمرسين على نهج الديماغوجية السياسية وأساليب المناورة والتحايل متشبتين بزمام السلطة ومصممين العزم على تقزيم الثورة وتصريف الأزمة المجتمعية بأقل قدر من التنازلات وتقطيرها قطرة قطرة متعمدين الإطالة والتمييع و اجترار الأزمة وتقديم أرباع وأنصاف الحلول في انتظار تكسير الزخم الثوري للشارع وإصابته بالعياء والملل وبالتالي الانسحاب شيئا فشيئا إلى أن يندثر ، مستغلين في ذلك غياب البديل السياسي الناضج وشتات أحزاب المعارضة اليسارية وعدم أهليتها في التقاط الحدث في وقته المناسب وتدبيره التدبير الصحيح لانتشال الشعب من دوامة الخوف عن مستقبل الثورة ومصيرها المجهول وطمأنته عليها وعلى أنها وصلت إلى الهدف المنشود وبالتالي لا خوف عليها ولا هم يحزنون
إن ما يمكن أن يطمئن الشعب التونسي عن مصير ثورته المجيدة هو العمل من قبل كل القوى الحية التونسية ذات الماضي النظيف على تشكيل حكومة وطنية مؤقتة لا وجود فيها لرجالات النظام السابق ، تشرف على تنظيم انتخابات شفافة حرة ونزيهة ينبثق من صلبها مجلس تأسيسي يعمل على سن دستور جديد يوفر كل الضمانات لتأسيس جمهورية شعبية ديموقراطية تكرس سيادة الشعب وتضمن فعليا قيم الديموقراطية والحرية والكرامة لكل المواطنين وتحترم حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا ، وتوفر الشغل والعدالة الاجتماعية وكل مقومات الحياة الكريمة لكافة شرائح المجتمع وتنهج سياسة اقتصادية واجتماعية شعبية ووطنية غير تابعة للدوائر الامبريالية الغربية ، وتقضي على كل مظاهر الرشوة والغش والمحسوبية والفساد ولا تميز بين الجهات والمناطق المختلفة للبلاد وتعمل على تنمية كل المنطق الهشة التي كانت مقصية في المرحلة السابقة ، وتعمل على انتزاع كل ما تم نهبه من أملاك الشعب والمال العام من طرف مافيا النظام البائد وتقديم كل المتورطين إلى العدالة
وإنها لثورة مستمرة حتى النصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتماع مصري إسرائيلي أميركي مرتقب بشأن إعادة فتح معبر رفح| #


.. المتحدث باسم الخارجية الأميركية لسكاي نيوز عربية: الكرة الآن




.. رئيس مجلس النواب الأميركي يعلن أن نتنياهو سيلقي كلمة أمام ال


.. أربعة عشر متنافسا للوصرل إلى كرسي الرئاسة الإيرانية| #غرفة_ا




.. روسيا تواصل تقدمها على جبهة خاركيف وقد فقدت أوكرانيا أكثر من