الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرور العقد الأول من منفاي الإختياري بعيدا عن مغرب الديكتاتور.

علي لهروشي
كاتب

(Ali Lahrouchi)

2011 / 1 / 22
سيرة ذاتية


يحل اليوم الرابع و العشرون من شهر ينايرالحالي 2011 تكتمل فيه عشر سنوات ، أي عقد من الزمان لم تطأ فيه قدمي أرضية المغرب لأنني حملت شعار " لا للملكية و لأعوانها و لخدامها " وهو شعار ما فتئ يطاردني مند طفولتي ، منذ أن كان أبي الأمازيغي المتواضع يطلب مني أن استمع لخطاب الديكتاتور الحسن الثاني المحترق بأقوى النيران في آخرته ، لما أسداه من معاصي في دنياه ، وما ألحقه من سوء وضرر للأبرياء من الشعب المغربي ، كنت أجلس إلى جانب أبي و بيننا المذياع ، الذي كان يلتقط إذاعات الجزائر و البوليزاريو أفضل مما كان يلتقط إذاعة الرباط الحقيرة ، لأن القرية الجبلية التي نسكنها و الغارقة وسط الجبال المتواجدة بأخر خشبة هاتفية ، نحو الجنوب الشرقي ، وكل من يعرف - بوذيب - مكان ولادة الجينرال - أفقير- المغتال برصاص الحسن الثاني زعيم القبيلة العلوية ، أو منطقة – كراندوا - مقر عمالة العامل الأمازيغي الرافض للملكية - عدي أوبيهي أيت ارهو – المغتال هو كذالك على أيدي نفس المجرم ، ومن يعرف كذلك منطقة - تازمامارت – وسجنها السري الرهيب الذي بناه الإرهابي الديكتاتور الحاكم ، سيعرف بالأكيد أتجاه قريتي - تولال - التي أحببتها كلما كرهتني القبيلة العلوية وأتباعها وخدامها من الجواسيس ، و العملاء و المخبرين ... كنت استمع بمرارة للمذياع تلبية لرغبة أبي ، الذي ينتزع مني لحظة من طفولتي لما يحرمني من مواصلة اللعب مع باقي أصدقائي من الأطفال ، لأنه يريد معرفة مضامين الخطاب الملكي ، ولابد علي أن أترجم له ذلك ، لأنه أمازيغي لا يعرف أن يتكلم حتى بالدارج المغربي فكيف له أن يعرف تلك اللغة العربية ، التي كان الطاغوت يستعملها في كل خطاباته الرنانة ، و الذي كان يقول أنه يخاطب بها الشعب المغربي بدءا بجملته المكروهة – شعبي العزيز – ومما يزيد الطين بلة أنه كان يتوجه إلى الشعب بملاينه مستعملا ضمير المخاطب – أنت يا شعبي العزيز– فيما كان يوجه ضمير الجمع لنفسه – نحن- مثلا :" نحن نأمر وأنت شعبي العزيز تنفد أمرنا الذي لا يناقش ". كنت أستمع لخطابه الموجه في الواقع ضمنيا للعالم الخارجي و ليس للشعب المغربي ، لأن الأغلبية من الشعب لا تفهم لغته ، ولما ينتهي الديكتاتور من خطابه ، يسألني أبي سؤاله البريء : ماذا قال ؟ فأرد عليه إنني في الواقع لم أفهم شيئا من قوله. حينها يشتد غضبه و يصرخ في وجهي مرددا بالأمازيغية : أردت أن أعرف فقط هل خفض هذا الحمار – أغيول - من ثمن الزيت و الدقيق والسكر أم لا ، وهذه كلمات عليك أن تعرفها ، و أن تفهمها ، و إلا لماذا بعثتك للمدرسة اسرف عليك من عرق جبيني كي تتعلم ؟ ماذا تتعلمون هناك إن كنت لا تفهم قوله ؟ . حينها يشتد حزني لأنني لا أتقبل صراخ أبي من جهة ، ولست سوى طفلا يدرس في القسم الإبتدائي ، لأزال وقتها لا أفرق حتى بين أمازيغيتي ، وعربيتي في النطق و الاستعمال من جهة أخرى .
كما أنني لا ولن أنسى عندما كان لابد على كل ساكنة المنطقة التقدم بطلب شفوي لذا قائد المنطقة للحصول على وصل لشراء كيس من الدقيق ، في حالة رغبة أحدهم في ذلك ، لأنه لم يكن يسمح للفرد أن يشتري أكثر من كيس واحد لكل الأسرة ، لقلة أكياس الدقيق لذا الباعة من مالكي الدكاكين بالقرية النموذاجية المجاورة ، فكان لا بد من الحصول على هذا الوصل لذى قائد المنطقة المتواجد مقره بقرية - كرامة – وبما أن هذه القرية تحتضن كل يوم الإثنين سوقها الأسبوعي فإن الحصول على وصل شراء كيس واحد من الدقيق العادي ، و ليس الممتاز يتطلب الوقوف في طابور طويل أمام تلك القيادة ، وقد يتطلب ذلك الإنتظار لساعات طوال ، وفي مثل هذه الحالات يطلق القائد أفراد من القوات المساعدة له لتنظيم تلك الصفوف ، وتجنب الإزدحام والفوضى ، لكن ذلك يعد فرصة للقائد و أعوانه لتوزيع الأرقام ، وتنفيذ طلبات السكان عبر الرشوة و المحسوبية ، والزبونية ، و الغريب أن المصطفين من السكان أمام مقر القيادة ، لم يأتوا ليتسلموا ذلك الكيس من الدقيق بالمجان ، عبر طريق المساعدة الاجتماعية أو غير ذلك ، حتى تعاملهم السلطة بتلك الطريقة القاسية ، بل هم هناك لشراء الدقيق وتسديد ثمنه من عرق جبينهم ، وهذه المعاملات لم تكن في منتصف الثمانينات أنذاك متواجدة حتى بالمجتمعات الإفريقية التي هلكها الجفاف ، وعرفت سنوات عجاف ، لكن مع مرور الوقت و الزمان سنعلم أن الأمر هو مجرد تلقين الدروس من قبل الديكتاتور لأبناء المنطقة ، وترويضهم ، ومعاقبتهم معاقبة جماعية ، حيث كانوا يحبون – عدي أبيهي أيت أرهو- أكثر مما يحبون الملك وحاشيته الدخيلة على المغرب و المغاربة . المهم وقع الإندفاع بين المصطفين بباب مقر القيادة ، وبدأت أفراد القوات المساعدة تضرب الواقفين كالخرفان ، مما جعل أبي بكل ما يحمله بدواخله من رفض للظلم والقهر و الأستعباد ، والطغيان ينتفض ويمسك بعنق أحد من أفراد تلك القوات القمعية ، فتشاجرا بعنف ، مما جعل أفرادأ أخرين من القوات المساعدة يتضامنون مع زميلهم فانهالوا على أبي ضربا ، ورفسا ، فأمسكوا به ، وبقيت أصرخ ، فلم يجدوا أمام صراخي سوى الرمي بي و أنا طفل صغيرإلى جانب إبي بالزنزانة ، لا أتذكر سوى ما بقي مرسوما أمام عيناي من تلك الواقعة ، حين أغلق باب الزنزانة علينا لنجد أنفسنا في ظلام دامس ، كان أبي يلهث هائجا كالأسد ، ولم أكن بجانبه سوى شبلا لم يدري حقيقة الأمر بعد ، وما أصعب أن يرى الطفل أحد من أبأئه وهو يتعرض للإعتداء ، والإهانة من أجل لاشيء ، حيث يشكل الأب أو الأم في صورة الطفل رمزا من الرموز التي لا ُتقهر ، حيث تجسد في عقليته القوة و الشموخ ، و بذلك لا يمكن للطفل أن يتقبل بسهولة إنهيار هذا الشموخ ، أمام قوة وجبروت المعتدي ..
كنا أطفالا ثلاثة نبكي من جراء سماعنا خبر إجبار أبي للذهاب إلى المسيرة الخضراء بالقوة ، كما أجبرت ساكنة القرية بذلك جميعا ، ولم ُيسمح سوى لفرد واحد من كل العائلة للبقاء بالقرية لرعاية ما تبقى من الأطفال و البهائم ، كانت اللحظة جد مؤلمة و سكان القرية غاضبون مفجعون بالخبر ، و الأمر الذي نزل عليهم كالصاعقة ، وخاصة نحن الأطفال الإخوة الثلاثة ، لما كانت والدتي تتعرض للألم ، و التوجع كل يوم وليلة من جراء الحمل ، مما جعل شيخ القبيلة يغض الطرف عن أبي مخاطرا في ذلك بنفسه ، وبعائلته ، لما حذف إسمه من لائحة المضطرين للذهاب لتلك المسيرة الملعونة بقوة السلطة وجبروتها ، لم يكن الذاهبون راضيون عن تلك المسيرة لما لذيهم من إلتزامات عائلية ، ولكنهم ذهبوا رغما عن أنوفهم ، و قلوبهم يعمها الرفض و الغضب عن الوضع ، ذلك الوضع الذي جعلهم مجرد أقنان وعبيد في يد الديكتاتورية العلوية التي لا ترحم ، وحتى يومنا هذا فكل من يقول بأن تلك المسيرة الحمراء ، وليس الخضراء كانت تطوعية وطواعية من الشعب ، تلبية منه لنداء الديكتاتور الطاغية ، فإنه بذلك إما كونه يجهل الحقائق ، وإما أنه يروج لنفس أكاذيب الطاغوت ومن يدور في فلكه ، لأن الديكتاتور لا ينادي بل يأمر.
لم تمر أيام عديدة حتى توفيت والدتي في سنها الذي لم يتجاوز الأربعين سنة بعد ، لأن القرية بحكم اقترابها من أعداء الدكتاتور المشار إليهم سابقا ، فإنها حرمت بذلك من كل شيء ، فهي لا تتوفر لا على وسائل النقل سوى يومي الأحد و الإثنين حيث السوق الأسبوعي ، المتواجد على بعد إثنى عشر كلومترا من القرية ، كما لا تتوفر على مستوصف ، ولا عن الماء الصالح للشرب ، ناهيك عن إجبار رجالها بالقوة للمشاركة في تلك المسيرة ، حينها ماتت أمي ولم يواري جسمها بالتراب إلا عدد قليل من الرجال ممن فضلوا أن تنوب عنهم زوجاتهم في الذهاب ظلما وعدوانا لتلك المسيرة ، التي لم تكن في الواقع من أجل استرجاع الأرض الصحراوية كما روج الإعلام المسخر لذلك ، بل كان الغرض منها إظهار الديكتاتور للعالم وكأنه محبوب من قبل الشعب المغربي الذي لبي ندائه ، خاصة و أنه لايزال في مواجهة مسلحة ، ورفض سياسي مع ما تبقى من الوطنيين المخلصين من المقاومة وجيش التحرير ، وبذلك كانت تلك المسيرة مجرد تصفيات حسابات ، حين تمكن الطاغي من جمعه أخر سلاح من أخر مقاوم ، فكان الشعب هو الخاسرالأول و الأخير من ذلك السيناريو الخبيث ...
لقد فرض علينا العرف و العادات و التقاليد العمياء ، التي انتشرت صحبة الدين ، والعقيدة ، أن ننادي كل من يدعي أنه ينتسب لمافيا الشرفاء ، بإسم ثلاثي أورباعي يبدأ ب – سيدي – أو – مولاي - إن كان ذكرا ، و – لالا - إن كان أنثى ، علما بأن الشرفاء كانوا يأتون للبادية بانتظام ليأخدوا حصة من جميع أنواع محاصيل القرية لذى كل السكان ، رغم أنهم لا يملكون و لا يمتلكون شبرا واحدا من أرض تلك القرية ، كما أنهم لم يتعبوا من أجل حصولهم على تلك المحاصيل ، لكن استغلالهم لسذاجة الأمازيغ جعلتهم يصنعون أكاذيب لممارسة نهبهم المنظم عن طريق الاحتيال ، والكذب ونسجهم لحكايات خرافية ، مفادها أنهم في حالة عدم تسلمهم لتلك الحصص من محصول القرية ، ستجف بذلك العين المائية التي تسقي القرية بأرضها ، وإنسها و حيواناتها من دواجن ودواب وبهائم ، وكلاب وقطط ، حيث ان المغزى من ذلك هو في حالة غضب أولئك الشرفاء فستكون تلك هي نهاية القرية ، ودمارها الأبدي بالكامل ، وفناءها عطشا وجوعا ، بالرغم من كون أولئك الشرفاء مدمنين عن تعاطهم للمخدرات ، باستهلاكهم لمادة القنب الهندي المعروف لذا المغاربة بمادة " الكيف و الحشيش " ، وهم من كان يهيمن على وسائل النقل بين القرية ومحيطها ، عبر شاحناتهم الصغيرة المنهارة ، التي لا يتوفر فيها أي شرط من شروط النقل ، كما ليس لها تأمين ، وأحيانا تسير بدون فراميل ، لكن الطريق تظل مفتوحة أمامهم من قبل كل السلطات ، ماداموا ممن يعتبر الأمازيغ مجرد أكباش وأغنام ، حين يتم النظر إليهم من قبل أولئك الشرفاء و العاملين بجل مؤسسات الديكتاتور، وفق الملبس ، والرنة اللسنية ، والمنطقة السكنية ، والمظهر الفيزيولوجي ، و الأصل و النسب ، و المكانة الإجتماعية قبل أي تعامل معهم أو معاملة لهم ، وتلك هي العنصرية والميز و التمييز الذي يتعرض له المغاربة الأصليين ...
كان كل شيء يصنع بالقرية حيث تصنع الإنتخابات كلما حل وقتها ، ويتم أحيانا التصويت من قبل السلطة نيابة عن السكان ، لأن تلك السلطة قد تعاقدت مع الحماية الفرنسية بالإحتفاظ على أعوانها وعملاءها أعضاءا بما يسمى بالبرلمان حتى إلى ما لا نهاية ، وهو ما تنفذه السلطات حتى يومنا هذا ، حق التنفيذ ، حيث ينوب عن القرية شخص من عائلة تلقب ب – زدكي – ظل أبوه عضوا بالبرلمان إلى حيث توفي ليرث أبنه مكانه ، وهكذا إلى ما لا نهاية ، وهو ما يقع بمختلف المناطق المغربية ، لأن توزيع المناصب البرلمانية من قبل القبيلة العلوية على كل من ترى فيه تهديدا لتواجدها ، ولمصالحها هي طريقة سياسية لإسكات الجميع ، من خلال توزيع الثروات ، والإغراءات التي تقدمها للبعض ضد الأخر، وخاصة لمثل هؤلاء الأعضاء ، الذين يمارسون القمع ، والنهب للقضاء على كل صوت يعلو من بين القبائل ، التي كانت تؤخد بأسرها كالأغنام من قبل السلطة ، مجبرة لقطع مسافة مائة وعشرون كيلومترا على مثن الشاحنات متجهة نحو – الراشدية - للمكوث بالخيام لمدة قد تصل أحيانا خمسة عشر يوما في انتظارها لزيارة الديكتاتور للمنطقة ، الذي يمر في رمشة عين كالبرق ، ومع ذلك يروج الإعلام المسخر ، أن الراعية خرجت جميعا لملاقة الراعي ، ولا أحد يجرأ لقول الحقيقة ، إذ أن الراعية أجبرت بالقوة لاستقبال الذئب وليس الراعي ، لقد أخذ من تلك القبائل كل شيء ، عزها وكرامتها ، وشرفها ، وصولا حتى جلود أضحيات أعيادها ، وثرواتها ، ومالها عبر مطالبتها بين كل حين ولحظة بدفعها لمبلغ مالي لتنظيم حفل من حفلات ما يسمى بالأعياد الوطنية ، وكم كانت تلك القبائل تكره قدوم عيد العرش ، أو إعلان زيارة الديكتاتورللإقليم ، لأن ذلك سيكلفها الكثير ، كما كلفها بناء مسجد الدار البيضاء مبالغا مالية باهضة ، مسجد سمي بإسم الديكتاتور – مسجد الحسن الثاني - عوض أن يسمى بإسم الشعب – مسجد الشعب – لأن أموال الشعب قد نهبت من أجل بنائه ، وأملي أن ينهارحكم القبيلة العلوية عاجلا حتى نغير كل الأشياء ، والمعالم التي تحمل أسمائهم ، ونلقي بها في مزبلة التاريخ ، ونبني وطننا المغرب الحبيب ، بحرية ، وعدل ومساوات ، وديمقراطية ، وحقوق ، وواجبات ، لا غالب ولا مغلوب فيه ، ونترك الكلمة الأخيرة للشعب لاختيار من سيتولى أمره ، ويسير شؤونه.
لقد فرضت علي الظروف أن أغادر تلك القرية مبكرا متوجها نحو مدينة - مكناس - لأعيش في جو أخر ، بين أناس أخرين ، حيث تتعدد الأحلام و الطموحات ، وتتجدد الحوارات ، والنقاشات ، وتختلف المواضيع والجدالات ، حيث الصدق والنفاق ، و المجاملات ، الخوف و الشجاعة ، والجد والهزل ، وكلها أحوال المدينة ، لكن مواضيعها تطور معرفة الشخص في عالم طلابي يغمره الفقر و العوز ، ويطغى عليه الحب و الأمل . كنت من بين الرافضين للأحزاب و المتحزبين ، عملا بمقولة " كل من تحزب خان " رغم أن أخي وقتها كان طالبا عضوا بمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي المحسوبة على اليسار ، فحدث أن تم إعتقاله في صبيحة ، لما داهم البوليس القمعي مسكننا وتم اختطافه ، تم الحكم عليه مع مجموعة من الطلبة بسرعة بثلاث سنوات سجنا نافذة ، لتخويف الطلبة ، و اخماد حركتهم ، وفك عصيانهم ، و توقيف مقاطعاتهم للدروس و الامتحانات ، قلت ماذا حدث ؟ المنتمون للأحزاب و للمنظمات و للجمعيات الشرعية لا يعتقلون فكيف أعتقل أخي ؟ والبحث عن الجواب عن سؤالي هذا هو الذي جعلني أنتمي بدوري لتلك المنظمة ، بعدما تبين لي أنني في المكان الذي لابد لي من التواجد فيه ، للعمل مع الرفاق في مواجهة الكفاح لفضح ممارسات الطاغي . بعد مدة طويلة راكمت فيها معرفتي السياسية و النقابية والجمعوية ، و الإعلامية ، ونظمت فيها ثقافتي ، وأحسنت فيها لغتي ، وقدمت ما استطعت تقديمة ، وكل من كان يطلع على صفحات جريدة أنوال قبل أن يتم حضرها من قبل الديكتاتور ، وبعدها جريدة الأنوار ، ثم جريدة بيان اليوم - العربي - ، وجريدة الأحداث المغربية ، وتواجدي كعضو بهيئة تحرير جريدة مكناس إكسبريس ، وعضو بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان ، قد أوصلني فيما بعد إلى حقيقة مفادها ، أن أحد من رفاق أخي من نفس المنظمة هو الذي أوشى به ، كاشفا للبوليس القمعي عن تحركاته ومكان سكنه ، حيث تم اعتقاله ..
إن كل ُمطلع على مقالاتي سيعرف لامحالة أنني سائر على خط ثوري لا رجعة فيه ولا منه ، أحمل نعشي فوق كتفي ، ولا يخيفني ، أو يرهبني أحد لا بالأمس و لا باليوم ، لأن المغربي الحر لايخشى الطغاة ، رغم ما تعرضت له من تضيق ، ومضايقات واستنطاق ، واختطاف ، ومنعي من حضور بعض المحاكمات الصورية ، أو من زيارتي لبعض المعتقلين السياسين بسجن سيدهم سعيد بمكناس من قبل أعوان الديكتاتور ، والجرائد المذكورة شاهدة على ذلك ، أربعة عشر سنة قضيتها بمدينة مكناس بين حي الزيتون ، والباستين وحمرية بزنقة الاسكندرية شارع علال ابن عبد الله رقم 9 ، مدينة ودعتها بحصولي على جائزة بروايتي " الحب و العاصفة " من 152 صفحة من الحجم المتوسط ، بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بجامعة مولاهم أسماعيل ، ثم بأخر حوار لي مع جريدة الأحداث المغربية ليوم الخميس 7 رجب 1421 ه الموافق 5 أكتوبر 2000 العدد 625 بالصفحة الأخيرة تحت عنوان " نبدع او لا نبدع ...فلا أذان تصغي إلينا .. ولا وزارة تلتفت إلى عطاءاتنا " . تشتت شمل منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، و تم حضر جريدتها أنوال ، انشق التنظيم إلى مجموعتين واحدة أنتهازية ترامت بين أحضان الديكتاتور استجابة منها لندائه لقولها – نعم – للدستور الممنوح ، وبين مجموعة ظلت متشبتة بمطالبها الإصلاحية إلى حين تم تذويبها بصفوف الحزب الأشتراكي الموحد ، فيما أقتنع البعض من أعضائها مثلي بعدم جدوى العمل الحزبي الشرعي في ظل حكم الطاغية ، ولإقتناع بتأهيل المناضلين الأحرار للتفكير في إعلان الكفاح المسلح . لكن كيف ، و أين ، ومتى ؟؟؟
لقد عادت بي الذاكرة إلى سنوات التسعينات عندما برز الخلاف السياسي و التنظيمي الذي وصل حد إنشقاق منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، وكان السبب في ذلك هو اختلاف وجهة نظر الرفاق بين ما هو سياسي وما هو تنظيمي وإعلامي ، ومالي وهو ما أنتج خلافا حادا حول تسيير ميزانية المنظمة وجريدة أنوال ، والحق أن الخلاف الحقيقي كان قد انفجر حول رغبة المنشقيين في التصويت بنعم على الدستور الممنوح من قبل الحسن الثاني في مطلع التسعينات للشعب المغربي ، حيث فرض عليه أن يقول نعم في مهزلة إسمها الاستفتاء ، فاحتد الصراع بين تيارين داخل المنظمة ، تيار مناضل يقوده المناضل ابراهيم ياسين وعبد السلام الموذن ، وتيار انتهازي وصولي يتزعمه كل من الحبيب الطالب و عيسى الورديغي وعبد الله الساعف ، وطالع السعود الأطلسى ، وعبد الواحد بن الكبير و أخرون من الأتباع ، ففي ما أن التيار الثوري يضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار ، فإن التيار الانتهازي يعتبر المصلحة الخاصة و الفردية هي كل شيء ، و على هذه القاعدة نظر - الحبيب الطالب - لفكرة تواجد التيارات داخل منظمة العمل ، و قد دافع عن فكرته وصولا بها حتى الانشقاق ، بعدما تلقوا وعدا من ادريس البصري صديق الساعف بتحقيق أهدافهم شرط تقسيم المنظمة ، و بالفعل تم استوزار الساعف و ادخال الحبيب الطالب كعضو بما سمي بالمجلس الوطني لحقوق الانسان ، فأصبح بذلك يحصل على أجرة لا يستحقها، وعلى سكن رائع بعدما كان لا يقتات في البداية سوى بما تفضلت عليه منظمة العمل وجريدتها أنوال ، و قد ساهم هذا التيار في التستر على اغتيال المناضل عبد السلام الموذن ، وخربوا ممتلكات جريدة أنوال ، واحتلوا مقر منظمة العمل بكل من مدن الرباط ، و فاس ومراكش معلنين عن تأسيسهم لما يسمى بالحزب الاشتراكي الديمقراطي ، وكانوا ينعتون الباقون على خط منظمة العمل المنشقة بمجرد الجياع ، فيما أنهم الجياع الحقيقيون ، و الانتهازيون الجدد . لقد انهار حزبهم بدوره ، ورمت بهم الأمواج العاتية لبحر السياسة كي يلجوا بوابة الاتحاد الاشتراكي ، كمجموعة خطيرة على العمل السياسي ، وعلى المجتمع برمته . فلن أطيل عليكم لأن الحديث في هذا المجال طويل للغاية وعلى ما تبقى من الاتحاديين أن يحتاطوا من هؤلاء أشد الاحتياط ، وهذه نصيحتي المتواضعة لهم ، وتحية لكل صامد على درب النضال ، ولكل رافض لما يتم التخطيط له في رحاب قصر الديكتاتور من قبل العميل الحقير المسمى - الهمة – ومن يركض وراءه كالدميات ممن باعوا كلمتهم ، وشرفهم ، وتريخهم النضالي من أجل مناصب ، و وظائف أنعم عليهم بها سيدهم - الهمة - وه يوزع عليهم الأموال التي ينهبها بمختلف الطرق ، وبشتى السبل من الميزانية العامة لشراء ذممهم و ضمائرهم ...
لقد قررت الهجرة و الرحيل بعدما سافرت سفري الأخير نحو هولندا بلا رجعة ، إلا إذا تم القضاء على حكم الديكتاتور وتنظيف المغرب من منابع فساده ، أو على الأقل أن ينتزع المغاربة من الرافضين مثلي لحكم القبيلة العلوية حقهم في ممارسة حرية التعبير عن إعلانهم رفضهم لهذا الحكم ، ويتم ذلك في مناقشة علانية عبر كل الأبواق الإعلامية بالمغرب ، بمعنى أخر بلوغ المغرب درجة في الوعي و الحرية ، كما هو الشأن في الدول الغربية حيث تتم لقاءات ، ونقاشات وجدالات في الندوات الإعلامية و الحزبية بين كل من هو ضد الحكم الملكي ، و بين من يؤيده ، دون أن تمس شعرة واحدة من المعبرين عن رفضهم للحكم الملكي ، وتلك هي المعارضة و اليسار الحقيقي ، أما الاستطلاعات التي يتم الترويج لها بالمغرب والتي تعطي نتائج تتجاوز 91 في المأئة ممن يحبون الملكية ، فإنها كلها استطلاعات كاذبة باطلة ، لا يجب الاعتماد على نتائجها ، لأن الاستطلاع لا يشمل سوى من يخاف من الملكية أو من يخاف من أسئلة الاستطلاع نفسه ، لأن المغاربة ليسوا في مستوى مثل هذه الاستطلاعات بعد ، لما ألحقهم من ظلم وقمع وعدوان من قبل تلك الملكية ، فهم كشعب رومانيا في عهد الديكتاتور - اتشاوسيسكو - الذي زرع كل أشكال التنصت و التجسس داخل كل عائلة ، و مركز وحي ، وتجمع ، ولا أعتقد أن هناك من الطلاب ، والمنتمين للأحزاب المحسوبة على اليسار ، ومن الفلاحين الفقراء ، ومن أبناء أحياء الصفيح والقصدير ، ومن بين الأمازيغ غير الإقطاعيين ممن يحب أو سيحب الملكية الديكتاتورية بالمغرب ، ولكن لا أحد يجرأ على قول الحقيقة . والدليل على أن الشعب لا يأتي تلقائيا من نفسه لاستقبال الملك ، بل يأتي بالقوة عبر الإنزال ، و حشد و تهديد التلاميد بالمدارس ، والعمال بالمعامل ، والصناع بالمصانع في حالة عدم حضورهم الجماعي لذلك الاستقبال ، ناهيك عن تحريك كل الشيوخ والجواسيس والعملاء ، والعريفات ، وكل المستفدين من الفساد الذي أحدثته تلك القبيلة العلوية بالمغرب ....
لقد نشرت أكثر من ستين مقالا بجريدة القدس العربي الصادرة من لندن وأنا بالمهجر ، مما أغضب الطغاة بالمغرب حيث هددوا تلك الجريدة بمنعها من المغرب وعدم السماح لها بفتح مكتب لها هناك إن استمرت في نشرها مقالاتي خاصة مقالي تحت عنوان " لقد حان وقت الحساب " تعليقا مني حول أحداث الإنفجارات الغامضة التي حدثت بالدار البيضاء ، ثم رسالتي التضامنية عبر نفس الجريدة الموجهة للمعتقل الصحافي – علي المرابط – وهما المقالين اللذان أفاضا كأس غضب الطغاة ، فكان على جريدة القدس العربي أن تختار بين نشرها مقالاتي أو أحتفاظها للعلاقات التي تجمع بينها وبين المغرب ، وبالضرورة فإن تلك العلاقات التجارية والإعلامية أفضل من قلمي المسموم حسب رأي البعض ، فصارت بذلك جريدة القدس لا تنشر سوى مقالاتي التي تتناول الشأن العربي ، وهو ما جعلني أتحول إلى كل من عرب تايمز بعدما اكتشفتها كموقع إعلامي لا يخشى أحد ، ثم نشر مقالاتي بجرائد ومواقع أخرى بكل من لبنان وسوريا ، والعراق ، ومصر والجزائر ، وفلسطين ... كما حاصلت على جائزة بهولندة في القصة القصيرة تحت عنوان " حرقة الإنتظار " سنة 2003 و جائزة أخرى في القصة القصيرة أيضا تحت عنوان " الوجه الثاني لمحمد " وأنا على وشك وضعي اللمسات الأخيرة من تأليف كتاب تحت عنوان " الطريق إلى الجمهورية الديمقراطية المغربية " وهذا هو المشعل النضالي الذي أحمله ، كغيري ممن يحلمون بمغرب الغذ ، مغرب جمهوري ديمقراطي عادل شعاره الحرية و الأخوة ، و الصدق ، و المساواة...
المغرب عبارة عن جزيرتين ، متناقضتين على جميع المستويات ، جزيرة الفقراء حيث عامة الشعب ، التي لا تخلوا من وجود لصوص صغار هدفهم ضمان العيش ، واستمرارية البقاء في الحياة ، وقد لا يعتبر هؤلاء لصوصا ، وفق منطق - يحق للجائع أن يسرق كي يعيش - خاصة إذا سُدت كل الأبواب أمامه وطاله الحصار من كل الواجهات ... ثم جزيرة الأغنياء حيث يمكث اللصوص الكبار و المحترفين ، الذين يستحقون من الموت منطق الواقع ، لأنهم يملكون كل شيء ، ومع ذلك يخيم الجشع على عقولهم المريضة ، الذي يدفع بهم لممارسة الظلم ، و العدوان على سائرالأبرياء بجزيرة الفقراء ، فالظالمون ما أكثرهم ، وعلى رأسهم حامي حمى الملة و الدين ، أمير المؤمنين ، فلم يكن غرضي هو السب و القدف ، أو تلفيق التهم المجانية بأحد ، وإنما قول الحق كل الحق ، ولو في وجه حاكم جائر ، لأنني خلقت لأرفض الجور و الظلم ، وأن أدلي برأيي حتى ضد خالقي فكيف أخشى شخصا ، لا يستحق مواصفات البشر ، ومع ذلك حوله الزمان ، والمتملقون ، والقوادون ، والأشرار إلى مكانة ملك يعبدونه ، فقد يتجرؤون على نقدهم للذات الإلاهية أو للرسول تبجحا بالفلسفة وعلمها ، لكنهم يخشون السياسة ولا يتجرؤون لإنتقادهم للملك الطاغي ...
لم تكن هذه الواقائع هي الوحيدة التي جعلتني أقتنغ ، و أفكر طوال السنوات التي قضيتها من حياتي بأن حرية الشعب المغربي و تقدمه وانعتاقه لا يمكن أن يحدث إلا بالقضاء على الديكتاتورية ، بل إن ما رأيته ولمسته من كل الأساليب إللانسانية التي يتعرض لها المغاربة كالعبودية والاستعباد ، و الميزالعنصري ، و التمييز ، والظلم والاحتقار ، و التهميش ، والحرمان ، و الرشوة ، والفساد التي أنتج البطالة و التجويع و الطغيان ... هي التي جعلتني بكل تواضع أستخلص أن والقضاء على كل هذه الأمراض التي أصابت المغرب ، يستدعي القضاء على من نشرها ، والكل يعلم أن القبيلة العلوية هي التي تعمدت إلى نشر هذه الأمراض كظواهر فتاكة للمجتمع ، و لأجماع الشعب المغربي حول رفضها ، والعمل على تحطيم نفسية المغاربة بنشر الفساد الأخلاقي و السياسي و الإداري ، و ترويج المخدرات ، لخلق فقدان الثقة بين الشعب من منطقة لأخرى ، ومن مدينة أو قرية لأخرى ، و العمل على غسل عقول المغاربة عبر صناعة الإعلام المسخر الفاسد ، و الأحزاب و المنظمات و الجمعيات و النقابات المتملقة ، لإشعار الجميع بأن الملكية هي الضامنة لعيش المغاربة ولأستقرارهم ، فبدونها لن يكون هناك خبز ولا ماء ، ولا زيت و لا شاي و لا سكر، كما يروج عملائها وأبواقها لذلك ، بل كون المغرب في غيابها عن الحكم سيتعرض لمواجهات ولصراعات قبلية لا تنتهي ، وهو ما ينقص من قيمة وذكاء المغاربة ، بل والنظر إليهم كشعب غير متحضر ، وقاصر ، لابد ان يوضع مصيره تحت الحجر ، وهو ما فعلته تلك القبيلة العلوية بالفعل لما إنفردت بكل شيء ، في غياب تام لاشراك القوى الحقيقية للشعب الحر، التواق للعيش في آمن وحرية ، وسلام ، وسيُظهر الزمان القريب و البعيد حقيقة كتاباتي ، وتسريب الوثائق الحساسة عبرتقنية العصر من قبل الموقع المعروف ب - ويكيليكس - سيؤكد ذلك ، وإن كره الكارهون ، أفظع شيء أن يجهل المرء ما يجري ، وأفظع منه أن يدري ، وعلى كل واحد منا أن ينير الزاوية التي هو فيها ، لنتمكن كمغاربة أصليين من التصدي لحكم القبيلة العلوية ، وتحرير المغرب والمغاربة من بطشها وجبروتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الطريق السوي/الحربائية
شليمان شاليمو ( 2011 / 1 / 23 - 01:47 )
مكاشفة صريحة مع الذات والآخر،فهل من جمهوريون في المغرب يلتحقوا بالركب والمسار


2 - هل من سبيل لاصبح امير المؤمنين
عامر ذبيان ( 2011 / 1 / 23 - 02:56 )
العلويون الانذال حكام المغرب الامازيغي الحر يدعون انهم شرفاء سلالة النبي محمد القريشي،لكن الدنيا كلها تعلم ان محمد لم يكن له ابناء حتى تكون له سلالة فمن اين لهم هذا الشرف الذي يدعونه.كذب في كذب

اخر الافلام

.. غارات جوية عنيفة من الاحتلال على رفح في قطاع غزة


.. 6 شهداء وجرحى وصلوا مستشفى الكويت التخصصي برفح جراء قصف إسرا




.. الخارجية الأمريكية: لا ينبغي أن تكون هناك مساواة بين إسرائيل


.. وجوه جديدة تظهر في سدة الحكم أبرزها محمد مخبر النائبِ الأولِ




.. العلماء يكتشفون فيروسات نادرة عملاقة عمرها 1.5 مليار عام