الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنتفاضة التونسية والدروس المستفادة

ياسين الورزادي

2011 / 1 / 23
مواضيع وابحاث سياسية



إن الحدث التونسي العظيم يعتبر فتحا كبيرا أعاد الإعتبار لجميع الشعوب العربية المضطهدة بل إنه أعطى دروسا عظيمة لكل الشعوب على المستوى العالمي هذه الدروس التي في إعتقادي تحتاج منا نحن الباحثين والدارسين إلى وقفة تأمل طويلة نقفها إجلالا وإحتراما وإكبارا لشموخ الشعب التونسي الذي قال كلمته الحاسمة وإختار طريق الحرية والديموقراطية والكرامة ورفض السكوت والصمت على الفساد والظلم والإضطهاد.

و بالرغم من كل تلك التضحيات الجسام التي قدمها الشعب التونسي البطل في سبيل الحرية والكرامة فإن الإنتفاضة التي دشنها في بداية العام الجديد تعتبر بحق من أعظم الإنتفاضات والثورات التي عرفها التاريخ العالمي المعاصر لما كان لها من طابع سلمي ديموقراطي ولما إتسمت به كذلك من سرعة في التحول جعل العديد من الدول والأنظمة بل وحتى الكثير من وسائل الإعلام تسقط في حالة من الإندهاش والتخبط والحيرة وغير قادرة على فهم وإستيعاب ما يجرى .

و لاشك أن الإنتفاضة التونسية قد أعطت دروسا بليغة لعدد من الأطراف سواء على المستوى الداخلي التونسي أو على المستوى الخارجي العربي والذي يهمنا هنا بصفتي لست تونسيا ولكني مهتم بما يجري فيها لكوني إنسانا عربيا مقهورا ومحقورا داخل وطني هو أن أحاول تقديم بعض الدروس والعبر التي يمكن إستخلاصها من الدرس التونسي والتي يمكن أن يستفيدها منها عدد من الأطراف والذين هم في نظري الشعوب المضطهدة والقيادات السياسية و الأنظمة العربية المستبدة و العالم الغربي وسأحاول الحديث عن كل طرف بما يخصه من دروس وعبر يمكن أن يتعظ بها ويقوم بالعمل بمقتضاها إذا أراد أن لا يجرفه التاريخ .

أولا: الدرس التونسي والشعوب المضطهدة :

إن الشعوب العربية معنية أكثر من غيرها بضرورة العمل على قراءة الإنتفاضة التونسية والسعي إلى توظيف آليات النضال السلمي الديموقراطي التي إتبعها الشعب التونسي في سبيل تحقيق الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الإجتماعية وغيرها من المطالب التي رفعها المنتفضون كعناوين كبرى ظلت تؤطر نضالاتهم وتؤجج إحتجاجاتهم وتدفعهم إلى الدفاع عنها بدماءهم الزكية الطاهرة .

فالإنتفاضة من شأنها أن تزرع التقة واللأمل في قدرة الشعوب على إنتزاع حريتها بيدها بدلا من إنتظار الديموقراطية القادمة على الدبابات والطائرات الحربية بل إن الشعوب لوحدها قادرة على تسلم زمام المبادرة والعمل على إحقاق مطالبها دونما حاجة إلى دعم العالم الغربي الإنتهازي الذي يكيل بمكاييل متعددة بحسب ما تمليه عليه مصالحه الخاصة لا غير.ليست هنالك علاقات دائمة وإنما هنالك مصالح متجددة.

إن الشعوب العربية قادرة على إحتداء النموذج التونسي وإتخاذه رمزا للنضال والتغيير والإنتفاضة فالشعب التونسي عرف وأدرك أنه لم يبق له شيء يخسره غير أغلاله التي قيده بها النظام المستبد وأن السبيل الوحيد لنيل كرامته وحريته هو طريق الإنتفاضة والثورة إذا أراد العيش الكريم .

واليوم ونحن نتحدث عن الدروس المستفادة فإن أكبر درس يمكن أن تستفيده الشعوب هو أن الخوف مجرد وهم وأن التضحية لابد منها وأن الأنظمة العربية مجرد أنظمة مترهلة ضعيفة وجبانة وليس لها ما تدعيه وما تظهره من قوة واهمة سرعان ما تتكسر عبر الثورة والإنتفاضة والإرادة المستميتة للشعوب.

ما أحوج الشعوب إلى أن تؤمن بنفسها وتسترد تقتها في أبنائها ذلك أن المسألة في نظري تتعلق بشكل أساسي بالإيمان بالقيم التي ندافع عنها فلقد إكتشف الشعب التونسي أن قضيته قضية عادلة وأن مطالبه مطالب مشروعة فإنبرى للدفاع عنها والتضحية في سبيلها غير منتظر للدعم الخارجي ولا معول على النخب السياسية التي فقدت كثيرا من مصداقيتها وحتى لا نعمم فإننا نقصد بذلك النخب السياسية التي ارتمت في أحضان السلطة وتحولت إلى ذيول و أذرع لحماية النظام وتزيينه وإضفاء صبغة الشرعية الديموقراطية عليه دون أن يكون كذلك .

إن الشعوب العربية التي ترزح تحت أنظمة الإستبداد والقمع والطغيان بإمكانها قلب الموازين وقلب الأوضاع في اللحظة التي تتوفر لديها الإرادة لذلك فإرادة الشعوب لا تقهر ولا تهزم أبدا مهما سلط عليها من قمع وإرهاب وسفك للدماء الطاهرة فهي تستطيع أن تقود التحولات الإجتماعية والسياسية والثقافية التاريخية لوحدها إذا ما توفرت فيها الإرادة الحديدية التي لا تهزم.

ثانيا : الدرس التونسي والقيادة السياسية

لعل الإنتفاضة الشعبية التي انطلقت في تونس قد كشفت لنا عن غياب كبير للنخب السياسية خاصة عند إنطلاق الإنتفاضة في بداياتها الأولى ولعلنا نبرر ذلك بشدة القمع والبطش الذي كان يمارسه النظام التونسي على كل القوى الحية في البلاد إلا أن هذه الأخيرة ينبغي أن تعي الدرس جيدا لأن الجماهير الكادحة لايمكن أن تنتظر حتى تتحرر القيادة الساسية نفسها من القمع كي تدافع عن مصالح شعوبها بل أنها قادرة على الأخذ بزمام المبادرة والعمل على تحرير نفسها بنفسها بدون أن تعول على هذا الحزب أو ذاك .

وحتى لا نغمط بعض القوى حقها ودورها في عملية التحول الديموقراطي فإننا نحيي بإجلال وإكبار القوى الننقابية والطلابية والمهنية والإعلامية التي إستطاعت أن تكسر الحصار المضروب عليها من قبل النظام القمعي وتمكنت من التخلص من الرقابة الأمنية التي عمل الجهاز الأمني القمعي الذي سخره النظام لقهر القوى الحية في البلاد والعمل على محاصرتها وتدجينها وإحتوائها في دائرة فعل ضيقة وذلك بكبت الحريات وسلبها وطبخ التهم وتسخير القضاء الذي من المفترض أن يكون أداة لحماية المظلومين ونصرة المستضعفين فإذا به وسيلة لرفع المحاكمات الجائرة وتوزيع الأحكام الجاهزة بالسجن والتعذيب والنفي والقتل
وقد ظن هذا النظام أنه قد تمكن من بسط سيطرته على الشعب التونسي وضمن السلام له ولأهله وحاشيته وأتباعه ولكن سرعان ما أتبث هذا الشعب العظيم أنه جدير بالحرية وأن النظام القمعي المستبد ليس قدرا محتوما ولا لعنة أبدية بل إنه مجرد نظام يمكن أن يسقط وينهار في أية لحظة إذا ما إتحد الشعب وتوفرت له الإرادة الحقيقية على رفع التحدي وتدشين رهان التغيير .

إن على القيادات السياسية العربية أن تدرك أن الشعوب قد ملت الإنتظارية وسئمت الإصلاحات الترقيعية والوعود الكاذبة وليس لديها من خيار سوى الإنتفاضة التي تستطيع عبرها أن تحقق أحلامها وطموحاتها في العيش الكريم والأحزاب السياسية لا يمكن أن نعول عليها خاصة منها تلك الأحزاب الصورية والكاريكاتورية التي لا هم لها سوى جني المناصب والأموال وجمع الترواث عن طريق تسلق سلم السياسة والمتاجرة بطموحات الشعوب بل والأكثر من ذلك نجدها تعمل على تلميع صورة الإستبداد وتأبيد سيطرته ونفوذه وقهره تحت شعارات وهمية متعددة .

ولأجل ذلك كله فإن هذه القيادات إذا لم تنخرط في العمل السياسي الديموقراطي الجدي والحقيقي فإن سيأتي عليها الزمن الذي تصبح فيه في مزبلة التاريخ .


ثالثا : الدرس التونسي والأنظمة المستبدة

مما لاشك فيه أن الأنظمة العربية المستبدة تعيش حالة من القلق والأرق والخوف مما قد يصحب الإنتفاضة التونسية من تداعيات يمكن أن تكون بداية لتدشين عهد جديد للإنتفاضات بل قد تكون لها إمتادادت بالمنطقة العربية وهذا أكثر ما تخافه الأنظمة الإستبدادية بحكم أنها تعلم جيدا أنها فاقدة للشرعية والمصداقية ولا تتمتع بأي تقدير أو إحترام عند شعوبها .

إن المصير البائس الذي آل إليه النظام التونسي الذي قطع كل صلاته مع الشعب ولم يترك أي خيط أو طريق يمكن أن يعود إليه عند إشتداد الأزمة هو الذي جعل هذا النظام غير قادر على إيجاد أي حل أو مخرج لأنه أدرك تماما أن شعبه في واد وهو في واد سحيق آخر فلم يستطع حينها إلا أن يفكر في نجاة نفسه وأهله ففر هاربا وأناب إلى من إحتضنوه ودعموه فلفظوه وتخلو عنه في وقت الشدة وتركوه وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت وظلت طائرته تحلق في الأجواء لاتجد من يحتضنها ويفتح لها الأجواء إلى أن وجد نظاما مستبدا آخر إستطاع أن يتفهمه ويقدر موقفه فلجأ إليه لا يلوي على شيء وهذا لعمري هو وهم القوة الذي تدعيه هذه الأنظمة الضعيفة والمريضة لأنها لم تستطع أن تعي الدرس جيدا من عبر التاريخ .

إنها أنظمة لا تقرأ التاريخ ولا تستفيد من دروسه ولو فعلت ذلك لأدركت أن قوتها تكمن في إلتحامها بشعوبها وإحترامها لها وحكمها بما ترتضيه من عدل وحرية وديموقراطية وتنمية وأن الشرعية لايمكن أن تعطيها الأنظمة الغربية التي لا يهمها إلا مصالحها بل إن الشرعية هي شرعية الديموقراطية الحقيقية التي تمنحها الشعوب وتستمد من إنتخابات حرة ونزيهة تكون الحرية والتعددية السياسية قوامها وقادتها الصلبة و الأساسية.


رابعا : الدرس التونسي و العالم الغربي

موقف العالم الغربي اليوم يشبه إلى حد كبير موقف الأنظمة العربية فهو لا يزال غير مستوعب لما حدث وعاجز عن قراءة هذا التحول الكبير والفتح العظيم فها هي ذي الشعوب العربية المتخلفة الغارقة في سباتها العميق والمكتفية بالبحث عن الخبز وحده دون غيره تنتفض فجأة رافعة شعار الحرية والديموقراطية والعدالة على غير عادتها وعلى غير ما هو منتظر منها .

كيف يعقل أن نظاما ديكتاتوريا يحكم الشعب بالحديد والنار لمدة اكثر من عقدين من الزمن تأتي عليه لحظة فينهار بشكل تام ويفر الحاكم من بلده هذا الفرار الذي يؤكد لنا دائما أن هذه الأنظمة مرتهنة لدى الآخر الذي هو هنا العالم الغربي الذي دعمها وساندها وبارك قمعها وإرهابها وشرعن قتلها وسلبها للحريات هذا الهروب واللجوء إلى العالم الغربي دليل على أن هذه الأنظمة هي صناعة خارجية .

كيف يمكن للغرب أن يستوعب أن شعوبا كان يتخيلها جاهلة فقيرة بائسة يسهل قيادها وقمعها وقتلها يمكن أن تطيح بنظام مستبد يوفر له الغرب كل الدعم والمساندة إن هزيمة هذا النظام هي قبل كل شيء هزيمة للعالم الغربي الذي إحتقر الشعوب العربية ونظر إليها نظرة دونية ومزدرية فكان أن أخذ الشعب حريته بنفسه وأتبث للعالم الغربي أنه شعب جدير بالحرية والكرامة والعدالة والديموقراطية التي تصنعها الشعوب بدمائها الزكية وتضحياتها الجسام .
إن على العالم الغربي اليومي أن يوقف دعمه ومساندته للأنظمة المستبدة لأنها ليست دائمة وليست قدرا محتوما وستأتي اللحظة التي ينهار فيها كل رموز الإستبداد والطغيان الذين يحكمون الشعوب بالظلم والقهر والإستعباد .

كلمة أخيرة :

إن الذي يجب العمل عليه في المرحلة المقبلة هو البحث في سبل إعادة تكرار النموذج التونسي في كل المنطقة العربية والقيام بتحليلات عميقة للوضع العربي الراهن الذي بدأ يؤشر بشكل كبير على أن عهد الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية والديموقراطية قد بدأت تباشيره تلوح في الأفق وأن على القيادات السياسية مراجعة حساباتها وأجندتها وبرامجها السياسية النخبوية والإلتحام مع الشعوب والتعبير عن مطامحا ومطالبها إذا ما أرادت صناعة التاريخ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رسالة انذار لكل الحكام العرب
قدوري العامري - بغداد ( 2011 / 1 / 23 - 17:36 )
ان ماجرى في تونس الحبيب انما يمثل الشموخ للشعوب العربية المعروفة في رفضها للدكتاتورية لكن فترة السبات التي عاشت فيها هذه الشعوب والخنوع لحكامها المسيطرين على جميع مقدراتهم ما هي الا سكتة فرضها عليهم العوز الذي ابقتهم به حكوماتهم حتى تشغلهم عن التفكير في التحرر , لكن الرسالة واضحة وناصعة لا تحتاج الى تعليق لكل عربي سيطر على مقدرات شعبه ان يعي ما يجري لان الغليان البركاني لابد ان يجد له فتحة للظهور بعنفوانه ليشع ساطعا كالشمس التي لا تحجبها الغرابيل , فلكل من اعتبر في يوم من الايام بان الشعوب العربية شعوبا جبانة اقول له انك واهم جدا وان لم تفهم شيء عن الشعوب , ولم تقرا شيئا من التاريخ . فلكل عربي ان يرى ويعي جيدا الثورة التونسية التي انطلقت من وسط الشعب التي لم تحتاج الى دعم مادي كما يدعي البعض من السياسيين العرب بانهم لم يستطيعو ان يغيروا شيئا من واقعهم لعد امتلاك المؤهلات المادية . المؤهلات انسانية وعقائدية وفكرية وتحدي لكل شيء العبيد ثارو في روما وكانو سجناء ليس عبيدا فحسب . والمناضل والمجاهد التونسي الذي نذر نفسه من اجل شعبه الجبار . فلكل الشعوب العربيه ان تاخذ الدروس الواضحة والجلية


2 - الثورة العربية
حمزة بادو ( 2011 / 2 / 1 - 00:23 )
اخي المفكر الورزادي اقدر مادهبت اليه في تحليلك من ان الثورة التونسية تحمل دروسا وعبرا لباقي الانظمة العربية لكن الدي غاب في تحليلك هو ان بعض الانظمة العربية مختلفة في ما بينها وبعضها تخوض ثوراة بشكل مستمر تبني في صمت حسب الامكانات المتوفرة لديها والثورة لاتعني التقدم في حد ذاتها بل قد تكون فوضئ عارمة تعصف بقتصاد البلاد بالاضافة الئ ماترسخه في نفوس الناشئة من العبث بالقانون وامن البلاد وقد يكون الانتقال من حال سيء الى حال اسوأ. ان الثورة النااجحة هي التي تحمل مشروعا فكريا يكون قادرا على ان يفرض نفسه على الانظمةالحاكمة.

اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا