الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسلام -فاشي- أم يسار فاشل؟

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2011 / 1 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


عندما نقرأ عبارات "إن المجتمع التونسي" قد كشف في ثورته عنه انه عقلاني وإنساني لأنه لم يرفع شعارا إسلاميا، ولم يهاجم أمريكا ولم يهاجم الصهاينة، فإننا نقف أمام رؤية معقدة، أي مليئة بالعقد الأيديولوجية المقلوبة! وعندما تجري الإشارة الى أن أهل تونس كتبوا بالفرنسية عبارات (لتحيا الثورة) كما لو أنها دليل على عدم الإسلامية وأنها تستعيد مآثر الثورة الفرنسية الكبرى، فإننا نقف أمام نفس العقدة النفسية الأيديولوجية والتأويل المفتعل.
لقد كان الشيء الجوهري والشعار الجوهري للثورة التونسية هو إسقاط الدكتاتورية. ودكتاتورية بن علي كانت مدعومة بصورة علنية وخفية من الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وإسرائيل. وإسقاط هذه الدكتاتورية يعني من الناحية الفعلية إسقاط التدخل الأمريكي والفرنسي والصهيوني. والعاقل من يفهم معنى الحدث كما هو مآثره وتأثيره. لهذا قالت العرب "اللبيب تكفيه الإشارة". وكل ما في الحدث التونسي يكفي لفهم مغزاه الحقيقي. والناس ليست ملزمة بان تكتب وتقول وتشرح بالشكل المفصل على قياس ذهنية "اليساري" "العلماني". أما أن يكون أهل تونس قد كتبوا بعض الشعارات باللغة الفرنسية (وبالانجليزية أيضا) فانه ليس دليلا على "معاداة الإسلام" و"الإسلاميين" وما شابه ذلك من ترهات، بقدر ما يعني، من حيث حقيقته، انه دعاية سليمة عن مغزى المعارضة التونسية للسلطة المدعومة من جانب فرنسا والولايات المتحدة. لقد أرادوا القول للسلطة الفرنسية والأمريكية (بلغاتهم): "أنكم تدعمون سلطات دكتاتورية". الأمر الذي يجعل من الضروري البحث عن صيغة معقولة لإطلاق كلمة الفاشية على حملتها الفعليين (سلطة زين العابدين ونظامه السياسي وحزبه والداعمين له من الغرب، وبالأخص فرنسا والولايات المتحدة والصهيونية) وليس "الإسلام" وحركاته السياسية المناهضة والمقاتلة على امتداد عقود مريرة ضد السلطة الدكتاتورية لزين العابدين بن علي.
إن المجتمع التونسي لم يرفع شعار العداء للإسلام لأنه كله مسلم. وأنهم يكتبون عن الذين سقطوا في مواجهة الدكتاتورية كلمات "الشهيد" و"الشهداء" وليس عبارات "الرفاق الذي سقطوا قتلى". ويكتبونها بالعربية وليس بالفرنسية! بل أن الدكتاتور زين العابدين بن علي، من حيث اسمه هو نموذج "تام" وكامل للتقاليد الإسلامية والاعتزاز بها. والمهمة هنا كما يقال ألا يجرّ ذلك "يسار" (الحوار المتمدن) الى البحث في هذه المفارقة عن "تلبيس إبليس" أيديولوجي مستعد لقول:"انظروا! إن الدكتاتور هو فاشي إسلامي! حتى اسمه دليل على ذلك!". وهي صيغة تبدو مغرية لهذا النوع من الدعاية المراهقة والمتلذذة بخيالها الخصب، كما يقول أهل الجزائر!
إن تقييم الحدث التونسي من الناحية الواقعية والرمزية يفترض إدراك المعنى الحقيقي له، والقائم في مواجهته للاختلال الكبير في وجود وحياة الدولة والنظام السياسي والقيم. انه حدث تاريخي وفكري وسياسي وثقافي واجتماعي بحد ذاته. وبالتالي لا يحتاج الى مضاف إليه بهيئة عدو "إسلامي".
إن ماهية الحدث التونسي أوسع من فكرة الثورة الشائعة الانتشار في الدعاية والإعلام. وذلك لأنه يتعدى نفسية وذهنية الثيران (جذر الثورة)، الى مصاف العقل الاجتماعي المنضبط. وهذه إحدى الفضائل الكبرى والخصائص المميزة للحدث التونسي الأخير. الأمر الذي يعطي لنا إمكانية القول، بان الحدث التونسي جرى ضمن سياق الانقلاب المادي والمعنوي في الموقف من النفس والدولة والسلطة والنظام السياسي والقيم.
انه جرى ضد دولة خانعة تابعة، أي ضد دولة فاشلة، ونظام سياسي فردي استبدادي (دكتاتوري)، وضد قيمه الخاصة من قهر وتسلط وظلم وجور وانتهاك للحق والحقوق. مع ما يترتب عليه من هدر للقوى البشرية والطاقات الاجتماعية وسرقة الحاضر والمستقبل من المجتمع.
وفيما لو تركنا الدولة، باعتبارها الحاضنة العامة للجميع ولها تاريخها الخاص، الذي يتجاوز من حيث مقدماته ونوعيته الحالة الأخيرة وما قبلها (نظام بورقيبة) والاحتلال الفرنسي، وانتقلنا الى الحدث التونسي كما هو، فان ذلك يستلزم منا القول ما يلي: إن التجربة التونسية فيما يتعلق بالإصلاح السياسي والفكرة الاجتماعية لها أيضا تاريخها الخاص. ومن الممكن هنا فقط الإشارة الى التراث النظري والعملي الذي يمكن رؤية حقيقته وصداه في الأثر الفكري والتاريخي الذي تركه خير الدين التونسي. وبالتالي، فان ما حدث ويحدث لم يكن وليد الصدفة، شأن كل حدث تاريخي كبير.
غير إننا حالما نظر الى هذه الكمية الخطابية والدعائية الكبيرة التي يحفل فيها "مجمع اليسار"، فان الحدث التونسي يتحول الى ثورة ضد الدكتاتورية والطغيان، وتدمير للإسلام والعربان! والشطر الأول صحيح وسليم لأنه مجرد تحصيل حاصل، بمعنى انه مجرد تقرير ما قام به الشعب التونسي. وما قام به الشعب التونسي بهذا الصدد أكثر واكبر من مجرد ثورة ضد الدكتاتورية والطغيان. أما الشطر الثاني، وهو الأهم، فانه من اجتهاد "اليسار". بمعنى انه ذو صلة بالموقف من المجتمع التونسي وقواه المحركة والقيم السياسية والأخلاقية والمستقبل (المتعلق بالبدائل). واغرب ما في الأمر أن يلتقي "اليسار" في موقفه من الإسلام والإسلاميين مع الدكتاتور زين العابدين! بل إنهم يبدون اشد غلوا. إذ لم يتكلم زين العابدين حتى في آخر خطبه التلفيزيونية قبل الهروب عن "إسلام فاشي"، بل سمعناه يتحدث عن "ملثمين وإرهابيين". وهي الصيغة المقبولة والمعقولة والمميزة للخطاب الأمريكي والفرنسي والصهيوني.
إن اشتراك "اليسار" مع زين العابدين في هوس العداء للإسلام والإسلاميين يشير الى وجود حالة عدائية خربة في الموقف السياسي والعقائدي والأيديولوجي والاجتماعي والثقافي. بل يمكنني القول، بأنه استعداء أكثر مما هو عداء. من هنا امتلاءه بنزعة الاتهام المسبق والمجافي للحق والحقيقة والواقع. الأمر الذي يشير ليس الى "ثورية اليسار" بل الى انغلاقه السياسي والعقائدي والأيديولوجي والاجتماعي والثقافي. وبالتالي وقوفه المتشنج ضد المسار المعقد للثورة واحتمالاتها المستقبلية. ومن ثم استمراره بنفس التقاليد الميتة للراديكالية المتشددة. وهذه بدورها مرتبطة أساسا بما يمكن دعوته بتقاليد اليسار الناطق بالعربية، والتي يمكن إيجازها بسبع خصائص كبرى وعامة بهذا الصدد وهي:
1. إثارة العداء والخلاف مع ما يلازمه من تلذذ أيديولوجي بمواجهة الغريم حد الغرام!
2. الاهتمام بالإثارة والهياج، كما لو أنها النشوة المكبوتة للانغلاق العقائدي
3. نفسية المراهقة التي يمكن رؤيتها في حالة المزايدة والغلو في الخطاب السياسي والدعائي
4. اغتراب الرؤية الثقافية
5. انعدام الفكرة التاريخية
6. تشوه الحس الوطني والقومي
7. جفاف الذوق الاجتماعي
أما النتيجة المترتبة على ذلك فتقوم في تخريب بوصلة الرؤية الواقعية. وليس الانهماك في عداء مفتعل مع "الإسلاميين" بالصيغة الفجة سوى احد ملامحها. إنها تؤدي بالضرورة الى العداء مع الإسلام والمسلمين، أي مع المكونات الضرورية الكبرى للوجود الاجتماعي والوطني والقومي والثقافي.
إن مهمة اليسار الحقيقي تقوم في صنع الوحدة الاجتماعية بمعايير العقل الثقافي والحقوق المدنية والعمل من اجلها وليس بالصراخ والتلذذ العصابي بالسب والشتيمة للآخرين في مقاهي الانترنيت. ولا بأس من التعلم من سلوك الشعب التونسي نفسه، الذي كشف عن تجاوز لهذه الحماقة السياسية والأيديولوجية عبر رفعه شعار الوحدة الاجتماعية والوطنية البديلة لنظام العائلة الفاسدة والظلم والجور والخروج على الحق والحقوق المدنية والوطنية. وهي قيم ليست حكرا على حركة دون أخرى. والمحك الحقيقي الوحيد هو تمثلها والدفاع عنها. أما معيار ذلك فهو قبول الناس بحملتها. ومهما تكن النتيجة فهي خلاصة التجربة التاريخية للأفراد والجماعات، بوصفه طريق المعاناة الفعلية في إعادة بناء الدولة والنظام السياسي والقيم. لاسيما وان المستقبل الحقيقي هو نتاج معاناة الحاضر والنتائج المترتبة عليه، وليس رغبات "اليسار" أو "اليمين"، أي القوى التي تقف من حيث الجوهر خارج إطار المسار العقلاني والواقعي للبدائل الكبرى في العالم المعاصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يسعى لتخطي صعوبات حملته الانتخابية بعد أدائه -الكارثي-


.. أوربان يجري محادثات مع بوتين بموسكو ندد بها واحتج عليها الات




.. القناةُ الثانيةَ عشْرةَ الإسرائيلية: أحد ضباط الوحدة 8200 أر


.. تعديلات حماس لتحريك المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي عبر الوسط




.. عبارات على جدران مركز ثقافي بريطاني في تونس تندد بالحرب الإس