الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تعلموا شعب تونس..فهم اعلم منكم..

جمال الهنداوي

2011 / 1 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


نفس الخطل الروتيني ..ونفس سوء القراءة والتقدير المغرض للاحداث التي رافقت مخاضات بواكير الثورة التونسية المباركة..ونفس التخابث الاعلامي ..ونفس الكيدية الذهانية المرتبكة ..تتكرر في استعادات دوامية يبدو انها اصبحت علامة فارقة ملتصقة بالاعلام الرسمي العربي كمتناذرة عضال عصية على التقبل والاستيعاب او الاستساغة ولا ينفع معها اول العلاج ولا آخره..
كأنها طنين نحل قادم من قفير بعيد..بدأت بعض الهمهمات الاعلامية بالارتفاع مخرجة رأسها كالدغل الشائك من بين ازهار الياسمين.. بعد ان اخرستها تداعيات الانتفاضة التي عطرت سماء الحرية في بلادنا..معلنة انطلاقة حملات من التكسب والترزق على باب فضائيات الرأي الواحد الاحد المسبحة بحمد السلطان ..تلك الاصوات التي يبدو انها لا تتحصل على القدرة اللازمة للترفع عن الاسلوب التملقي التبريري المتزلف المستدر لعطايا ورضا وانعام المقام الاعلى..
فبعد الفشل المدوي للجهد الاعلامي الاستباقي الذي تعاطى مع الحدث الجلل بوصفه فعل انفعالي لحظوي متطرف يستحق اقسى عبارات التنديد والاستنكار ضد الحكم الصالح الانموذج الذي من اقتدى به اهتدى والمسوق على انه واجب الاسترشاد به في المنطقة المغاربية والعربية..وبعد محاولة الهزلية في تحويل الامر على انه مبارزة فردية بين الشهيد البوعزيزي وفاديا حمدي ..كان للسلطة فيها دور الحكم العادل الذي قام بزيارة الشهيد قبل وفاته، ولم يتوانى في اخراج الكارت الاحمر في وجه الشرطية المسيئة.. مع وعد بالتحقيق في الواقعة والتعويض بما قد يتجاوز قيمة صناديق خضار البوعزيزي المصادرة..وبعد التغطية الاقرب الى الفعل الجنائي في الترويج لجرائم الحرس الرئاسي والاجهزة الامنية المرتبطة برأس النظام وتلقفها بعيون مغرورقة بدموع الفرح المترع بالشماته والتشفي والتبشير بالانفلات الامني والدمار الذي سوف يحيق بكل الخارجين على ظل الله في الارض..والمتراقص مع ايقاع زخات الرصاص التي طالت الشعب الاعزل المغدور..بعد كل هذا..وبعد ان استطاع التضامن العظيم بين الشعب وقواه المسلحة الوطنية من اجهاض المؤامرة وحماية الثورة..وبعد الوعي الذي ابرزته الفعاليات الوطنية الثورية في فهمها العميق الى ضرورة الدفع باتجاه القطيعة مع ممارسات النظام مع الحفاظ على الشكل الدستوري للدولة..نجد الاعلام العربي –مستعينا باعلام الامة الاعلام هذه المرة-لم يتطور من خلال خطابه الا الى نحو تخليق ساحات جديدة من الايذاء والتشكيك والتنفير ..
فليس من الصعب ان نلاحظ ارتفاع وتيرة التحليلات التي تصب في خانة ان "الاحداث" الاخيرة لم ترق الى مستوى الثورة بل هي عبارة عن احتجاجات مطلبية او اعتراضات او تظلمات تهدف الى دعوة النظام القائم للاستجابة لها ولا ترمي في العمق الى القضاء عليه وبناء نظام جديد على انقاضه..وان هروب بن علي هو الذي دفع بالبعض الى امتطاء الحراك الشعبي المرتبك من نجاحه السريع والمفاجئ نحو تقويض النظام ..
وليس من الحكمة التجاوز على هذا الزخم المتصاعد من الكتابات التي تحذر من فوضى حتمية تتجه اليها البلاد العربية اذا استلهمت النموذج التونسي في التغيير..وقد ذهب البعض كثيرا في محاولتهم دفع جميع فواتيرهم مرة واحدة من خلال ربط الحراك السياسي الجاري حاليا في تونس مع تداعيات الثورة الاسلامية في ايران..
ولا يمكن للمتابع ان يمر مرور الكرام الغافلين على الجهد الذي يبذله حملة نور النبوة وبقية الله في الارض في مطولاتهم المملة الهادفة الى مقاربة واقعة الانتحار والخوض في تفاصيل احكامها الشرعية ..وايصالها الى نقطة الكفر ومبادرة الفرد لنفسه الى الله مما يوجب التأبد من الدار..وقد يكون بعض الحياء-او ربما الخوف- هو ما جعل البعض منهم يحجمون عن تكفير الشهيد البوعزيزي ولعنه على المنابر..وان كان هذا الحياء الشحيح نفسه لم يمنع البعض من دعوة المسلمين ان يصبروا على كل ما يتلقونه من جور حكامهم ..حقنا للدماء..وحتى لا تعم الفتن المصاحبة تقليديا للحراكات الشعبية.. اعتمادا على ان هؤلاء الحكام هم ولاة الامر الشرعيون مهما فعلوا، ومهما سرقوا ..ومهما ظلموا..ومهما خانوا..
كنا نتمنى ان يكون لهؤلاء القدرة على ان يقولوا خيرا ..او ان يسكتوا..وكنا نأمل ان يكون لهم قلوب وضمائر ينظرون بها الى الظلم والامتهان واليأس الذي يدفع الانسان الى ان يحرق نفسه حيا احتجاجا على الذل الذي وقع عليه..ولم نكن ننتظر من بعض مثقفينا ان يقارنوا ما بين كرامة وانسانية ونبل الانسان التونسي الشريف وما بين بعض السلال من الخضار..بل وضع صرخة الشهيد البوعزيزي في اطارها الرافض المقاوم للحرمان الممنهج للحقوق الاساسية للمواطن في الحياة والكرامة والمشاركة والعدالة الاجتماعية..وكنا ننتظر من علماء الدين ان يجهروا بما يجدونه في ايديهم من الكتاب عن لا شرعية ظلم العباد ..ولا حليّة مصادرة حقوق المواطن السياسية وحقه في الحياة الحرة الكريمة..وان الظالم كلب من كلاب النار..وان الثائر في سبيل شعبه وامته حبيب الله..كنا ننتظر منهم ذلك..والا فليسكتوا..
كنا ننتظر ان تكون اقلام مفكرينا وكتابنا دريئة تحمي الثورة التونسية الوليدة من محيط منقسم مابين موقف عدائي معلن ومابين تخندق دفاعي مضمر مدعومان بتواطؤ عربي مرتجف مقشعر يكاد ان يعض على شعب تونس الانامل من الغيظ..محيط لن يرضى عن تونس حتى تعود الى ملتهم..ملة القمع والطغيان ومصادرة الحريات وحقوق الانسان..
ولكن لا عودة الى الوراء..ولا وصاية لاحد على اهل تونس الابطال..فهم من احيا الكرامة العربية وهي رميم..وهم من دقوا ابواب القدر..وهم من مارسوا فعل الحياة..وهم سفراؤنا الى العالم الحر..
فلا وصاية لكم عليهم ابدا..ولا رأي..ولا نصيحة..ولا توجهوهم ..ولا تنظّروا لهم..ولا تعلموهم..فهم اعلم منكم..ولكم اما ان تقولوا خيرا..او ان تسكتوا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا تعلم أباك ..
ماجد جمال الدين ( 2011 / 1 / 26 - 08:21 )
ما يقلق فعلا ليس هو ألتدخلات ألمثيرة للسخرية من أليمين ألديني من حكام ألسلاطين أمثال ألقرضاوي ومن لف لفه ، بل ألشعارات والنصائح ألثوروية جدا ألتي يتكسب إعلاميا من خلالها أطفال أليسار ألمتطرف من أمثال ألبيان ألذي نشره أليوم ما يسمى ألحزب ألشيوعي ألعمالي أليساري ( ألوطني ألديموقراطي ألتقدمي ألخ ) ألعراقي ، وتحليلاتهم ألمفرقعة لتصريحات رئيس أركان ألجيش ألتونسي . لمثل هؤلاء بودي ألقول :
هنالك مثل روسي ظريف يترجم هكذا -لا تعلم أباك على ألنكاح .-

اخر الافلام

.. لحظة ضرب مستشفى للأطفال بصاروخ في وضح النهار بأوكرانيا


.. شيرين عبدالوهاب في أزمة جديدة وصور زفاف ناصيف زيتون ودانييلا




.. -سنعود لبنائها-.. طبيبان أردنيان متطوعان يودعان شمال غزة


.. احتجاجات شبابية تجبر الحكومة الكينية على التراجع عن زيادات ض




.. مراسلة الجزيرة: تكتم إسرائيلي بشأن 4 حوادث أمنية صعبة بحي تل