الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ب (تونس) بيك

لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان

(Lama Muhammad)

2011 / 1 / 26
الادب والفن


و في قرطاج (بيك) و لهذا (البيك) حكايا كثيرة تُعد بأكثر من ألف ليلة و ليل لا صبح فيه...
و في تونس (بيك) له كيس كبير فيه ملايين الجواهر المصاغة من عيون الصغار، و أساور العرائس العوانس.
و في قرطاج حكاية الحكايا التي تبدأ ولا تنتهي.. تزرع بوارق أمل بنور أحلى من كل الصباحات.
**********

هنا في الولايات المتحدة الأمريكيّة تأتينا أخبار تلك الأوطان بزاد و قوت يبقي على حياة تلك الجلسات المملّة التي ندفعها ضريبة باهظة لابتعادنا عن جلساتنا الحميمة..عن أهلنا.. عن أصدقائنا، و عن أحبة قلوبنا.
نكتشف أننا في هذا البلد البعيد استرجعنا قدرتنا على الإبصار ..و اكتسبنا حقاً مشروعاً بالإعتراض.
نكتشف أننا ظلمنا أوطاننا بابتعادنا عنها، و ندرك فجأة أنها قدرنا.
**********

لبس "بوعزيزي" سرواله القماشي المكوي بأناقة، و عقد ربطة عنقه الحمراء.. و لم ينس أن يلّمع حذاء الجلد الأسود الذي قلما يتسخ في سيارته الخضراء.
كان عليه أن يتوجه إلى مكتب رئيس البلديّة قبل ذهابه للعمل في محله الصغير و مصدر رزقه، و هكذا قبّل زوجته و طفليه و غادر شقته البسيطة المريحة في تمام الثامنة صباحاً.
استقبله رئيس البلدية بوجه مبتسم، و وعده بدراسة شكواه حول الضريبة الكبيرة التي يدفعها لمحله الصغير.
غادر "بوعزيزي" مكتب رئيس البلدية مبتسماً، يشكر ربه على عيشته الكريمة و على كرامته الغالية.
هذه هي الصورة التي كنّا ملزمين بتصديقها لولا (البنزين) و عود الثقاب.
و باشتعال الحقيقة مع جسد "بوعزيزي" بدأ البحث عن سخائف أخرى:
- يقال أنه لو لم تكن من صفعته "أنثى" لما كان قد أحس بالإهانة.. هذه نتائج تحرر المرأة.
-أعتقد أنه مريض نفسي، مختل يحرق نفسه من أجل (بسطة) خضراوات.
-ليس لديه شهادات.. فعلته تنم عن قلة مؤهلات.

ملعونة هي الكنايات و الصور...
نحن لا تؤمن بالكناية، و لا بالإستعارة، و لا بالتشبيه ..نحن شعوب منسلخة تماماً عن قواعد و دلالات اللغة العربية.. لأنها للأسف بعيدة بمعظمها عن القراءة و الكتاب.. ليس لجهل و لا لغرور بل لفقر حقير يجعل من الرغيف سيّد الكتّاب، و من اللحم معجزة أدبيّة.
لذلك أحرقوا في ذاكرتكم كل ما قلته و اسمعوا معي:

لم يضطر "بوعزيزي" لتغيير ملابسه، فهو معتاد على النوم بذلك القميص فاقد الأزرار، و السروال العتيق.
نهض في الخامسة صباحاً، وضع معطفه القديم عليه، و حاول قدر الإمكان الاعتناء بهيئته، فخبأ زريّ القميص المفقودين تحت السروال، و وضع ياقته المهترئة تحت المعطف.
نظر إلى نفسه في المرآة.. التجاعيد بدأت تأكل وجهه الشاب، تحكي قصة البنت التي أحبها و لم يستطع تأمين مهرها.. حدّث مرآته: الله سيرزقني أفضل منها...
هكذا اعتاد أن يكذب على نفسه كل صباح، ليمنح روحه دفعة حياتية جديدة.
خرج من تلك الغرفة و منتفعاتها - التي يعتبرها بيته-.. حرص ألا يصدر صوتاً يوقظ أمه المتعبة، و أخيه الأصغر.
برد هذا الصباح مرّ.. جيوبه المثقوبة لم تحمه من تذوقه، حرك أصابعه قليلاً : إلى العمل.. يا رب.

في سوق الخضار، كانت الحياة أخرى، ثانية.. ازدحام فظيع، اكتظاظ مليء بالغضب، السباب، و الكلمات النابيّة، سوق الخضار مشحون و ضيّق كأرواح جميع من فيه.
حمل خضراواته على عربته الخشبية العتيقة، و توجه إلى تلك الناصية حيث اعتاد الوقوف معتزاً بشرفه الذي حافظ على فقره و لم يدفعه للحرام...
كانت سيارات (المرسيدس) و (اللكزيس) التي تمر بين الحين و الآخر تهيج في نفسه مشاعر متناقضة من الغضب و الدهشة.
عندما رأى " سعدي" يطل من شباك إحدى تلك السيارات.. عُقد لسانه .. ف "سعدي" ابن حارته المنتوف الهزيل الذي ليس لديه حتى عربة خضراوات خشبيّة .
و لم تستمر دهشته مطولاً قبل أن تصل "فادية" شرطية الشارع التي اعتادت مصادرة عربته البائسة.
" فادية" لم تفكر يوماً بأهمية القوانين و وجوب تطبيقها، كان فقرها هي الأخرى حجاباً منيعاً يجعل من تحصيل قوتها المهمّة الوحيدة التي تحتاج إلى تفكير.. لغة الحوار المنقرضة في ذلك البلد كانت مفقودة بينهما ..احتد النقاش .. و هوب ..صفعة مدويّة على وجه "بوعزيزي" .
ذكريات مريرة من الصفعات استقبلها خده مع تلك الصفعة، مرارة و فقر و ذل دفين..ليس من سبيل لنسيانهم سوى حرقهم.
**********

اسمحوا لي يا أيها المعترضون.. فالثورة ليست للياسمين إنها ثورة الفقر..ثورة الحوار المقموع.
ثورة على قيادة عسكرية ل (كوافيرة) و هارب من المدرسة.. ثورة حفظت اسم قرطاج من أن يقترن بتاجرة(شنطة).

الآن في مصر بوعزيزي ثاني و ثالث و مليون .. ثورة أخرى ..تقول لا للفقر أيضاً، لا للذل، لا للجدار الفولاذي..ثورة سينتج عنها هرب أحدهم إلى بلاد لا تقطع يد السارق إذا كان زعيماً...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كبد الحقيقة
حميد كشكولي ( 2011 / 1 / 26 - 08:10 )
في المقطعين الأخيرين وضعت اصبعك الجميل على الجرح.. وحقا أنها ليست ثورة الياسمين بل ثورة على الفقر و الطغيان والفساد
لقد اطلق متآمرون على الثورة التونسية اسم ثورة الياسمين بغضر اجهاضها أو تحريف مسارها الحقيقي
تحية قلبية لك وسلم قلمك يالا حورية الحوار المتمدن


2 - حتى انت يا دكتورة
يوسف ابو شريف ( 2011 / 1 / 26 - 20:48 )
كنت اتوقع بانك الوحيدة التي سترفض ان تتطفل على حفلة الشواء الثورية التي اعدها ثوريو الغفلة , لتذوق لحم البوعزيزي مشويا , والسكر على دموع امه

يـــــــــــــــــــــــــــــــــا خسارة


لو ان الرجل فجر نفسه بحزام ناسف في احد دوائر المخابرات .... لاصبح اليوم لديكم ارهابيا

او لنقل لو انه فجر نفسه في الصحراء بقصد الانتحار فقط لاختلفت النتيجة , واصبح فتات جسده محرم ثوريا



عــــــــــــجــــــــــــــــــــــــــــــــــبــــــــــــــــــــــــي


3 - تعليق
نادر قريط ( 2011 / 1 / 26 - 21:49 )
اسمحوا لي يا أيها المعترضون.. فالثورة ليست للياسمين إنها ثورة الفقر..ثورة الحوار المقموع.
ثورة على قيادة عسكرية ل (كوافيرة) و هارب من المدرسة..
___________
بالفعل نحن نفتقد لنوعين من الكتابة:
أولا: كتابة المعرفة، التي تستند على المراجع والبحوث.. وهذا يريحنا من الأراء القسرية ولغو الحلاقين.
ثانيا : كتابة الأدب، التي ترسم للحياة أبعادها الغائبة.
شكرا د. لمى على هذه اللمسة الأدبية


4 - عذرا-
وائل حميد ( 2011 / 1 / 27 - 00:40 )
أعتذر منك ولكني شعرت للحظة بأني أستمع لقصة ليلى والذئب ما هذا ؟؟؟ لو أنك إهتميتي بالمضمون لا بالأسلوب لكان أفضل الجميع يعلم قصة هذا البطل اللذي أذل الطاغية وأزاله عن عرشه نحن أحوج ما نكون لقلم شجاع يصف الأمور بموضوعية وشفافية أنت وأمثالك تسخفون الحقائق بكتاباتكم هذه نصيحتي لك أن تكوني حرة وإلا فمهنتك تناسبك أكثر


5 - تحياتي
لمى محمد ( 2011 / 1 / 27 - 02:01 )
المبدع سيد الليلك

لا أعتقد بنظرية المؤامرة مطلقاً.. أتوقع أن قلة الثقافة، و البعد عن الكتاب هي الأسباب الرئيسة التي تجعل من إطلاق التسميات - و حتى الأسماء- تحصيل حاصل، و محتوى أجوف لا معنى له.. شكراً لمروركم


الأخ أبو شريف

تسرني ثقتك بي، شكرا لك.. ناقش النص كيف قتلت روح -بوعزيزي- نفسها، و لست هنا بغرض محاكمة جسده، و لا لتأييد فعلته، لكن الأسباب التي تقتل الأرواح لا تلفت النظر كرائحة الشواء، ذلك لأننا -كما أشار النص- شعوب لا تفهم الكنايات. شكرا لمرورك


الأستاذ نادر قريط

بما أنك فتحت موضوع الكتابة، و بما أنك رددت سابقاً على د.وفاء..فهل تعدنا بمقالات جديدة : لماذا و لمن و كيف نكتب؟
يسرني مرورك.. يسرني وجودك






6 - هل..............
رجا جميل حداد ( 2011 / 1 / 27 - 11:51 )
سيدتي الامينة لمى.

هل يمكننا ان نتخيل طبا وقائيا لا ينطوي على الزام وقسر؟

جليل احتراماتي


7 - تحياتي
لمى محمد ( 2011 / 1 / 27 - 20:55 )
الأخ رجا
نستطيع و نستطيع تخيّل ما نشاء.. الحياة مفتوحة لجميع الاحتمالات، لكنها أبداً لا تسلبنا حق الحلم، و لا شرف المحاولة. شكراً لمرورك

اخر الافلام

.. لما تعزم الكراش على سينما الصبح ??


.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة




.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?