الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة الياسمين التونسية : إنجازات وآفاق

محمد بودواهي

2011 / 1 / 26
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


يوم الخميس 13 يناير الجاري وعلى الساعة الخامسة مساء بتوقيت غرينيتش وصلت ساعة الصفر لديكتاتور تونس زين العابدين بن علي حيث غادر البلاد هو وعائلته الصغيرة على متن طائرته الخاصة التي جابت سماء البحر الأبيض المتوسط ذهابا وإيابا لتستقر أخيرا في المملكة السعودية بعد أن اعتذرت مالطا عن استقباله ، وبعد أن رفضته حليفته الاستعمارية فرنسا خوفا من إثارة غضب واحتجاج الجالية التونسية والمغاربية المتواجدة بكثرة في ديارها
غادر الديكتاتور البلاد بعد أن أقضى في الحكم أكثر من عقدين من الزمن ، كانت دهرا ، أذاق فيها مرارة العذاب للشعب التونسي الذي كان يئن تحت وطأة القهر والتسلط ، حيث كانت أجهزته البوليسية والمخابراتية المتعددة تمارس الطغيان والاستبداد ، ولا تتورع في اختطاف وسجن وتعذيب وحتى قتل وتصفية العديد من المعارضين السياسيين ونشطاء العمل النقابي والحقوقي ودفع الآخرين إلى مغادرة البلاد وطلب اللجوء السياسي .
لقد كانت الدولة التونسية بقيادة بن علي دولة بوليسية أمنية بامتياز حيث كانت التقارير السنوية التي تصدرها كل المنظمات الحقوقية الدولية وصحافة بلا حدود وغيرها تجمع على أنها من الدول العربية الأولى التي تصادر كل الحريات وتنتهك حقوق الإنسان أشد الانتهاك ، وتحاصر الأحزاب السياسية المعارضة وتمنعها من التنظيم القانوني والعمل الشرعي ، وتضيق الخناق على النضال الحقوقي ، وتتوجس من العمل النقابي والجمعوي الجادين ، وتتدخل في شؤؤن الصحافة والقضاء ، حيث كانت الصحافة كلها تقريبا تابعة للدولة ولا تنشر إلا ما يرضى عنه الحزب الحاكم وما يمجد أعماله ، وما يبارك خطواته ، ولا تغطي سوى تحركات الرئيس وزوجته وطاقمه الحكومي والوزاري وسفرياتهم وأنشطتهم الرسمية ، بالإضافة إلى ممارسة الدعاية لما يسمى بالنهضة التنموية والإنجازات الاجتماعية والتطور الاقتصادي التي تعرفها البلاد في ظل النظام ، وحيث كان القضاء أبعد ما يكون عن سلطة مستقلة إذ كان يخضع خضوعا مطلقا لوزارة الداخلية ، ويعمل وفقا لتوصياتها ويتحرك وفقا لأوامرها ونواهيها ، ويستعمل كسيف مسلط و كأداة قاهرة لتصفية الحسابات مع المناضلين السياسيين والحقوقيين والنقابيين ومع كل رموز المعارضة المتعددة المشارب والقناعات والرؤى ، حيث تلفق لهم التهم وتفبرك لهم المحاكمات ليتم الزج بهم في المعتقلات والسجون .
لقد كانت تونس بالنسبة للعديد من المتتبعين ولمؤسسات الرصد الدولية بعيدة عن أن تكون دولة مؤهلة لإحداث التغيير السياسي والاجتماعي حتى ولو كان محدودا وذو أفق إصلاحي . لقد كانت كل المؤشرات توحي بالإستقرار الاجتماعي ، كما كانت كل التقديرات لا تتجاوز في رؤيتها تلك المظاهر السطحية التي يبدو عليها الشارع التونسي لمدة تفوق 22 سنة من حكم الطاغية حيث كان أقصى ما يمكن أن يتبلور على مستوى المواقف والقرارات النضالية إضراب قطاعي معين كما حدث في إضراب الحوض المنجمي في السنة الماضية .
إلا أن العالم كله رأى كيف بعثرت الجماهير التونسية كل هذه الدراسات والتكهنات والاستقراءات ، ورأى كيف انهارت الدولة وكل أجهزتها القمعية في لحظات متسارعة بعد أن جاء التسونامي المدمر ، وكيف غادر الديكتاتور تونس تاركا وراءه منظومة سلطوية متكاملة تتوزع بين أجهزة بوليسية ومخابراتية نشطة - رغم المسيرة التي نظمتها بعض عناصر الشرطة مؤخرا والتي عبرت من خلالها على مواقفها المعادية للنظام السابق والمؤيدة لثورة الياسمين الشعبية - وبرلمان فاسد ومتعفن يحن للمرحلة السابقة ، ورجال دولة متمرسين في الديماغوجية وعلى ممارسة سياسة المناورة والتحايل متشبتين بالسلطة حتى النخاع ، مصممين العزم على محاصرة الثورة وتقزيم أهدافها وتمييع مدلولاتها وإفراغها من قيمها الإيجابية الحقيقية وتقطير المطالب والتنازلات قطرة قطرة ، ناهجبن مختلف أساليب التسويف والمماطلة واجترار الأزمة إلى أبعد حد ممكن في انتظار أن يتسرب الملل والعياء إلى نفوس المتظاهرين وتتشقق صفوفهم ، ويهتز تكتلهم ، وتتكسر وحدتهم ، فيتراجع حماسهم وتنطفئ يقضتهم ، وتبدأ شعلة الثورة وتوهجها في الخفوت ، فيتم الانسحاب من الشارع شيئا فشيئا إلى أن يندثر كل شيء ، مستغلين في ذلك غياب البديل السياسي الناضج وعدم أهلية احزاب المعارضة الحقيقية وشتاتها وعدم قدرتها على التقاط حدث الثورة في الوقت المناسب وتدبيره التدبير الصحيح للعمل على انتشال الشعب وإخراجه من دوامة الخوف على مستقبل الثورة المجهول وطمأنته على مصيرها إلى أن تصل إلى الأيادي الآمنة وتقطع إلى بر الأمان .
غير أن زخم الثورة ما فتئ يتطور حسب المستجدات التي تعرفها التطورات السياسية على الساحة حيث تعمل الجماهير الثورية على إبداع أساليب جديدة للحفاظ على وهج الثورة وجعلها سارية المفعول إلى حين إثبات أهدافها ، مكسرة بذلك كل محاولات الإفشال والتيئيس التي يراهن عليها أعداء الثورة معتمدة في ذلك على حماس الشباب الذي لا يلين وعلى يقظتهم التي لا تخفت ، وعلى الانترنيت ووسائل الاتصال الأخرى المتنوعة ، وعلى متابعة القنوات الفضائية التي ما لبثت تعمل على نشر مستجدات الأخبار ومتابعة التطورات على الميدان واستضافة كل الأطراف الفاعلة في الأحداث ومحاورتهم واستقراء آراء الجماهير وتقديم مختلف التحليلات السياسية لمختلف الرؤى والتوجهات والأطروحات .....
وكما هو معلوم ليس هناك ما يمكن أن يطمئن الشعب التونسي على ثورته المجيدة حتى لا تتربص بها قوى الشر والسوء التي لا شك أنها تعمل على قدم وساق لإجهاضها وسرقتها ، هو العمل - وفي أسرع وقت - على تشكيل حكومة وطنية مؤقتة لا وجود فيها لرجالات النظام السابق ، تشرف على تنظيم انتخابات نزيهة وحرة وشفافة ينبثق منها مجلس تأسيسي يعمل على سن دستور جديد يوفر كل الضمانات لتأسيس وبناء جمهورية ديموقراطية شعبية تكرس سيادة الشعب وتضمن فعليا كل القيم النبيلة للديموقراطية والحرية والعدالة والمساواة لكل المواطنين ، وتحترم حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا ، وتنهج سياسة اقتصادية اجتماعية وطنية وشعبية غير تابعة للدول الإمبريالية وقراراتها مستقلة عن توجيهات وتوصيات المؤسسات الاقتصادية العالمية الناهبة لخيرات الشعوب كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي ، وتوفر الشغل والعدالة الاجتماعية وكل مقومات الحياة الحرة الكريمة لكل المواطنين ولكافة شرائح الشعب ، وتحقق المساواة بين الرجل والمرأة ، ويعترف بكل الهويات الإثنية والثقافية للشعب التونسي ، ويقضي على كل مظاهر الفساد والمحسوبية والرشوة ، ولا يميز بين الجهات المختلفة للبلاد ، ويعمل على تنمية كل المناطق الهشة البئيسة التي كانت مقصية من أي عمل تنموي في مرحلة الظلم السابقة ، وتعمل أخيرا وليس آخرا على تقديم كل رموز التظام السابق وسارقي المال العام وناهبي ثروات البلاد إلى المحاكمة واسترجاع كل أملاكهم ومطالبة كل الأبناك الدولية بتجميد أموالهم وبنشر مدكرة توقيف في حقهم .....
إنها لثورة مستمرة حتى النصر النهائي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الصديق الغالي بودواهي
سامي ابراهيم ( 2011 / 1 / 26 - 21:24 )
تحية حب لك أيها الصديق الغالي على قلبي محمد بودواهي.
لا شك بأن ماقام به الشعب في تونس هو عمل بطولي سيخلد على مدى الأجيال وهو سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه
لكنني أعتقد بأن الثورة في تونس ستموت، وستفرز قادة ديكتاتوريين مستعبدين، لماذا؟ لأن القادة لا يأتون من الفضاء، القادة هم من صميم هذا الشعب، -زين العابدين بن علي- هو مجرد اسم لنظام يفرزه شعب.
المجتمعات العربية بحاجة لإعادة تأهيل، بحاجة لمناهج جديدة في التربية، بحاجة لبرامج جديدة تنصّب في عقل الطفل، لتُحدث ثورة عقلية فكرية. والمجتمعات العربية في اشد الحاجة لتكوين عقول.
المجتمعات الغربية تمكنت من تشييد مصانع تنتج العقول المبدعة، بينما المجتمعات العربية تفتقر للعقول المبدعة، تفتقر للعبقرية، وهي عقول عديمة الاختراع
الإنسان في تونس كان مسلوب الإرادة، نهض وثار وغير، ولكن ستستغل فئة قليلة هذا التغير لتصبح -زين عابدين- جديدة، فلا شيء تغير في عقلية الإنسان في تونس، الإنسان في تونس سيبقى مسلوب الإرادة، لأنه عاش سنوات كثيرة مسلوب الحرية..
يتبع


2 - تعليق 2
سامي ابراهيم ( 2011 / 1 / 26 - 21:27 )
ستصل طبقة أو فئة معينة للسلطة في تونس، ستقيم حكم ديكتاتوري بحجة أن البلاد تمر بمرحلة انتقالية وستدعي أنها ستضبط الوضع الأمني ريثما يتم الوصول للديمقراطية الحقيقية المثلى.
ستفرض على الشعب انتخاب نواب يمثلون سلطة تشريعية يمثلون الشعب ويراقبون سير أعمال السلطة التنفيذية -النخبة الحاكمة-، وسيكون هؤلاء النواب تحت تصرف القيادة الحاكمة التي ستضمن لهم بالمقابل تكسّباً ومكانةً دائمةً في البرلمان بإعادة انتخابهم وبالتأكيد التستر على مايقومون به.
وسيتم تعيين هيكلية جديدة لجهاز المخابرات وجهاز الأمن والشرطة والقضاء بما يخدم الفئة الحاكمة.
يبقى التحكم في المفصل الأساسي في الحكم والذي يتحكم في موازيين القوى في حال تعرض الفئة الحاكمة لثورة جديدة ألا وهو ((الجيش))، فطلقة واحدة من مدفع دبابة ستخمد أعظم الثورات، وعندما تسيطر على الجيش تسيطر على البلد، ولو أن الجيش استجاب لأوامر -بن علي- لسحق الثورة في تونس وقضى عليها وأزال آثارها من الوجود.
الفئة الجديدة لن تقع بنفس الخطيئة، ستضمن ولاء الجيش فهو عماد قوتها وركيزتها.


3 - تعليق 3
سامي ابراهيم ( 2011 / 1 / 26 - 21:28 )
تطبيق الديمقراطية في مجتمعات غير مهيأة للديمقراطية هو حربٌ أهلية وتمزيقٌ لجسد الشعب، مثل ديمقراطية العراق وديمقراطية لبنان.
تطبيق الديمقراطية على شعوبٍ غير مهيأةٍ هو سلاحٌ خطير محشو ملقّم في يد طفل يلهو به ويعبث.
الديمقراطية هي حكم الشعب، الديمقراطية هي أن يكون الشعب سيداً حقيقياً، لكن من يتحكم في زمام الأمور ومن يستأثر بوسائل التمثيل في تونس هي طبقة من الأغنياء البرجوازيين، إنها توهم الإنسان أنه حر في الانتخاب، لكن عملية الانتخاب والاختيار في الحقيقة ورغم وجود حرية ظاهرة ما هي إلا حرية مزيفة وتزويرا لإرادة الشعب وخداعا له وانتهاكا لسيادته وتكسباً من ثورته. إن هذه الطبقة التي استأثرت بوسائل التمثيل كمن تقول للإنسان في تونس: -أنت حر في الانتخاب ولكن لقمة عيشك بين يدي؟-
بكل بساطة المجتمع التونسي مواطنوه ليسوا أحرارا، شأنهم شأن الإنسان في دول العالم الإسلامي، إنسان غير متحرر من الخوف والجهل والعوز والتخلف والفساد والمرض.
لا يمكن أن تتوصل إلى ديمقراطية حقيقة دون استكمال شروط الحرية.


4 - تعليق 4
سامي ابراهيم ( 2011 / 1 / 26 - 21:32 )
بكل الأحوال أيها الصديق الغالي بودواهي هذا لا ينفي بطولة الشعب التونسي ولا ينال من عظمة أبناءه ونضاله ضد القهر والاستبداد ، وما ذكرته أنا ليس تشاؤما بل هو قراءة للواقع التونسي باعتبار تونس إحدى بلدان العالم الثالث وعاشت سنوات طويلة م القهر والقمع والاستبداد.
دمت بخير ولك حبي أيها الغالي على قلبي كثيرا
ألقاك بخير


5 - العزيز علي سامي
محمد بودواهي ( 2011 / 1 / 27 - 14:00 )
تحياتي الخالصة وأشواقي الحارة لك صديقي العزيز سامي إبراهيم
صحيح الأخ سامي أن الثورة الشعبية الديموقراطية لا يمكن أن تصل إلى أهذافها الكبرى النهائية المتمثلة في التحرر الشامل إلا إذا وصل هذا الشعب إلى ذاك المستوى الجيد من الوعي السياسي الذي يمكنه من حكم نفسه بنفسه عن طريق مؤسسات منه وإليه
ولكي يصل الشعب التونسي إلى هذا المستوى المرغوب فيه من النضج السياسي والوعي الطبقي لا بد من وجود أداة سياسية ثورية قادرة على قيادة نضالات الشعب وتوجيهها التوجيه الصحيح في أفق إحداث تغيير مجتمعي شامل ومخطط له
في حالة تونس ، بل حتى في حالة ما قد يتبلور مستقبلا في حالات مصر والجزائر واليمن ، نرى كيف أن الشعوب هي التي تقوم بالنضالات وتقودها وتنظمها ، وهي التي تقاوم وتستميت ، وتناور وتخطط من أجل حماية الثورة وضمان استمراريتها في انتظار أن تنضج بعض الشروط الذاتية لمجموع تنظيمات سياسية نظيفة لكنها مع الأسف غير مهياة بالشكل الكافي للقيادة كالحزب الشيوعي التونسي على سبيل المثال
إن المرحلة السياسية التي يطمح الشعب التونسي حاليا في تحقيقها على أرض الواقع هي تلك التي تتعلق بالقطع مع الحكم الديكتاتوري
تابع


6 - تابع
محمد بودواهي ( 2011 / 1 / 27 - 14:14 )
.... هي تلك التي تتعلق بالقطع مع الحكم الديكتاتوري والانتقال على الأقل إلى دولة المؤسسات في انتظار أن تنضج الشروط لتحقيق ما هو أفضل
إن التغيير صديقي سامي يأتي على مراحل إذ كلما تم انتزاع مكتسبات كلما فسح المجال لانتزاع أكثر ، هذا دون الكلام طبعا عن الارتدادات التي تحصل مع سيرورة التاريخ
مع كامل تقديري لك صديقي العزيز

اخر الافلام

.. ندوة سياسية لمنظمة البديل الشيوعي في العراق في البصرة 31 أيا


.. مسيرات اليمين المتطرف في فرنسا لطرد المسلمين




.. أخبار الصباح | فرنسا.. مظاهرات ضخمة دعما لتحالف اليسار ضد صع


.. فرنسا.. مظاهرات في العاصمة باريس ضد اليمين المتطرف




.. مظاهرات في العديد من أنحاء فرنسا بدعوة من النقابات واليسار ا