الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايا من مدينة كلكامش الحلقة 14

نجم عذوف

2004 / 10 / 2
الادب والفن


أوصدت الريحُ أبوابها ، زحفت التكهنات الوهمية نحو أسرة القلق ، ثَّمَ قادمٌ سرابيٌ ينثرُ أقبيتهُ الجانحةُ تحت إنسراح الظهيرة ، تلمُ الغيوم المنفلتةُ أطراف رذاذها المبعثر وترسم على هام الدفلى همسات القطر ، أصواتها المبحوحة بأزيز الاصطدامات تتقاسم صمت الأديم المنخلع . هراء ليالينا المتجمدة يتدفأ بحرارة الترقب .

جاءوا .. جاءوا .. أملٌ يتبع أمل .. حذرٌ يتبع حذر ..
يا كهرمانتي .. عيوننا الشاخصة نحو أفق لا نبصره ، عيوننا المترقبةُ قادمٌ يقتلع خوفنا الدفين طوال السنوات العجاف .. علنا نفتح باب الحذر ونقتنص لحظاتنا التي أهملتها ارتباكات السنوات .. خلف المتاريس يقف الأمل حاملاً سلاحهُ ، عفوية صمتنا أطلقت عنانها باتجاه المطاردة .
أيتها الكهرمانة النرجسية التي أخرجت من داخلنا الخوف ، ها هم يفصحون أن ثمة خيار واحد لبقاءنا ، هو سباباتنا المتوحدة التي يعشقها الزناد .... سَبّاباتنا التي تجمعت ... تجمعت .. فأصبحت واحدة ..
الاتجاهات التي أهملتنا بدأت تبحث عنا .. تجمعنا حول أنفسنا ، رسمنا القادم الأكثر من الخيال ، جمعنا الآمال فأصبحت جبلا نحتمي به من ترحالنا الذاتي .. من سنواتنا المنفلتة .. من همومنا المتلاصقة .. من حطامنا .
يا كهرمانتي .. النداء الذي كان يلتف حولنا .. هو .. :- جاءوا .. من أين لا نعرف .. من هم لا نعرف .. وظلت هذه الكلمة تتردد كثيرا .. جاءوا .. جاءوا .. قادمون .. وصلوا... لا يبعدو سوى بضع الكيلو مترات .. كلها كانت شحذ للشجاعة .. شحذ للانطلاقة الأولى .. للسبابة الأولى التي تعلن بداية النهاية ، هكذا كان الترقب ، هكذا كانت الرؤيا .
في وسط السوق المسقوف الذي يعتبر الشريان الابهر للمدينة ، والذي يحتضن نصفي المدينة كالبطين الأيمن والأيسر ، كان الانفجار الأول ، إنها الطلقة الأولى التي حطمت كل الحواجز ، حواجز الخوف ، حواجز التسلط ، حواجز الدكتاتورية المستبدة .. كانت وكأنها الإشارة الأولى لإسقاط كل الأقنعة المزيفة ، كأنها انهيار النفوس الضعيفة ، هكذا بدأت الحكاية ، سريعة ، خيالية ، انهيارات متلاحقة ، ما هي إلا لحظات وجاءت النداءات متتالية أحدها يتبع الآخر .. نداءات تتسابق نحو ضفة الخلاص والحرية .. وبدون سابق للحدث وبدون تخطيط كان ما كان .
يا كهرمانتي التي تبعث الفرح دوما في دواخل الحكايات ، ها أنت تبعثين الفرح مرة أخرى ولكن أين ، في نفوس الثوار والمجاهدين من أبناء مدينة الجهاد مدينة ( الفالة والمكوار ) مدينة النضال والجهاد مدينة كلكامش ،
الهدف الأول كان مركز شرطة الشرقي ، الشرقي المملوء بالشجاعة والذي يحسب له الحساب ، الشرقي الذي كانت له حكايات وحكايات ، تارة على شكل عنف وأخرى على شكل مزحة ، أطبق الثائرون على أسوار المخفر كعقابٍ يمسكُ على الفريسة ، ماهي إلا لحظات جهادية رائعة وتسقط الفريسة سهلة في شباك الصياد ، فريسة لكنها أية فريسة ، كانت تتبجح بالقوة والعنف وها هي تنهار ذلك لأنها كانت موهومة بقوة لاوجود لها ، قوة مزيفة طالما وجدت لكنها غير موجودة وهذه هي اللحظة التي كَشَفَتْ كل أمورها .
بعد هذا الحدث الأول انهارت كل الحواجز الآخر واحداً تلو الأخر ، فبدأ الغربي الشفاف ، الغربي الذي يتحدث بهمس العاشقين أنْ يخرج من شفافيته وهمسه ليصرخ وبعنف ، نعم بعنف ، لإسقاط كل الأقنعة ، لإسقاط مظاهر الخوف والرعب والدمار ، لإسقاط كل الابتزازات ..
الحيدرية هي أيضا قامت وفتحت صدرها للرصاص ، انه يوم الخلاص يوم لابد منه ، سكتنا طويلا ، عانينا كثيرا ، لابد لنا أن نكون كما قال شكسبير ( نكون أو لا نكون تلك هي العلة يا صاحبي ) .
أيتها الكهرمانة القادمة من علو الآلهة وحاملة على رأسها تاج الجمال الإلهي ، والتي تنظر من فوق أسوار الآلهة إلى كل الأحداث أراك تبصرين ألان كيف هم ، انهم يحملون قلوبهم المؤمنة ، قلوبهم التي تغلي منذُ زمنٍ ليوم الحرية ، يوم التحرر من العبودية والاستغلال .
كانت الأحداث تتوال بسرعة البرق وكان الريح العاصفة تحمل الشرار لكل الاتجاهات وكل الأماكن .. هكذا خرجت القشلة الابن الأصغر للمدينة المقدسة مؤازرا اخوته في الجهاد والانتفاضة لتنقض على الفريسة كالليث الذي أتخم جوعا ، وها هو ألان يواجه فريسته المهزوزة ، فريسته المنهارة القوى .
يا كهرمانتي ألمْ اقل لك إن السبابة واحدة ، ألمْ اقل إن الزناد كان ينتظر توحد السبابة ، وها هي توحدتْ .. كان حاضراً يا كهرمانتي مع الثوار والمنتفضين في غضبهم ، في ثورتهم الشعبية ( لوركا ) انه قادم من ثورته الشعبية الأسبانية ، الكل كان يراقب ويهمس في أذنهم تقدموا ، بود لير ، كافكا ، اراكون ، شكسبير ، غابريل القادم لاتينيته كان يرسم لوحاته الجميلة في ذاكرة التاريخ وكأنه يحمل قلب مدينتنا في روايته ( خريف البطريرك ) وهذه المرة أبطالها هم أبناء كلكامش ومكانها هو الوركاء المدينة المقدسة ، وشخوصها ، حقيقيون ، بسطاء ، رائعون ، عفويين ، لكنهم كانوا يمتلكون شيء واحد ، وهو الأقوى والأروع ، انه التحدي والإصرار ، الأسماء كثر والشخصيات كثيرة ، الأحداث تتوالى ، كلكامش كان حاضرا يرقب أحفاده بنشوة المنتصر ، والى جانبه بطلنا العظيم انكيدو وهو يندفع أمامهم ويشحذ الهمم ، بجسده الضخم ،كان الوركاء خرجت في ذلك اليوم من حلتها ، ارتفعت أسوارها ، نساءها يزغردن بنشوة لهؤلاء الأبطال ، لهؤلاء المنتصرين ، لهؤلاء المجاهدين .
يا كهرمانتي أتعلمين أن المتنبي العظيم كان حاضرا أيضا مع فرسانه ، فرسان الصحراء وهو يتفاخر بهم ..
على قدرِ أهل العزم تأتى العزائمُ .... وتأتى على قدر الكرام المكارمُ
ها هو جمع فتيان المدينة ، مدينتهُ التي حط على امتداتها ، وها هو يعلن التمرد الذي بدأه قبل ألف عام في بادية السماوة .
أتعلمين يا كهرمانتي الجميلة ، يا ملهمة كل حكاياتي ، أن القمامة أصبحت مأوى لجثث طالما حاولت أن تدخل الرعب في قلوب بنات سومر وأطفالها ، الجثث التي أزهقت أرواح الأبرياء من أبناء الوركاء ، إنها اليوم تتعفن في قمامتها .. وقد استقر الأمر في المدينة وانتهى كل شيء .. المدينة التي خرجت لخلاصها مجاهدة ها هي اليوم تخرج لتنظيم شؤون حياتها وامانها واستقرارها .
يا كهرمانتي التي وهبتني إياها آلهة سومر سأكمل لك حكايتي هذه في لقاء قادم فافتحي الواحك واكتب ما تلوته عليكِ من حكاية الجهاد والنضال
حكاية الخلود البقاء كبقاء سومر وأبطالها في ذاكرة التاريخ ، تاريخ العراق المجاهد الذي أغور في زاوية من زوايا تاريخه العظيم أسرد لكي الحكايا تلو الحكايا ، عن ليال الجهاد والبطولة والعنفوان والشموخ ،
هكذا هم أبناء العراق ، أبناء المجد ، أبناء الجهاد ، أبناء علىٍ والحسين ، أبناء المتنبي وكلكامش ، أبناء محمد باقر الصدر وابناء صارم وفهد ،
هكذا هو العراق وهكذا هم أبناءه أبناء كاوا الحداد وكاظم عبد السادة ،
وفي ليل العراق اسرد حكايتي والتقيك مرة أخرى وأنت تكتبين الحكايا كلها .. موعدنا هو العراق ...العراق... العراق ..
يا يومَ وقعةَ زوراء العراقِ فقد .... دُنا الأعادي كما كانوا يدينونا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا


.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -عالماشي- في العرض الخاص بالفيل


.. الطفل آدم أبهرنا بصوته في الفرنساوي?? شاطر في التمثيل والدرا




.. سر تطور سلمى أبو ضيف في التمثيل?? #معكم_منى_الشاذلي