الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضية فرحان/قصة قصيرة/

تحسين كرمياني

2011 / 1 / 27
الادب والفن


لا يحدث الصمت في بلدتنا(جلبلاء)ما لم يحصل خسارة شاملة،تمس الناس بشكل متساوي، مثلما الشمس تغزو الحياة من وراء الأفق،لا تفرق بين الناس والبهائم ولا الشجر،ذلك هو التفسير المنطقي لما حدث،فالأمر دعا خروج مبكر لوجوه النسوة دفعة واحدة،تراءت عيونهن كرات زجاجية لامعة تسبح في بركة الذهول،مع انتشار أوشحة الفقر صفراء تكسو الملامح بسؤال الحيرة،بومض الموت الساكن في أحياء الفقراء والمساكين،التناغم المتكاتف للقلوب،جعل نبض قلب البلدة،مضخة كهرومائية تدوي عبر تفرعات الصمت الحاصل،رافعاً أجنحة المصير القديم،حيث أوراق الرعب تمشي ظلاً للبشر،حيث الناس كانت تستقبل العيد بفقر كريم،برضا لا توزن بأموال العالم التي يسمونها(وسخ الدنيا)،لا طفل يسأل ذويه ألحافاً،لا امرأة تثقل كاهل زوجها بثوب جديد للعيد.
ففي الصبيحات المماثلة،كانت مطابخ البيوت تضحك عبر ضوع اللحم المتبخر،مستقطبة القطط الجائعة،والكلاب شبه اليابسة،وجالبة من المزابل والمستنقعات المائية في الوادي الكبير كل الذباب،هناك فوق كل بيت غيمة ذباب يطن،في انتظار موائد العيد،الناس يسكنون الفردوس،الكل يتهيأ لملئ معدته بطعام العام،بطعام العمر،بطعام قد لا يتكرر في بلدة أثخنتها الحرب وأهملتها السلطة كونها بلدة(قوميات).
ـ تأخر فرحان..!!
الشمس المتصاعدة،البطون المتقرقرة،والنساء يواصلن حفر الصمت بعيون تحجرت،لسانهن أجتمع من غير مساعي حميدة أو مبادرات صلح.
كانت مع صعود الشمس قدر رمح من الأرض،تأتي عربات كبيرة،يدفعها شبّان غرباء، يتقدمهم(فرحان)الرجل الشهم كما لهجت ألسنة البلدة،الرجل الذي ظل يحشر اللحم في جوف أبناء بلدته بلا ثمن أو سبب.
يبدأ بقرع أبواب المنازل،تندفع النساء لتكحيل عينيهن برؤية شاب شاع أنه يمتلك مواصفات الملائكة،رغم شاربيه الكثين وقصر قامته،يبادلهن البسمة وهو يناول اليدين المرتجفتين كيس لحم هدية يوم العيد.
ربما بداعي إدخال السرور إلى قلوب الجوعانين واليتامى يفعل هذا العمل الإنساني النبيل،
كلام اتفقت الناس عليه.
ـ فرحان تأخر أكثر مما يجب..!!
قالت امرأة لجارتها..
ـ أرجو أن لم يوش به واشي واعتقلته الحكومة جراء عمله الصالح..!!
تجيب المرأة وتنقل نظراته القلقة إلى الدرب.
الرعب الأزلي المتواجد،ينهض مع الخوف،مع الصمت،رعب مزروع،أغنية تعيسة تحقنها قوى الظلام في نفوس الأبرياء،بداعي التطويع،بداعي الترضيخ،بداعي الامتثال،تلك هي من مفردات قواميس شعبة الظالمين.
ـ ماذا نطبخ لغداء العيد..!!
سؤال شامل،مقروء في العيون،في الخوف المتنامي على خدود نساء ما ذاقت الألوان المانحة مسحات الجمال.
ـ مات فرحان..قتل..أعتقل..!!
وقائع ممكنة في بلدة تاهت في مستنقع التحديث.
انتهى العيد،لا كلب وجد نشيد الحرية،لا قطة تم استدعائها لتحتفل فوق المزابل بأكوام العظام،ونسوا القضية برمتها،أجسادهم شبه مائتة،رؤوسهم لا تمتلك فرص التأويل والبحث، أرواحهم كسولة،لا تستعيد دورتها القدرية،إلاّ حين يأتي الفرح من(فرحان)،يطرق الأبواب،يوزع أكياس اللحم مع ابتسامته القدرية،البلسم القاتل لجرثومة الفقر في أفق البلدة،ويحصل ذلك مرتين كل عام.
نسوا القضية..نسوا طعم اللحم..نسوا طعم السعادة..نسوا أنهم متواجدون بقايا بشر من مخلفات عصر الرعب في الحياة.
خارج أسوار البلدة،خارج مملكة الفناء المتنامي لموجودات الطبيعة،الجبال المنسوفة،الوديان المستغلة،البشر المصادر،هناك كانت قضية كبيرة تشغل رواق محكمة بلدة(سعدلاء)،كان (فرحان)شهم(جلبلاء)فارس أعيادها،كرنفال السعادة لنسائها،يقف كل يوم وراء قفص،لا يمتلك لساناً ليذود عن حرمة رقبته،كان يحرك رأسه معترفاً بإثمه.
تم شنقه وسط جمهرة ناس ألقت على جدثه أكوام الأحذية العتيقة وكل حجارة الساحة.
في بلدته(جلبلاء)تم صنع تمثالاً طينياً له،وضعوه على منصة تتصدر سوق البلدة،وكل امرأة تمر بالقرب منه،تمنحه قبلة هوائية أو تحية أعجاب.
أهالي(جلبلاء)لم تحدهم الرغبة لمعرفة جريرته،فهو معروف بمواقفه الإنسانية،الكل ظن سراً أن الحكومة شنقته كونها ترفض الأعمال الكبيرة،والعمل الذي يقوم به من باب الدعاية الانتخابية،خشوا من ارتفاع أسهمه الشعبية،ووصوله إلى سدة الحكم،لذلك أعدموه،هكذا اقتنعت الناس.
بينما كان يمضي عبر الألسنة قدماً ليغدو أسطورة(جلبلاء)،كان في مدرج خشبي داخل غرفة في محكمة بداءة(سعدلاء)ملف قضيته يتهيأ ليغدو لقمة سائغة لحشرات الأرضة وآفة النسيان.
مختصر القضية،كان(فرحان)يجمع كل عيد حمير البلدات البعيدة،لينحرها ويوزع لحومها على الناس..!!
رغم شيوع الكلام،لم يصدق أحد ذلك،كونه كلام منقول من بلدة ناسها أثرياء فوق العادة..!!
***









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي