الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لبنان ليسَ وطناً

وهيب أيوب

2011 / 1 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


ما زال اللبنانيّون يعطون الدرس تلو الدرس، أنّهم ليسوا وطنيين بقدر ما هم طائفيين، ويثبتون اليوم تلو اليوم، أن لبنان مزارع طائفية ومذهبية، لا وطناً نهائيّاً ودولة ديمقراطيّة.
وما الديمقراطيّة الطائفيّة التي يتّبعونها، سوى بِدعة وافتئات على النظام الديمقراطي الذي شوّهوه بنسخةٍ ممسوخةٍ من صنيعِهم.
يروق للبنانيين، كما لكل العرب، أن يرموا بمشاكلهم وصراعاتهم وأسبابها لجهات وتدخلاتٍ خارجيّة. ولكن ألا يسألون أنفسهم، من أتاح ويُتيح لهذا الخارِج أن يتدخّل ويعبث بشؤونهم الداخليّة في كلِّ صغيرة وكبيرة، لولا أنّهم هيّأوا المناخ وأتاحوا الفرص لكل من أراد...؟
أثبتَ اللبنانيون عبر تاريخهم أنّهم فشلوا فشلاً ذريعاً في بناء دولة مدنية ديمقراطيّة، تكون فيها المواطنة هي الأساس، على الرغمِ من مرورهم بأكثر من حربٍ أهلية، ليس، وسوف لن يكون آخرها حرب عام 1975.
لقد باتت الأرض والظروف اللبنانيّة مؤهّلة لحربٍ أهلية جديدة، ستكون أعنف وأشرس من سابقتها، بحيث لن تُبقي ولن تذرّ.
وحيثُ بات الانقسام عموديّاً عميقاً، واختلطت الطائفيّة بالسياسة، ولبست لبوساً، تعذّر معه على المراقب تمييز الطائفيّة عن السياسة أو السياسة عن الطائفيّة..؟ إنّها البنّدقة اللبنانيّة التي لا يجاريهم فيها أحد...!
فالأحزاب اللبنانيّة في معظمِها الساحق، عبارة عن طوائف مُنضوية في أحزاب، "حزب الله" و "حركة أمل" شيعيّة، التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط، دروز، "الكتائب" "الوطنيون الأحرار" "القوّات" "التيار العوني" مسيحيون، "تيار المستقبل" وإن كان يشكل تحالفاً مع بعض الشخصيات غير السنيّة، إلا أنّه غالباً يمثّل الطائفة السنيّة، وهكذا.....
ولكل طائفة وحزب، ارتباطاته وتحالفاته الخاصة، إقليميّاً وعربيّاً ودوليّاً. وتلك الصيغة حقيقة لا يمكن لها أن تعبّر لا عن وطن ولا عن دولة ولا عن ديمقراطيّة، إنّها على حدّ المثل الشعبي اللبناني توليفة تُسمى "طبيخ الشياطين".
فكيف لهؤلاء أن يكونوا دُعاة وطنٍ واحد، وكل منهم يريده على مقاسه أو بحسب ارتباطاته القريبة والبعيدة..؟
الأنكى من ذلك كلّه، أنّهم جميعاً في خطاباتهم المُتلفزة، يُنكرون توجّهاتهم الطائفيّة، وكل فريق يرمي الآخر بهذه التهمة، فكيف بالإمكان تجاوز واقع لا يعترف أطرافه بأنّهم، هم، أصحابه وأربابه الصناديد..؟!
لا يُمكِن إدراج الصراع الحالي في لبنان في خانة الصراع السياسي، ولا حتى الطائفي فحسب، لأن لغة التخاطب بين الفرقاء تعدّت ذلك بكثير، ووصلت حالة عدم الثقة حدّ التخوين والتهديد والتشهير، والعِداء المُستحكِم.
ما لم يكن بالحسبان، هو ما جرى في الآونة الأخيرة، عندما تمكن حزب الله وحلفائه في 8 آذار من إسقاط حكومة الحريري التي تُمثّل فريق 14 آذار، بالاستحواذ على رئاسة الحكومة المُمثّلة برئيسها "السنّي" القادم، نجيب ميقاتي، عبر انقلاب بعض الفرقاء وأهمّهم كتلة وليد جنبلاط، الذي نُعِت بالأمس من قِبل "حزب الله" بأنّه يُمثّل الغدر بعينه، واليوم بالتأكيد بعد انقلابه الدراماتيكي سيحظى بنفس اللقب من قوى 14 آذار. لقد انحدرت الأخلاق السياسيّة في لبنان، لدرجة أنّك تنام على شيء وتصحو على آخر يختلِف تماماً.
هذا هو الطعمُ الحقيقي لـطبيخ الشياطين، بل سياسة أُسمّيها "قفز السعادين".
حزب الله الذي يُرهب اللبنانيين بسلاحه وتهديداته، إن لم يتخلّوا عن المحكمة الدوليّة وقراراتها التي قد تصدر عنها، كسب هذه المرّة معركته بالسياسة التي يظلّلها السلاح، دون الحاجة لاستخدامه هذه المرّة. وتعاملَ منذ التلويح بالقرار الظنّي للمحكمة الدوليّة "كاد المريب أن يقول خذوني" رافضاً المحكمة برمّتها، وطالباً من خصومه التخلّي عنها... باختصار، إما أن تقبلوا بالقتل والاغتيال، وطيّ الصفحة، وإلاّ....
لكن المُفاجئ من فريق 14 آذار أن ينزلق للأسلوب الذي كان يرفضه على الدوام ويتّهم فيه حزب الله، من الاحتكام للشارع وإشاعة الفوضى، لا بل إطلاق شعارات طائفيّة فضّة وتحريض الناس من بعض رموز 14 آذار علناً وشحنهم طائفيّاً، فسقطوا في الفخ الذي استُدرِجوا إليه بلعبة سياسيّة مُتقنة نظّمها حزب الله وحلفائه في الداخل والخارج بأساليب الترهيب والترغيب، ولكن بمسار دستوري قانوني بحسب الصيغة الديمقراطيّة اللبنانيّة.
وما جرى في طرابلس وبيروت من فوضى واعتداء على الصحفيين ووسائل الإعلام وإشاعة الفوضى في الشارع، كانت غلطة قاتلِة لتيار المستقبل وأنصاره.... وغلطة الشاطِر بألف.
هذا التأجيج الطائفي والمذهبي المُستخدم من قِيل جميع الفرقاء، واستخدام الدين في السياسة والعكس، سيؤدّي عاجلاً أو آجِلاً، إلى فوضى الشارع وإلى صدامات عنيفة لن ترحم أو تستثني أحداً.
من غير المتوقّع أن يستطيع مرشّح رئاسة الوزراء الجديد نجيب ميقاتي تسيير حكومة يرفض فريق 14 آذار المشاركة فيها، مُطلقين عليها "حكومة حزب الله".
لقد باتت الحياة السياسيّة في لبنان معقّدة، لدرجة شبه استحالة استمرار الوضع على ما هو عليه، وهي مرشّحة لتطورات مفتوحة على جميع الاحتمالات، بما فيها تهيئة اللبنانيين أنفسهم لأسوئها، وادّخار المواد الغذائيّة والتموينيّة.

الجولان المُحتل/ مجدل شمس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نيويورك تايمز: صور غزة أبلغ من الكلمات في إقناع الآخرين بضرو


.. فريق العربية في غزة.. مراسلون أمام الكاميرا.. آباء وأمهات خل




.. تركيا تقرر وقف التجارة بشكل نهائي مع إسرائيل


.. عمدة لندن صادق خان يفوز بولاية ثالثة




.. لماذا أثارت نتائج الانتخابات البريطانية قلق بايدن؟