الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انهم يسرقون الكحل من العيون؟

كفاح محمود كريم

2011 / 1 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


في السنوات الغابرة كانت كثير من الممارسات التي تعاقب عليها القوانين، سائدة في المجتمع ومدعومة بكثير من المفاهيم والأعراف الجاهلية التي تختزنها وتنتجها المجتمعات البدوية والقروية عموما وتضعها في خانة الشجاعة والفروسية، وليست عمليات الغزو بين القبائل التي كانت سائدة الى ما قبل عشرات السنين الا واحدة من تلك الممارسات التي شاعت بين الناس وأصبحت مقبولة حتى بنتائجها المأساوية، هذه الغزوات او الممارسات التي تعرف اليوم بكونها جريمة عدوان واغتصاب وقتل وسرقة مصحوبة بالقوة او النهب والسلب، وهي واحدة من الجرائم الكبرى المخلة بالشرف، كانت جميعها تبرر تحت سقف الغزوات بين القبائل او القرى، ولم تكن من العارات بل كانت من المواقف والبطولات التي تتحدث بها المجتمعات في تلك الحقبة بكثير من الفخر والاعتزاز، وهي مليئة بالمآسي والمخازي!؟

لقد كان السارق الى تلك الفترة من السنوات يعتبر رجل الليل الشجاع الذي لا يعيبه هذا الفعل الشنيع، حيث يطلق عليه في كثير من المجتمعات المحلية بـ ( الحشنشل ) الذي يتميز بالشطارة والجسارة في مداهمة البيوت الآمنة ليسرق أموالها وربما يقتل أصحابها أيضا إذا ما تطلب الأمر، بل على العكس كان محط إعجاب الكثير من الناس، فقد كان الشرف الشخصي وما يزال حتى يومنا هذا في كثير من المجتمعات، يرتبط بالأعضاء التناسلية لكلا الجنسين بصرف النظر سلبا أو إيجابا عن ممارسات صاحبه خارج تلك المنظومة المحصورة هناك، بمعنى إن السرقة او القتل او الكذب او الاغتصاب او النفاق والتدليس والعبث بالأموال العامة ومصالح البلاد العليا والدنيا، لا يؤثر على سمعة الشخص وهويته الاجتماعية طالما كان شرفه الجنسي سليما معافى!؟

صحيح إن جل هذه الممارسات كانت قبل عقود من الزمان وربما كانت تتكثف في القرى والأرياف التي انتقلت بكثير من سلوكياتها وممارساتها الى المدن الكبيرة وأطرافها وشكلت مجتمعات هجينية مشوهة الشكل والمضمون أثرت بشكل سلبي على تطور المدن ومجتمعاتها المدينية وتسببت في فقدان خصوصية كليهما الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية، الا أنها أيضا لم تسمح لتلك المدن ومجتمعاتها عبر كثير من هذه المراحل في احتواء تلك المجاميع القروية وتمدينها، بل حصل العكس إذ انتقلت كثير من العادات والتقاليد والممارسات القروية والبدوية الى المدن ومجتمعاتها، مما أغرقها بأنماط من السلوك والتصرفات وأضفى عليها صبغة لا تتلائم مع نمط المدينة ونهجها ومراحل تطورها.

وإذا كان ما حصل من عمليات سرقة منظمة لأموال الدولة ومكتنزاتها من قبل النظام السابق وقياداته وتهريبها الى خارج البلاد قد وضع في خانة رد الفعل لما حصل على خلفية ان البلاد تعرضت لاحتلال من قبل قوى اجنبية وانهم اقنعوا انفسهم باستباحة المال العام، فكيف نعلل ما حصل من عمليات سلب ونهب واسعة النطاق شملت معظم انحاء البلاد، ووصلت الى ذروتها في الاستحواذ على موجودات الدوائر والمدارس والجامعات من كل شرائح المجتمع باستثناءات لا تقارن مع حجم الكارثة التي وقعت!؟

لم تمض الا سنوات قليلة الا واكتشفنا اجيالا جديدة من خريجي تلك المدرسة التي اباحت عبر مئات السنين الاستحواذ على كل شيء بالسرقة او الغزو او السلب والنهب، وما يرافق تلك العملية من اغتصاب او قتل وايذاء في عمليات منظمة ونوعية بالشكل والمضمون من حيث الاختلاس والسرقة والفساد، التي تجاوزت مستوياتها القياسية في أي دولة اخرى من دول العالم، حيث اشتركت فيها مجاميع من مسؤولي الدولة بمختلف الدرجات الدنيا منها والعليا، والتي تحولت فيما بعد الى اخطبوط او مجاميع من مصاصي دماء يسرقون كل شيئ من خلال تواجدهم في مفاصل مهمة على مختلف الصعد والمستويات، حيث الانتشار المريب والكبير للاختلاس والرشوة والاستحواذ على المال العام بشتى الطرق والأساليب وتحت عناوين ومسميات مختلفة ابتداءً من تأسيس الكثير من المنظمات والجمعيات التي تدعي انها تمثل المجتمع المدني وتستنزف اموالا بوسائل ملتوية ومشبوهة من الداخل والخارج، وصولا الى الصفقات الوهمية وما يرافقها من قومسيونات وعمولات على مشاريع خدمية او اعمارية اما وهمية هوائية او تنفذ بنسب اولية وتباع الى مقاولين آخرين وهكذا دواليك في متوالية ومتوازية فسادية وافسادية لايفقهها الا الراسخون في سرقة الكحل من العيون واللعب على الحبال التي انتشرت منذ السقوط وحتى يومنا هذا.

والطامة الكبرى هي وصول العديد من هؤلاء المشبوهين الى مراكز القرار القريبة من مفاصل حكومية وتشريعية مهمة كالوزارات ومؤسساتها، ومجلس النواب ولجانه، وكثير من المؤسسات المالية المرتبطة بالنفط والكهرباء والدفاع والداخلية وغيرها من دوائر الدولة، مما يسيء الى سمعة البلاد التي تم تصنيفها نتيجة تلك الممارسات في الاختلاس والسرقة، بواحدة من أكثر دول العالم فسادا في المال والإدارة، وهي بالتالي اهم ما يواجه الحكومة والبرلمان الجديدين وكل الخيرين من الوطنيين العراقيين من مختلف القوميات والأديان والمذاهب والأحزاب في كشف هذه المجاميع واستئصالها وتقديمها الى محاكمات علنية امام الرأي العام، قبل فوات الأوان وفوران تنور الشعب!؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القضية في قلوبنا
علي غريب البشدري ( 2011 / 2 / 23 - 10:16 )
تحية عطرة من بغداد الى الاستاذ كفاح محمود شنكالي واشكرك على مقالاتك الرائعة والقيمةواسلوبك الراقي في تناول المواضيع وبالاخص حول القضية الكردية التي تعيش وتكبر بداخل كل كردي شريف اينما يكون في بقاع الارض ...ادام الله في عمرك خدمتآ لكوردستان ولقضيتنا العادلة

(اخوكم علي غريب احمد بمبون)

اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا