الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيلول والوجع الفلسطيني المقاوم

نايف حواتمة

2004 / 10 / 3
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


الأمين العام
للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

أيلول الأسود 1970، أيلول المذبحة صبرا وشاتيلا 1982، أيلول انتفاضة الحرية والاستقلال 2000، أيلول 2001 تنامي إرهاب الدولة الأمريكي المنظم. ويبقى للفلسطينيين مع أيلول أوجاع كثيرة، قدرهم أن يتحملوا لوحدهم العبء الأكبر من المقاومة.
لقد أهدتنا السماء ما لم نكن نتوقع، هذا ما كان يقوله صقور المحافظين الجدد لأنفسهم وراء الأبواب المغلقة، بعد أن ذرفوا أمام عدسات الكاميرات دموع التماسيح على أرواح الأبرياء الذين سقطوا في مأساة برجي مركز التجارة العالمي، متناسين أن ما جرى يشكل أحد النتائج المأساوية لسياساتهم الاستعمارية الجديدة المعولمة، والتي استنبتت الإرهاب ومكنته حتى وصل إلى عقر دارها . ووجدت إدارة المحافظين الجدد في واشنطن الفرصة سانحة أمامها بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، للمضي بعيداً بسياسة وضع نفسها فوق القانون والشرعية الدولية، وسعيها لممارسة هيمنة كلية على العالم ، تحت وهم أنها باتت تمثل القوة النهائية، التي تقود "الرأسمالية المنتصرة"، "النظام النهائي في التاريخ الإنساني" .
سياسات العولمة الأمريكية المغلفة بشعارات الديمقراطية ينطبق عليها وصف كارل ماركس بكونها مجرد شعارات تبشر بـ " حقوق صورية "، لقد أفرغوا مفهوم الحرية من قيمته الإنسانية المطلقة، وحولوه إلى مجرد دعاية رخيصة ومضللة للهيمنة على العالم، وإذا لم يكن الأمر كذلك فكيف يمكن تحت ستار الدعوة للديمقراطية الحديث عن" صراع الحضارات"، كما تتحدث نظرية صموئيل .ب . هنغنتون، والتي يمكن اختصار مقولتها بأن " المستقبل لن يتحدد من خلال اختلاف النظم الاجتماعية، كما كانت الحال إبان الحرب الباردة ، بل سيتحدد من خلال ما يدور بين الحضارات من صراعات دينية وعرقية " .
مما سبق فإن استهداف منطقتنا العربية من قبل سياسات الهيمنة الأمريكية هو جزء لا يتجزأ من استهدافها للعالم ككل، فالإستراتيجية الإمبريالية الأمريكية التي أعادت الإنسانية إلى زمن الاحتلال الاستعماري المباشر من خلال احتلال العراق ما زالت تقوم على آراء توماس هوبس العنصرية القائلة بأن " الإنسان ذئب للإنسان" و " أن لا شيء يحمل الدول على الاجتماع والتعاون، وبالتالي فإن على دول العالم الخضوع، صراحة أو ضمناً، لإرادة سلطة مركزية، أي لإرادة الولايات المتحدة الأمريكية " .
المنطقة العربية والمنطقة الإسلامية عموماً تقع في قوس المصالح الإمبريالية الأمريكية "النفط والغاز تحديداً"، وواقع حال دول المنطقتين شكل أرضية خصبة لشراسة الهجمة عليها، فدول المنطقتين ترزح تحت مشاكل تخلف البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وصراعات إثنية وعرقية وطائفية أفقدتها القوة والمنعة ، وأبقتها بعيداً عن عالم الحداثة والديمقراطية والتنمية البشرية والاقتصادية المستقلة والمستدامة . لذلك فإن السياسة الأمريكية حيال المنطقة تقوم على مزيد من ممارسة الضغط وتصعيده بمختلف أنواعه، لإخضاع المنطقة كلياً وربطها بعجلة التبعية لأمريكا، وفي سبيل تحقيق هذا تسعى واشنطن إلى تصفية القضية الوطنية الفلسطينية، وذبح المقاومتين الفلسطينية والعراقية التين ما تزالان تشكلان عقبة كأداء في وجه تحقيق مشروع الهيمنة الأمريكية على المنطقة .
لا نستطيع القول بأن الاستراتيجية الأمريكية قد تغيرت من حيث المبدأ، ولكنها اختلفت بشكل جذري من حيث الأساليب بعد الحادي من أيلول، فسياسات الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول بدأت تجاهر علناً بعدائها لمبادئ التعايش السلمي، وتنزع لإبقاء الصراع مستمراً بين دول ومجتمعات العالم تحت شعارات نظرية هنغنتون العنصرية " صراع الحضارات والأديان "، ومقولة الفيلسوف المتأمرك فوكوياما بـ "نهاية التاريخ، وخروج جموع بشرية هائلة منه " . والمقصود هنا دول العالم الثالث التي "تجاوزها التاريخ" حسب ما يعتقده فوكوياما .
لقد ردت إدارة بوش على الإرهاب الذي استهدف مركز التجارة العالمي بتصعيد غير مسبوق منذ سنوات عديدة لإرهاب الدولة المنظم الذي مارسته الإدارات الأمريكية ضد الكثير من شعوب العالم فلسطين ، فيتنام، كوريا، كوبا، إيران، أفغانستان ...الخ . أحد نتائجه المباشرة احتلال العراق ومن قبله أفغانستان، ووضع كل منطقة الخليج العربي تحت الوصاية المباشرة لقواعدها العسكرية ومراكز قيادة جيوشها . وزيادة مستوى دعمها وتغطيتها للسياسات الدموية التوسعية، التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني .
أسست الإدارات الأمريكية للسياسات التي تمارس اليوم منذ انتهاء "الحرب الباردة"، مع اختلال ميزان القوى العالمي لصالحها بشكل شبه مطلق، عندما عادت لأساليب الاستعمار بأشكاله التقليدية، الاستعمار الكولونيالي ومن ثم الاحتلال العسكري المباشر . وسياسات الترغيب والترهيب ما زالت النهج الذي تسير عليه الإدارات الأمريكية، وتصاعد هذا مع مجيء إدارة ريغان، التي قادت التحول الكبير في السياسات الأمريكية ما بعد المكارثية، وشكلت المهد لولادة سياسات المحافظين الجدد التي نرى نتائجها اليوم على الأرض .
وفي عهد الرئيس بوش الابن تحول البيت الأبيض إلى قيادة أركان حرب، تدير العمليات الحربية على كل الجبهات، ولمختلف أشكال الحروب، الكلاسيكية، الاقتصادية، الإعلامية، الدينية، ...الخ . وبوضعهم لـ " الانتصار" في معركة" صراع الحضارات والأديان" هدفاً نهائياً، فهذا يعني أنهم لن يتورعوا عن استخدام أية أساليب لا أخلاقية في حروبهم، لأنها أصلاً لا تقوم على أساس أو مبرر أخلاقي . وبالتالي ستتحول المعركة من محاولة لفرض الإيديولوجية والفكر الليبرالي الاستئصالي الأحادي المتوحش، إلى حروب إبادة جماعية بحق الشعوب .
سؤال طالما سمعناه يتردد في الأروقة الرسمية والإعلامية العربية أين المخرج من مأزقنا الراهن مع الولايات المتحدة، بالتصدي أم بالتعاطي مع أجندة السياسات الأمريكية ؟ صيغة السؤال خير دليل على مأزق أكثر الرسميات العربية وشريحة واسعة من المثقفين العرب، البعض يعيد صياغة السؤال بشكل مختلف، هل سيكون بمقدورنا التصدي للسياسات الأمريكية ؟ . طبعاً إجابة من يطرحون هذا السؤال بهذه الصيغة جاهزة ومعروفة، سيجيبون: المواجهة انتحار، علينا التعاطي معه للتقليل من الخسائر!!.
لكن دعونا ندقق بالأمر، هل تترك لنا السياسات الأمريكية سوى خيار "الدفاع عن النفس" ؟ . الجواب المنطقي والعلمي قطعاً لا .
ففي ظل غياب سياسة الحوار عن أجندة سياسات الإدارة الأمريكية لا يبقى لنا بديل عن المقاومة سوى الخضوع ، بثمن التنازل عن قضايانا الوطنية وحقنا في أرضنا والسيادة عليها، والتخلي عن ثرواتنا، وجعل دولنا ومجتمعاتنا تحت سيف مظالم نظام التجارة الأحادية الطريق المعولمة، وفريسة للشركات ما فوق القومية والمتعددة الجنسية، لتملي علينا إعادة مأسسة مجتمعاتنا وأنظمتنا السياسية والاقتصادية بما يخدم مصالح هذه الشركات لتمارس نهبها بشكل مقونن. ونتيجة كل هذا ستكون فقداننا لمقومات التنمية المستقلة والمستدامة، ليحل بمجتمعاتنا المزيد من الخراب فقراً وتهميشاً وتخلفاً والمزيد من الصراعات الإثنية والدينية والطائفية، لن تكون مجتمعاتنا عندها سوى خزانات تنضح بالعنف الاجتماعي والإرهاب .
ليس لينا سوى خيار المقاومة الوطنية والقومية، وأن نؤسس لهذا الخيار بعملية إصلاح بنيوية وجذرية شاملة لكل المجتمعات العربية، تضعنا على درب الحداثة والتحديث والتقنية الحديثة وعصر الثورة المعرفية، وهذا لا يكون إلا بحكومات تأخذ في قيادتها لمجتمعاتنا بالخيار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة والمفتاح أنظمة ملكية دستورية وجمهورية برلمانية، وبناء مؤسسات المجتمع المدني . بهذا نمتلك القوة والمنعة التي تعيد لنا حقوقنا المغتصبة، ونوقف زحف المشروع الاستعماري الصهيوني ، ونتصدى لمشاريع الهيمنة الأمريكية .
مع إدراكنا بأن لا آليات ناجعة دون قيام نظام الحكم الصالح في بلداننا، الحكم المنبثق عن، والمنضبط لمؤسسات دستورية منتخبة بشكل ديمقراطي مباشر وحر، ومبنية على أساليب العمل الجماعي .
إن الإصلاح ليس خياراً ، بل ممر إجباري علينا أن نعبره جميعاً، فإن لم يكن بخيارنا، فسنجر إلية بشروط وإملاءات الآخرين . بعض الرسميات العربية الحاكمة مازالت تراهن على إمكانية إعادة بناء الجسور مع الإدارة الأمريكية من خلال الالتحاق بـ " أجندة " السياسات الأمريكية في المنطقة ، والعودة إلى لعب دور الوكيل المنفذ لهذه السياسات ضمن التطويرات التي بات يتطلبها لعب هذا الدور بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، ولكن هذه أضغاث أحلام هيهات أن تشكل البلسم الشافي لحكومات الأنظمة التوليتارية الشمولية القمعية . فسياساتها القمعية تمنع الاستقرار في مجتمعاتها، وتبقها عرضة لتوترات وصراعات هائلة على كل المستويات . وبمرارة أقول، وفي هذا شيء من المفارقة، إن مستوى البؤس الذي تسببه سياسات هذه الرسميات الحاكمة بسبب التخلف الذي يطال كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية لا يمكّن الشركات متعددة الجنسية من تحقيق أهدافها في نهب خيرات هذه البلدان بالسرعة والسلاسة المطلوبة. لذلك فهي تسعى إلى فرض تغييرات شاملة من زاوية مصالحها للهيمنة على المنطقة وخيرات شعوبها، وهذا جوهر الإصلاحات التي طالبت بها إدارة بوش في مشروعها لإعادة رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة والمسمى بـ "مبادرة الشرق الأوسط الكبير". لذلك من مصلحتنا الوطنية أن نأخذ قضايا الإصلاح بيدنا، وأن نشرع به على الفور، وإلا فالثمن سيكون باهظاً بخسارتنا لاستقلالنا وهويتنا وحقوقنا في أرضنا والسيادة عليها والتمتع بخيرها.
إذا لم نستنهض قوانا، ولم نحصن مجتمعاتنا بالديمقراطية فإن الهجمة الأمريكية ستزداد شراسة، وستكسب جولات جديدة، واحتلال العراق وممارسات المحتلين، وتصاعد الدموية الإسرائيلية خير شاهد على ذلك .
قد يكون قدر المقاومتين الفلسطينية والعراقية أن تبقيا إلى حين ـ لا نعرف إلى متى يستمر ـ لوحدهما في ميدان الدفاع الوطني المباشر مع مشاريع الهيمنة والاستعمار والقتل الإسرائيلية والأمريكية . لكن في النهاية هذه السياسات الاستعمارية تحفر قبرها بيدها، أمريكا حولت نفسها إلى إمبراطورية، هي بفعل سياساتها في طور الانحدار ولكن الطويل الأمد، لأنها وضعت مصالح طغمة رأس المال المالي لشركاتها ما فوق القومية فوق مصالح كل شعوب العالم، ومشروع العولمة البديلة بدأ يستقطب حركة واسعة في مواجهة السياسات الأمريكية وسيأتي قريباً اليوم الذي تأخذ فيه الشعوب العربية قدرها بيدها، لتتبوأ مكانها في مواجهة العدوانية الأمريكية، وسياسات هيمنتها المعولمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يسعى لتخطي صعوبات حملته الانتخابية بعد أدائه -الكارثي-


.. أوربان يجري محادثات مع بوتين بموسكو ندد بها واحتج عليها الات




.. القناةُ الثانيةَ عشْرةَ الإسرائيلية: أحد ضباط الوحدة 8200 أر


.. تعديلات حماس لتحريك المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي عبر الوسط




.. عبارات على جدران مركز ثقافي بريطاني في تونس تندد بالحرب الإس