الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية -الحافيات- للأديبة دينا سليم أو عندما تتخذ المرأة من جسدها وسيلة للاحتجاج

مصطفى لغتيري

2011 / 1 / 28
الادب والفن



مصطفى لغتيري –

تمتلك المرأة الكاتبة ميزة خاصة ، تتسم كتابتها بميسم خاص و بارز ، يميزها عن كتابة زميلها الرجل ، فالتجربة الحياتية الخاصة للمرأة و طبيعة تكوينها الجسدي و النفسي ، توقظان في أعماقها أحاسيس و انفعالات ، لا يتأتى للرجل ملامستها إلا عبر الخيال و الذاكرة و المقروء ، و تصبح هذه الأحاسيس أكثر تأججا و عنفوانا إذا ما كانت الكاتبة تنتمي إلى مجتمع منغلق و متخلف ، يحجر على المرأة ، و يمنعها من تحقيق كينونتها الإنسانية المستقلة ، بما يعني ذلك حرية الاختيار و الجرأة في التعبير المكشوف عن آلامها و أحلامها و طموحاتها دون رقابة داخلية أو خارجية ،تحولان - بلا ريب- دون أن تحقق غايتها في التعبير، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالجسد ، فكتابة المرأة عن جسدها لا يزال محاطة بكثير من التوجس و الشك المريب ،حتى أن الكثيرين لا يتورعون عن الربط المباشر بين الكاتبة التي هي من لحم و دم و الساردة التي هي مجرد تقنية سردية متخيلة ، بمعنى أنها كائن من ورق أو من كلمات إن صح التعبير، فمجتمعاتنا الذكورية تأبى إلا أن تتعامل مع المرأة بمكيالين ، ففي الوقت الذي يشتهي فيه رجالها الأنثى و يسعون بكل ما يملكون من وسائل للظفر بجسدها ، فإنهم في الوقت ذاته يتشبثون بطهرانية مرضية منافقة ، لم تعد أحابيلها تنطلي على أحد.

تداعت في خاطري هذه الأفكار و أنا أتصفح كتاب الأديبة العربية المقيمة في المهجر دينا سليم، الموسوم ب "الحافيات " ، و الكتاب عبارة عن رواية تتكون من جزأين ، يحمل كل منهما عنوانا منفصلا ، أصرت الكاتبة في التفاتة موحية أن تسميهما بأسماء نساء " وفاء" و "فضيلة" و لا يخفى على القارئ الدلالة العميقة للاسمين في مجتمع تعد المرأة فيه متهمة حتى يثبت العكس ، و قلما تستطيع إثباته.

تزخر الرواية بعدد كبير من الشخوص أغلبهم نساء ، لكنها لا تعدم شخوصا رجالا كذلك ، بيد أنهم شخوص مفعول بهم على الدوام يدورون في فلك النساء ، و يتحدد مصيرهم بمصيرهن.

و مما يثير الانتباه في هذا الأثر الجميل ، الذي وظفت فيه الكاتبة لغة جميلة و سلسة تتاخم لغة الشعر في بعض الأحيان ، أن الشخصيات النسائية في المتن السردي فاعلات ، لهن أصواتهن الخاصة و أحلامهن و طموحاتهن ، يتخذن قراراتهن بأنفسهن ، و إن سايرن متطلبات المجتمع و إكراهاته لبعض الوقت ، فإنهن سرعان ما يثرن و ينتفضن معبرات عن ذلك بشتى الوسائل المتاحة ، حتى تلك التي لا يمكن توقعها ، و قد تمضي المرأة بعيدا في احتجاجها إلى درجة أن تتخذ الشخصية من جسدها العاري وسيلة احتجاجية فعالة ، تقول الساردة " داعبتني فكرة جريئة و خبيثة ، نزعت قميصي ، و بقيت في الصدرية ، نظرت إلى جسدي الأبيض ، و جدته جميلا و ناصعا كالثلج ، ابتسمت أمام المشهد و استمررت في طريقي...

اعتلت أصوات الزمامير ، و احتشدت السيارات في المسارات بجانبي ، تنبهت إلى نظرات الجميع المشدوهة ، من حولي يرحبون بفكرة التعري هذه..

كم أنا جريئة ، جريئة و فخورة بنفسي .. سأدعهم ينظرون إلى امرأة لأول مرة تتعرى لأنها تريد ذلك ، لأنها اختارت أن تكون عارية ".

و تمضي الرواية في نفس النهج ، كاشفة عن هموم المرأة الشرقية و انشغالاتها ، جاعلة من الرجال لعبتها من خلال التجائها - مثلا- للحمل من " بنك الحيوانات المنوية" مما يعني ، في أحد مستويات التأويل، أنها لم تعد في حاجة للرجل الشرقي المنفصم الشخصية .. و حين تسوء حالة هذا الرجل " تقوده إلى الحمام ، تزيل أسماله عنه ، فيبدو هيكلا بلا روح ، تقوده حتى الحوض ، تدخله كالطفل إلى المياه الدافئة ... تدعه يسترخي بين يديها " لكن ذلك لا ينفع فتيلا ، فتدرك الحقيقة قائلة " لا يستطيع لمسها ، إنه معها بجسده فقط و روحه حائمة ، يختلي بنفسه ، ينحدر إلى أسفل العالم ، مقموعا ، مهتابا منزوع القوى".

و تبقى في الأخير رواية "الحافيات "للأديبة دينا سليم نصا أدبيا يمنح القارئ فرصة التعرف عن كثب عن نظرة المرأة العربية لنفسها و للرجل ، الذي يفرض وصايته عليها ، إنها ببساطة صرخة احتجاج ضد الواقع المهين الذي تحيا بين براثنه المرأة العربية و الرجل العربي معا.

دينا سليم- الحافيات - دار أزمنة الأردن الطبعة الأولى 2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي