الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاختلاف الثقافي..كعامل قوة وتوحد..

جمال الهنداوي

2011 / 1 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في أي محاولة جادة لتخليق مقاربة معقولة لمفهوم الاختلاف والخلاف الثقافيين..وعلى الرغم من الحدود الهلامية الملتبسة ما بين المفهومين لغوياً..نجد من الصعوبة التوصل الى دلالة قد تكون سببية علية ملزمة بينهما ..لأنهما حدثان لا يتولدان ضرورة من بعضهما البعض.. بل يمكن اعتباران المفهوم الأول هو الحد المانع من حدوث الثاني لو تعاطينا مع الامر من جانب معطيات ثقافية بحتة..ولكنه لن يكون من الحكمة بمكان أيضاً تجاهل امكانية استغلال هذه التقاطعات الايديولوجية والمجتمعية..وفي ظروف معينة لا يمكن ان نبرأها من الانحرافات القصدية..في عملية توظيف الاختلاف في توليد الخلاف،وهنا تأتي اهمية افشاء ثقافة التعايش والقبول بالاخر لتكوين استيعاب معرفي جمعي يرقى الى الايمان بالاختلاف كعنصر ضروري للاستمرار..
فاننا وان كنا نقر بان القبول الاولي بحق الاختلاف في داخل المجتمع الواحد، يمثل حقا ديمقراطيا اصيلا مكفولاً دستورياً لجميع افراد الشعب العراقي، إلاَّ أننا لا نجد في الاختلاف الدائر بين المكونات المجتمعية العراقية حول الهوية الثقافية الجامعة، اختلافاً داخليا مؤديا بالضرورة الى الوحدة، بل هو اقرب الى الخلاف المدار من قبل ثقافات تكتسب هوية مشروعها السياسي الطامح إلى بناء وحدات أخرى على حساب الوحدة الوطنية الام..وهذا ما قد يقود فصائل المجتمع الى المزيد من التفرق والتشرذم .. بل وحتى إلى خلاف يعيقنا عن مواجهة مخططات الخارج باسلوب واحد واتجاهات واحدة ووسائل واحدة ويد واحدة.. ان لم نقل انه منهج يفتح الباب على مصراعيه للآخر في الامعان في التدخل والوصاية على شؤوننا الداخلية..وما نشهده اليوم من اختلافات في الرؤى والإيديولوجيات حول هويتنا، يرتبط بما نشهده من ضعف في التعاطي والمواجهة في شتى القضايا الوطنية الساخنة، بل هو نتيجة لغياب الاتفاق حول مفهوم موحد حولها..
لا يختلف الشعب العراقي الكريم عن الكثير من شعوب الارض بخاصية تحصله..وفي عمق بنائه الداخلي على ميزة التعدد والتنوع والاختلاف الثقافي المغني والمثمر بين مكوناته الاجتماعية والفكرية والعقائدية ..وكان للشعب العراقي على الدوام..ونتيجة للامتزاج والانصهار الطويل المدى ما بين مكوناته المتآخية..القدرة على ادارة هذا الختلاف بالشكل الذي ولد نوعاً من التفاهمات والتوافق المجتمعي والبيئي الذي كان له الفضل في الحفاظ على مستوى متطور من الوحدة والصفاء لشعبنا طوال قرون عدة .
ولكن الضغوط الكثيرة التي تعرض لها النسيج الوطني العراقي اثناء فترة ما بعد سقوط النظام السابق وتكالب قوى كثيرة عليه ..جعلت من استهداف هذه الفسيفساء الثقافية مدخلا مناسبا لكثير من القوى المناهضة للحرية والسلام للولوج الى داخل النسيج الاجتماعي العراقي ..واستطاعت من خلال استثارة نعرات وافكار عنصرية فاقدة للوعي الوطني الشمولي وغير متحصلة على نظرة ولا ارادة توحيدية على المستوى العام ..في اعلاء وتقديم الفكر المنغلق والاقصائي والتقوقع في اطارات ضيقة من الطائفية والعشائرية والفئوية والتفكير بنمطية الصراع الافنائي للاخر.. اي الوجود مقابل افناء الاخرين او على الاقل الاخضاع الفكري والاجتماعي للفئة المقابلة وتغييب مبدأ الحوار البناء والمقاربة الديمقراطية للاشكاليات الطارئة .. مما ادى الى تعويق وتعقيد مهمة تحديد هوية ثابتة ومحددة للشعب العراقي تكون شاملة وموضع احترام للجميع وتكون نوعاً من الوعي الجمعي للذات عند جميع افراد الشعب..
ان الحل يجب ان يبدأ من خلال الوعي بالاختلاف كعامل توحيد وقوة وتعزيز للكيان الوطني الاعم والاشمل..ولا يمكن الا من خلال التعرف على مواطن القوة الكامنة في التعددية الثقافية داخل الوحدة المجتمعية الوطنية.. وهذا لا يمكن أن يتم من دون إعادة برمجة وتوجيه التعددية الحاصلة الآن، بنسختها الراهنة، إلى تحديد مركزية الشأن الوطني العام. وعلى أساس أن تتم الاستفادة من التنوعات الثقافية ووضعها في مصلحة المجتمعية الوطنية العراقية.
وهنا يأتي الدور المقدس والحاسم للنخب الثقافية العراقية في ارساء اسس تراعي مصالح وتطلعات جميع مكونات الشعب العراقي وبنفس توافقي وباحترام شديد للاخر من خلال تقبله كما هو كائن ليس كما نتمنى ان يكون ، مع الوعي الكامل لأمكانية بل وضرورة وجود الاختلاف بيننا..
ان ادراكنا لهذا الاختلاف سيسهم في تأصيل ثقافة الحوار البناء في مجتمعنا ويساعدنا على التواصل حضارياً وسلوكياً ، تلك الثقافة التي تتبنى الحوار كوسيلة تتبنى الاعتراف بامكانية وجود من لا يكونون معنا على ذات الرأي ..ولكنهم يشابهوننا في الخلق والانتماء الى هذا الوطن الغالي الكريم.. ثقافة تسحبنا الى مساحة مشتركة من الفهم والتفاهم والاحترام ونبذ التعصب لمتبنياتنا وارائنا وانزالها منزلة المسلمات اللاهوتية المقدسة التي تجرم وتكفر كل من لايشاطرنا اياها ، ثقافة تؤسس الى اعتماد المنهج الفكري في التواصل بعيداً عن شخصنة الامور ، وتصيد الاخطاء وتعقيد الحلول..ثقافة تتبنى البحث وبالحاح عن القواسم وايجاد قنوات التواصل الآمنة والصادقة التي تضمن لكل الاطراف حرية التعبير والرأي الحر..ثقافة تعمل على توحيد التشريعات المدنية التي تساوي بين الجميع، على قاعدة العدل والمساواة في الحقوق والواجبات الأمر الذي يضمن للمجتمع العراقي عوامل الوحدة وووسائل الدفاع عن تلك الوحدة.. والانفتاح على الآخر كشريك وكمعين في ارساء التوجهات الحضارية للمجتمعات المدنية المبنية على الحرية ووالتعددية وحقوق الانسان..
ان هذا الطريق هو الخيار الوحيد لنا لكي لا يأتي اليوم الذي نرمى فيه خارج المنظومة الانسانية.. بل وحتى خارج التاريخ .. حيث ان الاجيال القادمة قد تتفهم تخلفنا المؤسف عن الركب الحضاري ..وقد تغفر لنا اخطاءنا وهفواتنا .. ولكنها لن ترحم ابداً ان ندير الظهر بعضنا للبعض الاخر ونرمي وطننا في بودقة التشرذم والتفكك رغم كل ما يجمعنا من روابط انسانية ضاربة في اعماق القرون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - Mr Handawi, démagogie baâtiste, trop tard....
YAN AMAZIGH ( 2011 / 1 / 28 - 15:31 )

merci


2 - قبول الاخر يتطلب كثيرا من التسامح
ءامناي امازيغ ( 2011 / 1 / 28 - 16:22 )
نعم الاختلاف الثقافي والاختلاف عموما يمكن ان يكون عامل قوة واتحاد ادا ما تمت معالجته بشكل رزين ومتعقل بعيدا عن كل انواع التعصب والاحتواء . ويمكن ان يكون عكس دلك ان تمت معالجته باشكال عمياء واقصائية على شاكلة ماهو سائد في الدول العربية او في الدول التي تعتبر نفسها كدلك.
لقبول الاخر المختلف لا بد للمرء ان يكون على قدر كبير من التسامح والانضباط الاخلاقي يجعله في مناى عن الانحدارالى درجة التوحش المنافي لكل القيم الانسانية النبيلة. ولسوء الحظ ان قيمة التسامح هاته لا نكاد نجد لها اثرا في المجتمعات العربية والاسلامية التي يعد الكره واقصاء الاخر المختلف سيد الموقف في جل اقطارها. لننظر على سبيل المثال ما تفعله الحكومات العربية بالشعوب الاخرى والتي تتقاسم معها المجال الترابي او تستوطن ارضها كالاكراد في العراق وسوريا . وكالامازيغ في شمال افريقيا والصحراء. فاحوال كل هؤلاء جد مزرية ويعانون يوميا ومند امد بعيد غطرسة العرب واحتواءهم . كل هدا يجري امام تواطىء الجميع اللهم بعض الاصوات الشريفة القليلة
عربي+كردي يساوي عربي
عربي+ امازيغي يساوي عربي
انها الحصيلة المؤسفة لعملية التمازج والاختلاف


3 - ءامناي امازيغ
جمال الهنداوي ( 2011 / 1 / 29 - 19:17 )
متفق معك على التاريخ الطويل من انتهاك حقوق القومية للانسان المغاير الانتماء في بلداننا..ولكني ارى ان الامر قد يكون نتيجة انعكاسات سياسية اكثر منها خيارات مجتمعية..ورغم ذلك لا استطيع ان انفي عن التعرب مسؤولية الاسراف في تغييب الهوية الثقافية للاقليات الوطنية في المنطقة..ممتن لحضورك

اخر الافلام

.. تحدي الثقة بين شيرين بيوتي و جلال عمارة ???? | Trust Me


.. حملة بايدن تعلن جمع 264 مليون دولار من المانحين في الربع الث




.. إسرائيل ترسل مدير الموساد فقط للدوحة بعد أن كانت أعلنت عزمها


.. بريطانيا.. كير ستارمر: التغيير يتطلب وقتا لكن عملية التغيير




.. تفاؤل حذر بشأن إحراز تقدم في المفاوضات بين إسرائيل وحماس للت