الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذا من فضل ربي !

جمعة الحلفي

2004 / 10 / 3
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


لو أن التنافس بين الأمم والشعوب يجري في ميادين الأدب والشعر، لكنا احتلننا موقع الصدارة، منذ مئات السنين وما غادرناه حتى هذا اليوم. إذ يكفي أن نطلق أبي الطيب المتنبي، في سوح السباق، ليصرخ بالجموع: الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم، حتى يترك الجميع المضمار ويعودون الى بيوتهم خائبين. لكن المصيبة أن العالم لم يعد يستخدم لا الخيل ولا السيف ولا الرمح ولا حتى القرطاس، بعدما غادر، مبكراً، كل ما يمتُ بصلة لبلاغات اللغة واللسان، أولرشاقة الحرف وجمال الخط، كميادين للتنافس على مواقع وصدارات التقدم والنمو والتطور، وتركها لنا وحدنا. فبدلاً من الغوص في بحور الفراهيدي، راح العالم يمخر في بحور التكنولوجيا وعلوم الاتصالات. وبدلاً من الاكتفاء بالتغزل بقمر مشغرة، صنعت الشعوب والدول أقمارها الصناعية الخاصة، لا لكي تتغزل بها، في ليالي الصحراء الباردة، كما كنا، ولا نزال، نفعل، إنما لترصد بها الكرة الأرضية وتسبر أغوار الظاهر والباطن فيها وفينا.
وإذا كانت هذه، لوحدها، مصيبة فإن الأكبر منها هو أننا لا نريد أن نعترف بتقدمنا الحثيث الى الوراء، مثلما لا نريد أن نقتنع بأن الشاعر لا يملك شيطاناً تحت ثيابه، يخرجه لحظة يشاء، ليكتب القصيدة نيابة عنه. بل أننا لا نريد أن نصدق بأن العبقرية ليست ذلك الوادي المزعوم، المسمى عبقر، والذي يتخرج منه المتكلمة العرب بدرجة ماجستير، بل هي إعادة إنتاج المعرفة واكتشاف خارطة الجينات وربط القارات بالأشعة فوق البنفسجية. نحن لا نريد، بل لا نريد بإصرار، أن نكف عن وهمنا بأننا خير أمة، مع أننا نؤمن، أيضا، بأن خير الناس من نفع الناس، ونحن لم ننفع حتى أنفسنا.
لقد مضى العالم، بعيداً عنا، مسافات طويلة لم تعد تقاس بالكيلومترات أو بالسرعات العادية، إنما بسرعة الضوء، فيما لا يزال أولادنا يراجعون دروسهم على ضوء لمبة الشارع. فنحن لا نعرف من الكهربة سوى الكهرباء، ولا من البُنية التحتية سوى تزفيت الشوارع، ولا من التنمية سوى تنمية الكروش، ولا من فن الإدارة سوى فنون الفساد والإفساد، ولا من الزمن سوى الوقت الضائع، ولا من الاقتصاد سوى البخل أو التبذير، ولا من العقل سوى خرافاته.
ومن يشك، أو يريد أن يتأكد من كل هذا، ما عليه سوى مراجعة تقارير الأمم المتحدة للتنمية البشرية، وبرامج تحديد النسل، ونسب محو الأمية، ومناهج التربية القومية، وأعداد المشتغلين بالشعوذة والخرافة وقراءة الطالع، وخطب الزعماء المؤبدين، ونماذج الصناعات المحلية، وشبكات المياه، وعصابات المافيا في نسختها العربية، ومستوى دخل المواطن، وطرق توزيع الدخل القومي، ومتوسط الأعمار، وأمراض الزهري، ونوبات الكآبة، وانتشار الشيزوفرينيا، ونقص المناعة الأخلاقية، وإعلانات الفضائيات التي تحث على أداء الصلاة في أوقاتها، وبيانات المثقفين العروبيين، وثقافة الملثمين من ذوي البلطات والسيوف، ومعارض تفخيخ السيارات، وفتاوى تزنير البشر بالمتفجرات، وبرامج العشائر للتنوير والتنمية، واستخدام المكواة لعلاج آلام المفاصل، وحملات تنظيف السجون، والمقابر الجماعية، و المدافعين عن الجلاد الطيب، وصفقات الأدوية الفاسدة، وعصابات خطف الأطفال والنساء، وميليشيات الجنجويد، ومنجزات الحزب والثورة، و ... هذا من فضل ربي!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تفض بالقوة اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة


.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: مسودة الاتفاق بين حماس وإسرائيل




.. جيروزاليم بوست: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ا


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. فلسطيني يعيد بناء منزله المدمر في خان يونس