الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد تونس مصر

زكرياء الفاضل

2011 / 1 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


كانت انطلاقة الانتفاضة الشعبية التونسية تعبيرا عن نفاذ صبر الجماهير ورفضها لاستمرار أوضاعها في تلك الصورة التي دامت عليها لعقود ما بعد الاستقلال حيث خرجت من الاستعمار التقليدي لتدخل في احتلال من نوع جديد برعاية من الإقطاعية والرجعية المحلية المتواطئة مع الإمبريالية العالمية. وقد أظهرت هذه الانتفاضة الشعبية التونسية لباقي شعوب المنطقة والشرق الأوسط أنّ الديكتاتورية إنما هي قوية بضعفنا كجماهير لا بقوة تكمن فيها. وهنا تكون الانتفاضة قد شيدت مرحلة تاريخية جديدة في وعي الجماهير بقوتها وقدرتها على فرض التغيير واختيار نموذج الدولة التي تراه مناسبا لها دون توجيهات من أحد. هذه المعادلة الجديدة في نضال الشعوب انتقلت كالعدوى إلى البلدان المجاورة لتكون شرارة انطلاقة "يوم غضب" عام بمصر. فهل سينجح "يوم الغضب" في تحقيق طموحات الجماهير المصرية المتعطشة للتغيير؟ هذا ما سأحاول الإجابة عليه حسب ما أراه وما استنتجته من خلال متابعتي للأوضاع بمصر منذ أكثر من سنتين.
هناك أوجه تشابه واختلاف بين مصر وتونس في مجالات عدة وهي كالتالي:
أوجه التشابه: وتتجلى في الوضعية الاقتصادية المزرية للجماهير الكادحة حيث تعم البطالة ويكتنف الفقر المدقع السواد الأعظم للشعب المصري إذ تعيش غالبيته تحت خطه، وقد رأيت بأمّ عيني عوائل تعيش في المقابر بالقاهرة عاصمة الدولة. كما هناك تشابه في النموذج السياسي لتسيير البلاد من تبعية كاملة وعمياء للتوصيات الخارجية والعزوف عن تفهم إرادة الشعب وطموحاته وانتشار الفساد في الإدارة المصرية وقمع مؤسسات المجتمع المدني وكتمان أنفاسها بقبضة من حديد وهيمنة الحزب الواحد على كل مؤسسات الدولة ومطاردة المعارضة أينما حلت واحتكار سدة الحكم من طرف عائلة واحدة وانتماء الرئيس للجيش.
هذا التشابه في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية يجعل "يوم الغضب" المصري صورة طبقة الأصل للانتفاضة التونسية وقد يوحي بانتصار الشعب المصري في معركته من أجل كرامته وحريته. لكن هناك وجه آخر لحقيقة وضعية مصر قد يجعلها تصل إلى حالة لا غالب ولا مغلوب سنحاول شرحها أدناه.
أوجه الاختلاف: - وتكمن، بالأساس، في موقع مصر الجغرافي وفسيفسائها السياسية. فهي تعتبر من دول المواجهة وأول دولة عربية اعترفت بإسرائيل الحليف الرئيسي والاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة ووقعت معها معاهدة السلام. لذلك أي تغيير يقع في جهاز حكمها سيكون له تأثير على العلاقات مع هذا الحليف الاستراتيجي، الشيء الذي لا يمكن لأمريكا السماح به إن لم تحصل على ضمانات لأمنه.
- إنّ مصر تعرف أكبر تنظيم أصولي ليس فقط على صعيد ترابها الوطني بل وعلى الصعيد العربي. فكل الجماعات الأصولية التي ظهرت في العالم العربي هي في الحقيقة، على الأقل في بدايتها، فروع لحركة الإخوان المسلمين المصرية باستثناء الشيعة. وميزان القوى السياسي هذا يجعل أمريكا والغرب في وضعية قلقة تكاد تقترب من حالة انفصام الشخصية. فمن جهة واشنطن واعية بأنّ الوضعية الراهنة لا يمكن استمرارها إلى الأبد والتغيير يفرض نفسه اليوم قبل غد، لكن من جهة أخرى لا أحد يمكنه التنبؤ بما ستؤول إليه الأوضاع في حالة انتصار الشارع المصري في انتفاضته. لأنه على الرغم من بروز نجم البرادعي على الساحة الوطنية المصرية إلا أنه لحد الآن لا يتمتع بدعم حركة الإخوان المسلمين له، وفي اعتقادي أن اليسار المصري ليس كله يؤيد هذا المعارض الجديد.
- لقد نجحت الانتفاضة التونسية وأرغمت بن علي على الهروب بمساندة الجيش لها (مرحليا) الذي كان حاقدا على الرئيس السابق بسبب إضعافه للجهاز العسكري خوفا من الانقلابات. بينما في مصر الجيش قوي ويعتبر أحد ركائز النظام وله يد طويلة وقوية فيه، لذلك من غير المرجح أن يعاد نفس السيناريو مع الآلية العسكرية في بلاد الأهرامات، بيد أنه من الممكن أن ينضم أفراد منه إلى صفوف المنتفضين مما قد يحدث ارتباك في صفوفه فيضعفه.
- الانتفاضة التونسية نجحت أيضا بفضل امتلاكها لوسائل الاتصال من إنترنيت والموبايل، بينما في مصر الوضع مختلف فالمنتفضون لا يملكون أداة تواصل إذ عمل النظام على حرمانهم من هذه الإمكانيات ليجعلهم جماعات قاصية.
- الانتفاضة التونسية ساهم في نجاحها كونها انتفاضة شعبية قاعدية لا قيادة لها، بينما الانتفاضة المصرية وإن تشارك فيها القاعدة إلا أنها تملك قيادات توجهها وهذا يعني أن هذه الجماهير المنتفضة لها ضوابط.
- الانتفاضة التونسية شارك فيها كل الشعب التونسي بمختلف أطيافه، بينما في مصر دعت الكنيسة الأقباط إلى عدم المشاركة في الانتفاضة.
هكذا نرى أن أوجه الاختلاف بين مصر وتونس من عيار ثقيل ولهذا من الصعب التنبؤ بالنتائج للوضعية المصرية. لكن هناك بصيص من الأمل يتمثل في تصريح البرادعي للإعلام حين وصوله لمصر مفاده أن الوقت قد حان ليؤدي مبارك ثمن سياسته. فالبرادعي كان دوما حذرا في تصريحاته وديبلوماسيا في تعابيره وهذه هي أول مرة يدعو فيها صراحة الرئيس الحالي للتنحي عن السلطة، وهذا يدفعني أنه تلقى دعما، ربما شفاهيا فقط، من واشنطن والعواصم الغربية التي إلى حد الآن لم تفصح عن موقفها بصراحة تجاه ما يحدث في المدن المصرية. ويدعم هذا الافتراض صمت واشنطن حول جوابها لمبعوث مبارك.
في اعتقادي إذا كانت الانتفاضة التونسية الشرارة التي أشعلت نار غضب الشعوب فإن "يوم الغضب" المصري هو المنعطف التاريخي في حركة تحرر شعوب المنطقة من الاستبداد والظلم إذ نجاح الانتفاضة المصرية سيدفع بشعوب شمال إفريقيا والشرق الأوسط إلى التحرك والتصدي للرجعية المحلية وطردها. إنّ انتصار "يوم الغضب" المصري هو التسونامي الذي سيجرف كل المستبدين بشعوبنا، لذلك لابد لهذا الغضب أن ينتصر وإلا سنجد أنفسنا في قاعة انتظار لا يقل زمنها عن عشرات السنين.
إنّ الظرف في صالح الشعوب وطموحاتها في التغيير الحقيقي إذ باتت أمريكا نفسها ترغب في ذلك وعيا منها باحتضار أنظمة بيادقها، فهي الآن تحاول تغيير الأشخاص والحفاظ على الأنظمة بأقنعة جديدة، شخصيا لا أرى مانعا في ذلك شريطة أن نتركها تلعب لعبتها إلى أن يسقط النظام ثم نعطي للانتفاضات وجهة شعبية حقيقية لا تستطيع السيطرة عليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق لصحيفة إسرائيلية بشأن الفشل الاستخباراتي يوم السابع من


.. حريق ناجم عن سقوط صاروخ على مستوطنة شلومي بالجليل الغربي




.. قناة إسرائيلية: هناك فجوات في مفاوضات صفقة التبادل وعملية رف


.. AA + COVER.mp4




.. -يفضل انتصار حماس-..أعضاء بالكونغرس الأميركي يهاجمون الرئيس