الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس .. الانتفاضة المحظوظة

عدنان شيرخان

2011 / 1 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكن في بال اشد المتفائلين والحالمين بتغيير نظام زين العابدين بن علي ان يتوقعوا حدوث السيناريو الذي نفذ باقل التكاليف، اشعل محمد بو عزيزي النار بنفسه يأسا وانتقاما لكرامته التي اهينت على عتبة بلدية (سيدي بو زيد)، وهو لا يدري انه اشعل شرارة انتفاضة شعبية ستطيح بعرش الطاغية التونسي، وربما بعروش اخرى محاكاة لما حدث في تونس.
انتفاضة شعبية بلا احزاب ولا اسماء ولا قيادات، كل شيء تم ببساطة وبخسائر تفجير انتحاري واحد من ايام العراق الدموية. فر بن علي، دمرته اصوات تردد قصيدة الشابي العظيمة (اذا الشعب يوما اراد الحياة)، والحياة تعني تونس بلا بن علي واجهزته البوليسية واجهزة الاعلام المطبلة له وائمة الجوامع المتضرعين لله ان يحفظه ويبقيه الى آخر ايام عمره متسلطا على رقاب العباد.

في العراق ربيع العام 1991 صرخ اكثر من ثلثي الشعب العراقي من عميق حناجرهم ( اذا الشعب يوما اراد الحياة ..)، اهتز عرش الديكتاتور صدام بعنف، سقطت 14 محافظة بيد الثوار الاحرار، ولكن الوية الحرس الجمهوري (التي لم يطلها قصف قوات التحالف الجوي) ومعها اجهزة الامن والمخابرات وجلاوزة حزب البعث الدموي كانت لهم كلمة الفصل في بقاء الطاغية، وتكبد العراقيون 300 ألف شهيد، واقدم النظام العفن على ما لا يخطر على بال، عندما لم يتردد في قصف المراقد المقدسة في مدينتي كربلاء والنجف نكاية بالثوار واخراج من احتمى بتلك المراقد الشريفة، ولاحق ملايين الكرد الفارين من الموت الى الحدود التركية والايرانية، في مشاهد محفورة في عمق الذاكرة العراقية.

وبعد عشرين عاما تثير انتفاضة الشعب التونسي البطل ضد الطاغية شجون العراقيين، عن انتفاضتهم الشعبانية وئدت في مهدها بعنف قل نظره في العالم، ليس حسدا، وانما استذكار لمئات آلاف الشهداء الابرار الذين ازهقت ارواحهم بمقابر جماعية، غضت وسائل الاعلام العربية والعالمية نظرها عنه، واملا في ان يتم اسقاط نظام صدام بأيدي العراقيين، وهو ما يستحقه، وتجنيب العراق الخوض في دوامة المحتل والاحتلال، ودفع ضريبة الخلاص من صدام ونظامه.

من حقنا ان نعرف ماذا حصل؟ وكيف انقلبت انتفاضة شعبية ضد طاغية مهزوم اخرج ذليلا من الكويت الى نصر مبين على شعبه. اطلقت ابواق النظام الاعلامية على تلك الانتفاضة الخالدة (صفحة الغدر والخيانة)، تغنى زناة الكلمة طويلا بقصائد واعمدة واغاني (ام المعارك) وبقائدهم الذي بطش بشعبه، ونكل حتى بجثث الشهداء.

انها (ببساطة) اميركا ومن سار في فلكها يومها ومعاييرهم المحيرة، سمحت بسقوط بن علي، ولم تسمح قبل عشرين عاما بسقوط صدام، قيل كثيرا حول تداعيات سقوط صدام يومها بيد شعبه، وكيف سيخل غيابه بالتوازنات الطائفية في المنطقة. لم تحرك اميركا والغرب ساكنا الى ان قضى صدام على آخر ثائر ونكل به اما في قبر جماعي او وضعه في خلطات الاسمنت في قصور الرضوانية.
واين موقف اميركا وقواتها التي كانت على مرمى حجر من بغداد من اسقاط نظام صدام، من موقفها من تونس بن علي، وما يحدث في مصر، تحذيرات من الخارجية الاميركية بضرورة احترام حقوق الانسان، وانها تقف على الحياد في امر ما يحدث في مصر،وترحيب اوباما بتغيير بن علي ما دام الشعب التونسي يريد ذلك، حسب تعبير اوباما. واين موقف جنرالات صدام من موقف جنرالات الجيش التونسي الذي وضعوا خطا احمرا امام بن علي واستخدامه القوة المفرطة ضد المتظاهرين.
فهم الجندي العراقي الذي انهتكه حروب صدام التي لا ناقة له فيها ولا جمل، تصريح بوش الاب بأنه يتمنى ان لا يرى صدام في الحكم، بانه رسالة صريحة، تحركوا لازاحة صدام واميركا معكم، ولكن الذي حدث ان القوات الاميركية وقفت متفرجة على صدام وقواته وهي تفتك بالعراقيين بشكل جنوني.
حتى في الانتفاضات والثورات ثمة حظ وسوء حظ، انتفاضة تونس ضد بن علي ونظامه انتفاضة محظوظة، بينما وقف سوء الحظ واميركا ضد انتفاضة الشعب العراقي الشعبانية العظيمة ضد صدام، كانت انتفاضة شعبية عفوية لم يخطط لها احد، جاءت رد فعل قوي ضد طاغية انهك شعبه بحروبه العبثية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. كتيبات حول -التربية الجنسية- تثير موجة من الغضب • فرا


.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتفض اعتصام المؤيد




.. بصفقة مع حركة حماس أو بدونها.. نتنياهو مصمم على اجتياح رفح و


.. شاهد ما قاله رياض منصور عن -إخراج الفلسطينيين- من رفح والضفة




.. نتنياهو يؤكد أن عملية رفح ستتم -باتفاق أو بدونه-