الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة .. والوعي التاريخي

رشيد قويدر

2011 / 1 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


ثمة كثير من القادة السياسيين في التاريخ عملوا على بناء مجتمعات مثقفة ؛ وفي تفعيل حالة إنتاج الثقافة، وهم كسياسيين لم يعملوا بها لكنهم أدركوا أهميتها، وامتلكوا حساسيتها ودورها في بناء مجتمع واع ٍ يتقدم إلى الأمام، عبر بناء العلاقات وأنماط السلوك والقيم وتعميق أساليب الفكر والحياة بالاهتمام بصناعة الفرد والارتقاء بها وتنمية تطلعاته وإشراكه في أنشطة الحياة ....
وطالما أن الحياة اليومية في مختلف المجتمعات هي تعبير عن السياسة في أدق تفاصيلها، فهي حراك سياسي مستمر لاينتهي مادامت الحياة مستمرة، وتأتي الثقافة بدورها باعتبارها عملية استجلاء دائم لهذه الحياة ؛ وعليه لن يتوقف دورها هذا عند حد معين، بما يشكل انحسار الفجوة بين الثقافي والسياسي ..
على الرغم من اختلاف دور المثقف عن دور السياسي، واختلاف مهمات الثقافة عن مهمات السياسة، فان الأداء الثنائي بينهما عموماً يشكل تداخلاً ينبغي أن يفترض تكاملاً بين المهمتين والرؤيتين، عبر تأثير كل منهما على الآخر نحو تجسيد الهدف في مهمات نمو وتطور المجتمعات المعينة .
كذلك كثير من المثقفين لم يكونوا سياسيين ؛ أي من موقع ممارسة السياسة وإنتاجها، ولكن في معاينة واضحة للتاريخ؛ نستطيع التأكيد أنهم عززوا توجهات التنمية الاجتماعية، بالكشف عن سياقات النجاح أو الفشل للسياسات الممارسة ونقد برامج إدارات السلطة عبر القدرة على التقويم السليم .
ليست الثقافة سلطة مباشرة تستطيع سنّ القوانين لترغم المجتمعات على الإذعان لشروطها، بل إن الثقافة الهادفة هي قاطرة للنقلة الموضوعية من وضع معين إلى آخر، وفي ضرورتها لإشاعة رأي عام حر؛ في مواجهة محاولات احتكار الفكر، وحرية التعبير عن الرأي، بما تعني من حرية اجتماعية، وبناء رأياً عاماً يرصد حركة السياسي ويعمل على تقويمها. وفي التداخل المتناغم بين الثقافي والسياسي، تستطيع الثقافة بناء قاعدة شعبية للسلطة السياسية ينبغي أن تبنى على قاعدة سليمة من الديمقراطية التي تصون السلم الاجتماعي..
حال الثقافة العربية الراهنة هي أنها تفتقد إلى وجود مرجعية متكاملة واضحة المعالم ؛ تحتوي على مجموعة الرؤى والتطلعات، التي تمكّن الثقافة من التعامل مع التحولات والتغيرات المتسارعة، وتستطيع أن تشخص أين تقف ، وما لم تستطع انجازه، وتضع الاستراتيجيات المستقبلية لتحقيق ما تهدف إليه ....
هنا تبرز المرجعية العربية كحالة أوسع من مفهوم الهوية، فالهوية هي تعريف بـ "الأنا" وخصوصياتها، أما المرجعية فهي التي توضح الطريق للنهوض والتقدم والصعود، خاصة ً في مواجهة هشاشة التكوين الاجتماعي والمجتمعي العربي .
كما أن ثقافة أي مجتمع ترتبط بالمرحلة التاريخية المعينة التي يعيشها هذا المجتمع، وإذا ما اعترت هذا المجتمع أزمة ما، فإن توصيفها وعلاجها يتطلب أولاً الوعي بها وتشخيصها ومعرفة أسبابها، نحو الوصول إلى العلاج السليم لا الدوران حولها وفوقها، ويتطلب هذا عربياً قراءة الواقع المعاش، وتنقيح الموروث القديم، وتمحيص الوافد الجديد، ودون طغيان مكون على آخر و بما يفيد توازن الواقع الراهن .
السبب الرئيس في ضعف المؤسسات الثقافية، هو عدم الوعي بدورها التاريخي، وبدونه فهي بلا مضمون، وضرورة أن ترتبط بالمرحلة التاريخية المعاشة، فلا ثقافة دون وعي لتاريخها وأزماتها وربطها بالمرحلة التي تمر بها الأمة، وبالخروج من الانشغال بالماضي عن الحاضر، والذي يستبعد المستقبل من أفكارها، حيث تبقى أسيرة قيّم وتقاليد وأعراف الماضي فقط .
وبسبب من احتكار الدولة للمجال السياسي، وفشل التيارات والأحزاب السياسية أيضاً في الإفادة من البرلمانات العربية، وعجز الأحزاب من الإفادة من هذه المؤسسات نحو ترشيد سياسة السلطات، تبرز ضرورة إعلاء دور الثقافة الحديثة والمعّبرة عن المضمون الاجتماعي لمشروع الدولة الحديثة، وربما أبرزها تجديد مفهوم العروبة في حضانتها لكل الثقافات والمكونات، ونحو بناء مؤسسات ثقافية شعبية، تتأمل المشهد الثقافي العربي العام، وتعمل على إخراج الجماهير من تشبثها بقّيم الماضي؛ الذي يناسب النخب الحاكمة لممارسة دور السلطة بدون مساءلة .
إن منهجية تحليل ثقافي في سياق هذه المرجعية، ينبغي أن ترتكز وبشكل أساسي على رؤية منفتحة على هذا العالم؛ وباتجاه تثبيت مرتكزات وتطلعات حرية الفكر والبحث والتعبير ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المثقف العضوي
المعتصم عبدالرحمان ( 2011 / 1 / 30 - 23:47 )
عطفا على ماجاء في مقالة الصديق ، وتشديدا على الدور الطلائعي الذي يلعبه المثقف في رقي وإزدهار الشعوب،أليست الازمة التي نتجرع من مرارتها كل ذقيقة والتخلف الذي نعيشه ،وغياب استراتيجية مستقبلية واضحة؛كل ذلك مرده الى إستقالة المتقف او بالاحرى تغييبه.
إننا نراهن على ذلك المثقف العضوي الذي يعانق هموم شعبه وينئى بنفسه عن جادبية السلطة وأطماعها............

اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال