الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبدأ تقرير المصير: بين روح القانون الدولي و التوظيف السياسي (2)

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2011 / 1 / 30
دراسات وابحاث قانونية


2- النظام العالمي الجديد: مبدأ تقرير المصير كآلية لتفكيك الدول
النظام العالمي الجديد مصطلح؛ استخدمه الرئيس الأمريكي الأسبق (جورج بوش الأب) في خطاب وجهه إلى الشعب الأمريكي؛ بمناسبة إرسال القوات الأمريكية إلى الخليج؛ حيث أشار في (الحادي عشر من شتنبر)!!! سنة 1990 إلى إقامة نظام عالمي جديد؛ يكون متحررا من الإرهاب؛ فعالا في البحث عن العدل؛ و أكثر أمنا في طلب السلام؛ و قد راج هذا المصطلح خلال سنة 1991 في خطاب الأمم المتحدة؛ بنفس الأبعاد الأمريكية. (1) لكن؛ رغم الظهور المتأخر لهذا المصطلح في الخطاب السياسي؛ فإنه ظهر على الصعيد الأكاديمي أول مرة بداية الستينات؛ عندما استعمله المحامي الأمريكي المتقاعد(كرنفينك كلارك)؛ المستشار الفاعل لعدد من وزراء الخارجية في البيت الأبيض؛ في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي. (2)
و قد ظهر مصطلح النظام العالمي الجديد؛ للتعبير عن الوضع الدولي الجديد؛ بعد نهاية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفييتي؛ و ما نتج عنه من بداية بروز القوة الأمريكية الواحدة على الساحة الدولية؛ بطموحات سياسية و عسكرية توسعية؛ تسعى إلى التحكم في النظام الدولي من منظور يخدم مصالحها الإستراتيجية عبر العالم .
و قد ظهر هذا النظام الدولي الجديد -بدلالته السياسية و العسكرية- مقترنا بنظام العولمة –بدلالته الاقتصادية و الثقافية- ليشكلا معا التوجهات الأمريكية المستقبلية؛ التي تسعى إلى إعادة تشكيل العالم على المقاس الأمريكي (3) وإعادة التشكيل هذه تتطلب –حسب الإستراتيجية الأمريكية- اللعب في خرائط العالم؛ عبر استغلال القانون الدولي؛ من منظور جديد ؛ يقوم على أساس إعادة توجيه الخطاب الأممي؛ في اتجاهات مغايرة لما تم رسمه ؛ خلال مرحلة التوازنات الدولية .
و إذا كان مبدأ تقرير المصير؛ قد حضر في القانون الدولي؛ مرتبطا بنضال الشعوب من أجل الحصول على استقلالها؛ فإن النظام العالمي الجديد؛ الذي تقوده القوة الأمريكية؛ كان يبشر بواقع جديد؛ فقد انفتح المجال أمام صناع القرار الأمريكي؛ خلال هذه المرحلة للعودة إلى مبدأ تقرير المصير؛ مع إعادة شحنه بدلالات سياسية جديدة؛ تخدم المصالح الأمريكية عبر العالم؛ و ذلك بعد إفراغه من دلالته القانونية؛ التي رسخها نضال حركات التحرر عبر العالم؛ في صراعها ضد الدول الاستعمارية.
هكذا بدأت بعض الأقليات التي كانت تشكل وحدة سياسية؛ بدأت تفكر في استثمار المعطيات الدولية الجديدة؛ لبلورة مشاريعها الانفصالية؛ و هذا ما حصل للاتحاد السوفييتي السابق؛ الذي انقسم إلى دول؛ انضم بعضها إلى رابطة الدول المستقلة؛ بينما انفصل بعضها الآخر في شكل مستقل؛ مثل أستونية و ليتوانية و لاتيفية ... و نفس المصير عاشه الاتحاد اليوغسلافي السابق الذي انقسم إلى دول مثل: كرواتيا؛ البوسنة و الهرسك؛ مقدونية؛ سلوفينية ...
وقد تم ذلك باسم مبدأ تقرير المصير؛ الذي أعيدت صياغته أمريكيا؛ لكن حقيقة الأمر؛ كانت توجها أمريكيا واضحا؛ نحو تفكيك المعسكر الشرقي؛ الذي شكل لعقود قوة متكافئة مع القوة الأمريكية؛ بالإضافة إلى تفكيك الاتحاد اليوغسلافي؛ الذي كان يشكل امتدادا للاتحاد السوفييتي .
و قد تم استغلال المؤسسات الدولية خلال هذه المرحلة لإنجاح عملية التفكيك؛ التي كانت تقودها الولايات المتحدة؛ و ذلك من خلال رد الاعتبار لمفهوم تقرير المصير؛ الذي تم استغلاله أبشع استغلال؛ و من ثم فتح باب الجحيم على مصراعيه؛ لتعم الفوضى (الخلاقة) !!! كل ربوع العالم؛ حيث تم فسح المجال أمام الأقليات و القوميات التي كانت تشكل دولا موحدة و مستقرة؛ تم فسح المجال أمامها للتعبير عن نزوعاتها الانفصالية؛ مستغلة الدعم الأمريكي المطلق.
و هكذا عاد تقرير المصير القومي للانبعاث؛ بعدما تم الحسم معه في القانون الدولي؛ لصالح تقرير مصير الدول/الشعوب؛ و هذا الوضع الدولي الجديد لو استمر على هذا الحال؛ سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في العلاقات الدولية؛ لأنه ليس هناك دولة واحدة في العالم تضم قومية واحدة. لذلك فإن مبدأ تقرير المصير بشكله النيوكولونيالي يمر من مأزق خطير؛ خصوصا إذا حل الشعب بالمعنى القومي محل الشعب بالمعنى القانوني .
إن تفكيك الاتحاد السوفييتي و الاتحاد اليوغسلافي؛ من طرف النظام العالمي الجديد؛ لم يكن في الحقيقة إلا نقطة البداية؛ حيث سيشرع الباب على مصراعيه؛ أمام الأقليات و القوميات عبر العالم؛ للدخول في حركات انفصالية؛ تتخذ مبدأ تقرير المصير في طبعته النيوكولونيالية؛ كشعار لشرعنة مطالبها الانفصالية .
و يعرف العالم الآن الكثير من النماذج الانفصالية؛ التي يقودها النظام العالمي الجديد؛ لتصفية الحسابات السياسية و الإيديولوجية؛ مع القوى الدولية المناوئة لهذا النظام؛ سواء اتخذت طابعا شيوعيا؛ أم اتخذت طابعا إسلاميا.
و تحضر الصين كنموذج بالغ الدلالة ضمن هذا المسار؛ الذي تم تدشينه مع نهاية القطبية الثنائية؛ فالولايات المتحدة و معها أوربا؛ تهدد الصين في كل لحظة بإقليم التيبت؛ الذي يطالب بالانفصال؛ و تقدم هذه القوى الغربية دعما سياسيا كبيرا للدالاي لاما ؛ باعتباره الزعيم الروحي للتيبتيين.
و يحضر مبدأ تقرير المصير بقوة ضمن هذه الحركية الانفصالية المغلفة بالشرعية الدولية؛ لكن الهدف الواضح؛ هو تطبيق سياسة (فرق تسد)؛ التي طبقتها الحركة الاستعمارية إبان مرحلة القرن التاسع عشر بإتقان كبير.
إن النيوكولونيالية حينما تسوق لمبدأ تقرير المصير في الصين؛ لا تهمها مبادئ حقوق الإنسان؛ و لكن ما يهمها بالدرجة الأولى؛ هو إلحاق الصين؛ كقوة شيوعية صاعدة؛ بالاتحادين السوفييتي و اليوغسلافي؛ الذين تم تفكيكهما بناء على نفس الشعارات .
لكن هذه الدول النيوكولونيالية؛ التي تسعى إلى تزوير القانون الدولي خدمة لمصالحها الإستراتيجية؛ في صراعها مع القوى الدولية الصاعدة؛ كانت أول من صاغ القوانين الدولية؛ الداعمة لوحدة و استقرار الدول؛ و ذلك حينما كانت القارتان الأوربية و الأمريكية مهددتان بالنزعات الانفصالية؛ خلال مرحلة عرفت مدا قوميا كاسحا؛ كان يهدد بتقسيم الدول الكبرى إلى دويلات تمثل التعدد القومي السائد .
و هذا ما انعكس بشكل مباشر؛ على القوانين الدولية الداعمة لحق الدول في حماية وحدتها و استقرارها؛ و هي قوانين واضحة؛ تربط حق تقرير المصير بالشعوب/الدول و ليس بالأقليات و القوميات .
و لعل هذه القوانين الداعمة لوحدة الدول؛ هي التي شرعنت الحرب التي قادها الرئيس الأمريكي أبراهام لنكولن؛ على الولايات التي كانت تهدد بالانفصال عن الدولة المركزية؛ كما أن هذه القوانين نفسها؛ هي التي كانت المنطلقات الرئيسية للمحكمة العليا في كندا؛ لإرغام الحكومة المركزية؛ على مواجهة الدعوات الانفصالية في مقاطعة الكيبك .
إن نفس هذه القوانين هي التي يجب أن تؤطر نضال الشعوب و الدول الآن؛ في مواجهتها للحركات الانفصالية؛ التي تزور القانون الدولي؛ بدعم من واضح من النظام العالمي الجديد؛ الذي لا تهمه وحدة و استقرار الشعوب؛ بل ما يهمه هو خلق الفوضى (الخلاقة) للصيد في الماء العكر .
الهوامش:
1- أنظر: صادق جلال العظم: ما هي العولمة ؟ ورقة بحث مقدمة للمنظمة العربية للثقافة و التربية و العلوم – تونس – 1996 .
2- نفس المرجع
3- حضر مصطلح العولمة باعتبارها (أمركة) عند المفكر محمد عابد الجابري؛ كما حضر بنفس المعنى عند الاقتصادي سمير أمين؛ كما حضر بنفس المعنى عند عدة مفكرين عبر العالم. و من هذا المنظور كانت العولمة تحضر دائما باعتبارها امتدادا للنظام العالمي الجديد؛ الذي يقوم على أساس التحكم الأمريكي في بوصلة العالم؛ خدمة للمصالح الأمريكية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - منطق الإستحواذ.
الطيب آيت حمودة ( 2011 / 1 / 30 - 10:52 )
ترابط المجتمعات داخل الدول الديموقراطية حاليا ، تحدده عدة قناعات مشتركة ( فكرية وسياسية ودينية ومصيرية جامعة ) ، وما سردتموه من نماذج للبلقة مرده غياب مبدأ حق الأقليات اللغوية والفكرية والثقافية والدينية ، فبماذا نفسر ظهور السودان الجنوبي أوليس هو فرض العروبة على السودان الذي تسبب في اندلاع كل أشكال التمرد فيها ، بدءا من حرب الجنوب وصولا إلى نزاع دارفور وشرق السودان ، وهو ما يجعلنا نردد ما مقولة أحد السودانيين المسيحيين قائلا : إن الحرب في السودان هي الثمرة المرة للفكر العروبي ، ونفسه قد يتكرر عند الأقباط ، وأهالي النوبة ، وفي إقليم الريف ، وفي منطقة القبائل ، وفي التبت ، وقد يتعزز في الصحراء الغربية .

اخر الافلام

.. أمريكا.. طلاب مدرسة ثانوي بمانهاتن يتظاهرون دعما لفلسطين


.. وفاة 36 فلسطينيا في معتقلات إسرائيل.. تعذيب وإهمال للأسرى وت




.. لاجئون سودانيون عالقون بغابة ألالا بإثيوبيا


.. الأمم المتحدة تكرم -رئيسي-.. وأميركا تقاطع الجلسة




.. تفاصيل مقترح بايدن من تبادل الأسرى حتى إعمار غزة