الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشارع يُسقط الدكتاتوريات والتنظير والتكفير

هايل نصر

2011 / 1 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


احتجاجات تونس التي تحولت إلى ثورة وفي طريقها, كما يأمل أبناء تونس وكل الأحرار في العالم, إلى أن ترسي في تونس, كنموذج, دعائم دولة القانون والديمقراطية والمؤسسات وحقوق الإنسان التي لم تعرفها المنطقة العربية طيلة تاريخها القديم والحدث .
ـ قبل محمد البوعزيزي, برمزيته
بعد ان ثبتت الأنظمة الاستبدادية دعائمها,خلال عقود, على القمع بالوسائل الأمنية التي بلغت من الشراسة حدا لا يوصف بانتهاك حق المواطنين في الحياة وفي الكرامة, وألغت الحريات والحقوق الأساسية في ظل قوانين الطوارئ وأقامت, عهرا سياسيا, : مؤسسات ممسوخة مقلدة الأنظمة السياسية الديمقراطية يعلو الحديث فيها عن فصل سلطات (رغما عن منتسكيو), و دساتير, وبرلمانات شكلية خاضعة كليا للسلطة التنفيذية, وحكومات عن الزعيم المستبد تصدر واليه تعود. وقضاء تابع وغير نزيه يقوم على محاكم الاستثناء والمحاكم العسكرية, تحولت في قضايا الرأي بشكل خاص, إلى فرع من فروع الأمن. حزب حاكم وأحزاب "معارضة" ملحقة به. نقابات مهنية مرتبطة بالحزب وأجهزة الأمن. انتخابات واستفتاءات بنتائج 99 %. إعلام مشوه بمهمة أساسية وحيدة ــ وان اختلفت الأساليب والأدوات ــ هي تسويق الدكتاتورية وتضليل الشعوب مما ترتب عليه نشر الفساد والرشاوى و ثقافة عبادة الزعيم, وزرع الخوف والخنوع في النفوس. تعليم مسطح لا يتجاوز في كل مراحله محو الأمية, حتى في التخصصات العلمية, بشهادة المنظمات الدولية المتخصصة. إلقاء الخرجين الجامعين إلى الشوارع دون عمل أو أمل به (محمد البوعزيزي مفجر الغضب والثورة التونسية أحدهم)...
عقود من تخريب الدولة وإفساد المجتمع والفرد, ونشر الفساد والفقر والمجاعات, و تغيير التركيبة الاجتماعية وخلق طبقات جديدة, وسرقة المال العام وعائدات الثروات الطبيعية علنا وأمام الجميع دون خشية أو حياء, وتوزعها على الأقارب من أولاد وأحفاد وزوجات وأقارب الزوجات. وادعاء بحق غير منازع فيه في احتكار السلطة وتوارثها, على هذا كله بنت تلك الأنظمة المستبدة بأنواعها: جمهوريات أو جماهيريات ( هذه الأخيرة وحيدة إلى الآن رغم نضال زعيمها لتصدير النموذج المبتكر وتعميميه) , ملكيات أو "إمارات" أو "مشيخات", أنظمتها السياسية الفاسدة.
ـ وقبل محمد البوعزيزي, برمزيته
تكلست, الأحزاب السياسية المعارضة المنشقة بشكل خاص عن الأحزاب الحاكمة بعد مرحلة التصفيات الداخلية عن طريق الانقلابات العسكرية والتصفيات الجسدية, والملاحقات المستمرة, والتغييب في السجون والمهاجر, أحزاب ولّدت قيصريا أحزابا تلتف حول فرد يصبح أمينها العام أو رئيسها إلى الممات, عرفت بدورها انقسامات وانشقاقات وتيارات دافعها الأساسي طموحات وتطلعات فردية. أحزاب تدخل أحينا فيما بينها وأحيانا مع النظام الحاكم في تحالفات مبنية على الشك المتبادل من اليوم الأول لعقدها, تنتهي في اليوم نفسه أو تمتد لليوم الثاني أو يوم غير بعيد عنه. أحزاب لا تعني شيئا للشعوب, ولا تقدم لها شيئا غير بيانات وشعارات لا علاقات لها بالواقع وبالمطالب اليومية للناس. تلك الأحزاب الحاكمة أو المنشقة, عنها أو المنشقة عن الانشقاق, كرست واقع التخلف والقهر ودعمت الممسكين فعلا وبيد من حديد على السلطة. أحزاب خرجت عن شعاراتها لتصبح أحزابا وتجمعات عائلية أو طائفية أو عشائرية. أحزاب أو تجمعات خلقت "مفكرين" لها ومنظرين على يمنيها أو يسارها, و"محللين" و"دعاة", تفننوا في خلق "الفكر" القومي أو ألأممي أو الديني, وفي التنظير والتحليل والتركيب إلى درجة اعتقدت إنها هي التي تخلق الواقع وتلوي عنقه ليتلاءم مع تلك التنظيرات الباهتة, القائمة في غالبيتها على تزوير التاريخ وتحريف الحقائق والكذب على الدين وباسم الدين.
نامت هذه الأنظمة المستبدة, على تلك "المكتسبات" نوم المطمئن الواثق من حاضره ومستقبله دون كوابيس وأحلام مزعجة.
ـ بعد محمد البوعزيزي, برمزيته
كان يجب انتظار 23 عاما فقط ليفهم بن علي الشعب التونسي يوم وقف اثر المظاهرات التي اجتاحت تونس من أقصاها إلى أقصاها وقفة المضطرب ليقول لهم لقد فهمتكم. كما كان على حسني مبارك ان ينتظر مرور 30 عاما ليقف نفس وقفة بن علي ويعلن, بعنجهية, اثر خروج مئات الآلاف من المنادين برحيله بأنه فهم شعبه.إنها عودة الوعي للمستبدين حين ساعة الحساب أمام الشعوب, وعي لا يأتي إلا بعد فوات الأوان.
دكتاتوريات ساندها و يساندها الغرب الانتهازي ويشد أزرها ويعيد لها التوازن في كل مرة يختل فيها هذا التوازن, وذلك على حساب شعوبها. نجح في ذلك منذ عقود والى الآن وفشل في مرة واحدة فقط أمام أصالة ثورة تونس في دعم صنيعته زين العابدين بن علي وحاول بعدها أن ينافق للتوافق مع المتغيرات الجديدة. يكرر التجربة مع انفجار الشارع المصري السريع والعنيف والشامل لإعادة التوازن لصنيعته حسني مبارك ودكتاتوريته التي خدمت إلى ابعد الحدود مصالح الغرب وإسرائيل على حساب مصر وشعب مصر وكرامة مصر ودورها كقوة في المنطقة.
ـ وبعد محمد البوعزيزي, برمزيته
انتفاضة الشارع العفوية في تونس وما يجري في مصر من نزول شعب بكامله إلى الشارع, بكل الفئات العمرية, رجالا ونساء, وكل الشرفاء من قضاة ومحامين ومثقفين شرفاء. انضمت إليهم, دون أن تستطيع اخذ دور الريادة أو القيادة, أحزاب سياسية معارضة, وأخرى تريد حجز مكان لها بعد التغيير, بينت وكشفت كم هي مجرمة تلك الأنظمة الدكتاتورية الاستبدادية وأحزابها وزمرها وأتباعها. وكم هي مفلسة تلك الأحزاب المدعية المعارضة. كم هي تافهة الأفكار والتحليلات القادمة من مثقفي السلطة ومنظريها وتلك القادمة من المفكرين المترفين والمحللين وكم هم بحاجة ماسة لمن يحلل شخصياتهم ويقف على طبائعهم.
حين احرق محمد البوعزيزي نفسه, واحرق بعده الشارع التونسي والمصري المنتفضان في ثورة بعد طول ذل وقهر وجوع وحرمان, كل الأقنعة التي كانت تحجب مخازي المستبدين وأحزابهم ومثقفيهم, وأحزاب المعارضات التي لا تختلف سوءا وفسادا عمن كانت تدعي معارضتهم وتلعب لعبتهم السياسية في تحالفات ومهادنة ومراوغة مما أطال بعمر أنظمة الاستبداد وزادها شراسة وأحبط آمال الشعوب وأبعدها نهائيا عن السياسة. وكشف السياسات الانتهازية المنافقة للغرب المدعي مساندة حقوق الإنسان.
لم يفجر محمد البوعزيزي نفسه في غيره بحزام ناسف ليقتل الأبرياء ولم يفجرها في من يلاحقونه منتهكين كرامته ولقمة عيشه. لم يكن يبيع على عربته المدفوعة بقوته الذاتية كتبا أو منشورات وأراء تندد بالاستبداد والمستبدين. عربة على بساطتها غير متوفرة لكل الشبان, لم يكن يحلم بعمله هذا بالحور العيون في جنة تجري من تحتها الأنهار. لم يتدروش بلباس الأفغان وأزيائهم. لم يفجر سيارات مفخخة عن قرب أو بعد. لم يقم باغتيالات ومجازر. لم يقتل سياسيين أو مفكرين. لم يحمل السلاح. لم يكفر أحدا في بلده أو خارج حدوده. لم ينافق فيدعو للمستبدين علنا بطول العمر والتوفيق ويدعو عليهم سرا بالدمار والثبور.
يأس محمد وهو الجامعي المهان من الحياة فأحرق نفسه. ومن يأس محمد ويأس أجيال الشباب غير المسيس او المنتمي لأحزاب سياسية, ولدت ثورة الفتيان والفتيات. لم يفكروا بإحراق أنفسهم على طريقة محمد البوعزيزيي وإنما بإحراق الاستبداد "سلميا" والدكتاتورية وركائزها والظلم والفساد والرشاوى والمحسوبية.
شباب مصر كالشباب التونسي تجاوز الأحزاب السياسية ولم يسمح للعاجزين من مكوناتها, إطارات و "مناضلين", عن استيعاب حقائق عصرنا, و معرفة وسائل النضال والتغيير, من احتوائهم وتوجيههم. اسقطوا طروحات الأحزاب الاسلاموية والقومية القائمة وممارساتها العبثية والمدمرة منذ عقود طويلة, والتي لم تستطيع أن تفهم معنى وضرورة بناء الدولة الديمقراطية دولة المؤسسات وحقوق الإنسان, لأن تلك الأحزاب نفسها جزء من الاستبداد ومفاهيمه, ومن التخلف وأسبابه, وعقبة في وجه الحداثة والديمقراطية ودولة القانون, وغير صالحة للعيش في القرن الواحد والعشرين واخذ مكانة محترمة فيه.
ليست كل مطالب الشباب الثائر في تونس ومصر, والشباب المتطلع للثورة في الدول العربية الأخرى, لقمة عيش كما توهم زعماء الاستبداد الذين سارعوا هنا وهناك يُنزّلون منحا ومكرمات تتمثل في تخفيض أسعار بعض المواد الغذائية, و يغدقون الوعود الكاذبة, إلى حين مرور العاصفة, بإصلاحات قد تنقل فئات منهم من الفقر المدقع إلى نوع من الفقر المحمول.
لم يكن أي من هذه الأنظمة جادا أو قديرا على طرح إصلاحات حقيقية تعيد للإنسان كرامته وحريته وحق المواطنية الكاملة. وتجعله مصدر السلطة وصاحبها. فهذه أمور لا تستقيم مع الاستبداد وطبائعه, ولا تتحقق إلا بزواله وزوال رموزه وأدواته.
قد يقف قريبا المستبدون الطغاة أمام الملايين من أبناء شعوبهم المطالبة برحيلهم الوقفة الأخيرة لزين العابدين بن علي ولحسني مبارك ليقولوا بذل: لقد فهمناكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير