الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة -حرافيش- 25 يناير 2011 المصرية

شريف مليكة

2011 / 1 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


من ملحمة الحرافيش للكاتب المصري العالمي الراحل يقول لنا نجيب محفوظ: "في ظلمة الفجر العاشقة، في الممر العابر بين الموت والحياة، على مرأى من النجوم الساهرة، على مسمع من الأناشيد البهيجة الغامضة، طرحت مناجاة متجسدة للمعاناة والمسرات الموعودة لحارتنا."
"الشعب يريد إسقاط النظام"
هتافات انطلقت من ميادين القاهرة والإسكندرية وبعض المدن الرئيسية في مصر، تلبية لنداءات انتشرت عبر موجات الإنترنت وعبر مواقع الفيسبوك وتويتر، جمعت على إثرها عشرات الآلاف من شباب مصر ومثقفيها الذين نزلوا لأول مرة منذ عشرات السنوات إلى الشارع المصري للتعبير عن احتجاج عن وضع مصري خالص وليس للدفاع عن أهل غزة أو حزب الله أو شعب العراق أو أفغانستان، وليس تظاهرا إسلاميا للتنديد برسوم كاريكاتورية دانماركية، كما تعودنا أن نشهد عبر عشرات السنوات السابقة، ولكنها ثورة مصرية شعبية أصيلة شملت كل أطياف مصر بشتى توجهاتها السياسية والثقافية والدينية. نعم تعدت الثورة الشعبية حواجز الطبقات الاجتماعية، ونداءات الجامع الأزهر والكنيسة المصرية بطاعة أولي الأمر والرضوخ لإرادة الله لشعب مصر، معتبرين الظلم والقهر والفقر والجهل إنما إختبار إلهي لاكتشاف معدن هذا الشعب ومقدار قوة إيمانه ومدى صبره على ما يحيط به من ملمات.
"الشعب يريد إسقاط النظام"
لم يتوقع أحد أن تنجح دعوة خرجت عبر الإنترنت بأن تتجمع تلك الحشود على إثرها. قهقه المسئولين ساخرين من الفكرة، من مجرد الفكرة، ولكن يضحك كثيرا من يضحك أخيرا. وبتشجيع من الأنباء التي زحفت نحوهم من الغرب، عبر رمال الصحراء، من الجانب المقابل من شمال القارة الافريقية، من تونس الخضراء، الحمراء بفعل الثورة قبل إسبوعين، التي أطاحت بسلطة عسكرية مستبدة مثيلة، بدأت الجموع تتوافد إلى شوارع العاصمة وميادينها متزامنة مع مثيلاتها بشتى المدن الكبرى بطول وعرض السواحل وبكل ربوع مصر. وتوالت الأنباء عن تجمع عشرات الآلاف بشتى المدن. وبقى الرهان يتقلقل ما بين أجهزة الدولة، وما بين الشعب بجميع أطيافه على بقاء تلك النداءات تترد في الأيام التالية. ولكن على أي حال إلتزمت الحكومة والنظام وأجهزة الإعلام صمتا غريبا فاجأ الجميع. ودارت تساؤلات في الشارع: أين الحكومة؟ أين النظام؟ أين الرئيس الذي كان قد بادر بالحديث للشعب قبل أسابيع قليلة في أعقاب أحداث الاسكندرية الدامية، وبعدها في مناسبات متتالية، حتى بدأت الجموع في النزول للشارع، إلتزم مبارك وحاشيته صمتا مريبا. ثم علق رئيس مجلس الشورى صفوت الشريف متضاحكا بأن مطالب الشباب فوق رأسه!
"الشعب يريد إسقاط النظام"
تواصلت النداءات وتعالت الهتافات لتبعث برسالة بأن طلبات الشباب المصري ليست فوق رأس الشريف ولكنها ربما تطالب برأسه كله. الشريف لم يكن سوى رمز للنظام العسكري، القابع على كرسي السلطة لعشرات السنين، من رئاسة للمخابرات، ثم للإعلام، ثم لمجلس الشورى وأمانة الحزب الوطني الحاكم. ما هي مؤهلاته العبقرية التي تؤهله ليشغل كل تلك المناصب الحساسة ولأكثر من ثلاثين عام؟ وما الذي حجب عنه مطالب الشباب المصري حتى اليوم؟ واكتفى الإعلام المصري بالحديث عن تظاهرات الشعب المصري خلال نشراته الإخبارية المعتادة، وعبر برامجه الحوارية الجماهيرية الموجهة نحو تهدئة الأحوال وامتصاص جرعة الغضب الشعبي. ولكن الشعب كان قد خرج للشارع، وفوجئ بقوته الكامنة تتبلور أمامه هكذا، وتهز عرش القيادة المصرية بذلك القدر. قرر الشعب أن يستمر في الثورة إذن، وأن يبقى في الشارع حتى يتغير الواقع السياسي. عناصر الأمن والشرطة حاولت التصدي للمظاهرات بأقل قدر من الخسائر بسيطرة وضبط نفس تحسد عليها بالمقارنة بما عودتنا عليه من قبل في السنوات السبقة من بطش وتعذيب وترويع حتى أن جماعة "خالد سعيد" ـ الشاب الذي قتل على أيدي رجال الأمن بالاسكندرية ـ على الإنترنت، كانت بؤرة حركة الثورة في الأساس. ومضى اليوم الثاني والثالث والرابع، ومازال الصمت السياسي يراهن على أن تخبو شعلة الثورة. ولكن كان الرد الشعبي هو باستمرار البقاء في ميدان التحرير، يرددون الأغاني على نغمات العود ويتعهدون: باقون حتى يتغير النظام.
"الشعب يريد إسقاط النظام"
نداءات تملأ الجو بالتوتر: انتظرونا يوم "جمعة الغضب" بعد الصلاة. اتسعت دائرة الثورة الشعبية يوم الجمعة لتشمل هبة جماعة الإخوان المسلمين في شتى معاقلها المعروفة بجميع أراضي مصر ومدنها. وكانت هناك علامات فارقة بين أداء الثورة الشعبية قبل يوم الجمعة وأثنائها وبعدها. هبت جماعات من المتظاهرين بتدمير وإحراق مراكز الشرطة وعرباته والاستيلاء على أسلحتهم، كما تمت إشعال حرائق فى المباني العامة في القاهرة والاسكندرية والسويس وبعض المدن الأخرى. وهنا وبينما الصمت السياسي مايزال مطبقا، حدث أمر مريب؛ فقد صدر الأمر بسحب قوات الشرطة من شتى مدن الاضطرابات وبنزول الجيش إلى الشارع. حدثني قلبي بأن شيئ مروع في سبيله للوصول إلى الساحة، وانتابتني حالة من القلق الشديد والرعب، من انزلاق تلك الثورة الشعبية التي نزل خلالها أحمد ومحمود وجورج للشوارع والميادين، المنادية بإسقاط النظامن، وبزيادة فرص العمل للشباب، وبإعادة توزيع الثروة، وبمزيد من الديموقراطية الحقيقية، وبتلاحم حقيقي ما بين كافة أطياف الشعب المصري، إلى ثورة جياع، أو إلى ثورة إسلامية أصولية كما حدث في إيران وفي غزة والصومال من قبل. وأخيرا استيقظ النظام! ظهر مبارك على قنوات التليفزيون بعد منتصف الليل بتوقيت القاهرة، شاحب الوجه مضغم العبارات، وألقى بخطاب فارغ الفحوى، متعال فوق مطالب المتظاهرين بإسقاط النظام، وقرر هو إسقاط الحكومة! بدم بارد وجلد غليظ تجاهل مبارك نداءات الشباب وهو يقول بأنه يتفهم الشباب، في حين بدا يستجدي عطفهم وهو يذكرهم بأنه رئيس الحرب والسلام.
"الشعب يريد إسقاط النظام"
في اليوم التالي بدأت الصورة تتضح. عملية منظمة تخريبية تشمل المتحف المصري بالقاهرة، وبالإسكندرية، والإسماعيلية، وبالأقصر، بما ينتفي مع كونها ثورة جياع متوقعة، كما شهدنا من حالات سطو بمتاجر البقالات والمطاعم والمحال التجارية بالقاهرة وبني سويف والسويس والإسكندرية. إذن فهناك حركتان متوازيتان إستغلتا الغياب الأمني الواضح في النزول للشارع والنيل من نجاحات الثورة الشعبية. ومع الليل بدأت حملة من ترويع للسكان في بيوتهم فوق دراجات نارية تنتهك الشوارع تارة، أو سيارات شرطة مسروقة تارة أخرى، تؤكد بيات النية على الفوز ببعض المكاسب السريعة، أكاد أجزم بأنها خطوات كانت سابقة الإعداد، كانت تنتظر اللحظة المناسبة لتنقض علينا وتأتي بها. ولكني أتساءل هنا هل كان ذلك الغياب الأمني متعمد من جهة السلطة لترويع المواطنين ليهيبوا ببقائها، كما حدث قبل أسابيع بتونس؟ أم كان ذلك مجرد خلل في تنفيذ تغيير عملية حفظ الأمن المصري بعد انسحاب قوات الشرطة المنهوكة، وقدوم قوات الجيش التي لم تمارس النزول للشارع لأكثر من ثلاثين عام؟ أدى ذلك لأن ينزل الشباب المصري للشارع مرة أخرى، ليقف في جماعات مسلحة بالعصي والسكاكين، يحمي كل مسكنه وعرضه وماله. وبدأت السكينة والطمان يعمان.
"الشعب يريد إسقاط النظام"
وماذا بعد؟ لم يستجب الشعب لمحاولة إلتفاف مبارك حول مطلبه بتغيير النظام، بعملية تغيير وزارية. وفهم مبارك ذلك، فجاء بنائب للرئيس لأول مرة منذ توليه عام 1981 وبعد حلف السيد عمر سليمان للقسم قال له مبارك: "شد حيلك!". نعم سمعته يقولها فسعدت لأني أدركت عندها أن مبارك أتى بمن سيقوم بتولي زمام الحكم بعد أن يرحل، وإلا فما معنى أن يعين نائبا له اليوم بالذات والانتخابات الرئاسية على الأبواب. أدرك مبارك إن الشعب المصري لم يعد يكتفي بتعديل وزاري أو بتغيير أسماء. في محاولة لتأمين مستقبل مصر القريب عين مبارك نائبا له يتولي من بعده أمور البلاد على الأقل خلال الفترة الإنتقالية القادمة. ثم كلف صديقه المقرب ومرؤوسه في سلاح الطيران بالجيش المصري الفريق أحمد شفيق، برئاسة الوزارة الجديدة وباختيار وزراء لها، وأتوقع أن يغلب عليها الطابع العسكري بحسب قراءتي المتواضعة لعقلية الرئيس مبارك العسكرية، إستعدادا ـ مرة أخرى ـ لرحيله عن كرسي الحكم، وإن كنت لا أعتقد إنه سوف يرحل نهائياً عن مصر.
وأترككم مع كلمات الأستاذ نجيب محفوظ من ملحمة الحرافيش: "كانت معركة لم يسبق لها مثيل من حيث عدد من اشترك فيها، فالحرافيش أكثرية ساحقة، وفجأة تجمعت الأكثرية واستولت على النبابيت فاندفعت في البيوت والدور والوكالات رجفة مزلزلة. تمزق الخيط الذي ينتظم الأشياء وأصبح كل شيء ممكنا".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز