الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأزق ما يسمى ب-الدولة- في النظام العربي

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2011 / 1 / 31
السياسة والعلاقات الدولية


افرز واقع الاستقلال في النظام العربي الرسمي عن تنامي دور الدولة القطرية في النظام السياسي الإقليمي ، وعلى الرغم من الاختلافات الأيديولوجية والتنوع الواضح في أشكال نظم الحكم ، إلاّ أن التوافق في الأداء بقي الأشد وضوحاً في طبيعة العلاقة الرسمية لأنظمة الحكم ، ومهما كانت الرؤى والتصورات متقاطعة إلا أن الأهداف الكبرى بقيت تمثل وكأنها القاسم المشترك الذي يلتف حوله الجميع ، فيما نال الوطن العربي قسطه من التحديث والتنمية المحدودة ، التي تمثلت في نسج القطاعات والهيئات المتطلعة نحو ترتيب أهداف الإدارة العامة ، والتي بلغت من التخمة إلى الحد الذي باتت فيه البيروقراطية الرسمية تعلن عن هيمنتها وسيطرتها الواسعة.
والتركيز على الجانب السياسي ومحاولة تجميل وتحسين صورة النظام ، كانت السمة الطاغية التي طبعت الفعاليات الأساسية لدى العرب ، حتى كان التوجيه للطاقات والإمكانات يسعى نحو التجميل أكثر مما يتطلع نحو البناء الداخلي العميق. وهذا تحديداً ما يفصح عنه حالة التراجع في مجال الإنتاج والتوجه نحو استشراء ثقافة الاستهلاك والتي لم تتوقف عند الجانب السلعي فقط، بل غدت ظاهرة اجتماعية وسياسية تفرض قيمها وأنماطها على المواطن العربي.
الترهل الفاضح الذي تعاني منه –ولا زالت- مؤسسات الدولة العربية ، غدا الظاهرة الأشد وضوحاً الذي يطبع الجانب الرسمي ، حتى أن التوجهات التحديثية في مجال التعليم باتت تشكل العبء الأكبر ، مولدة مشاكل وتقاطعات اجتماعية بارزة بدءاً بأفواج العاطلين من المتعلمين الذين يعانون من الإحباط والقهر الاجتماعي ، وصولاً إلى حالة الانكفاء التي باتت تطبع توجهات الشباب والشابات في ظل المتطلبات الواسعة التي يفرزها المجتمع الاستهلاكي ، وحالة العوز التي تفرضها ضعف فرص العمل وتقطع الآمال وانكسار الأحلام على مطرقة الواقع ، حتى كانت النتيجة توجه العديد من هذه الفئة للانخراط في بعض التنظيمات السياسية ذات التوجهات المتطرفة ، إن كانت يسارية كما ظهرت في عقد السبعينات من القرن العشرين ، أو ذات طابع ديني كالتي تظهر في الواقع الراهن .
وفي البحث المحموم عن توفير المكانة وحشد جميع المقدرات نحو التميز وتثبيت معالم الشرعية، سعت الأنظمة العربية بمجملها نحو بناء مجتمعاتها ، إلاّ أن هذا البناء أبرز العديد من نقاط التماس شديدة التعقيد ، لا سيما فيما يتعلق بتعميق الاتجاه القطري وتكريس جانب العزلة والانقسام بين أبناء الأمة العربية الواحدة ، على الرغم من الحديث الذي لا ينقطع عن المصير والتاريخ المشتركين والوحدة العربية .
والأهداف العامة للدولة العربية واسعة وكبيرة ، بل وفضفاضة لا يمكن أن تكون بالحجم الحقيقي الذي يميز تلك المجتمعات ، لكن التوقف عندها بات الهم والهدف المنشود الذي لا يمكن الحياد عنه ، فيما تغيب الوسائل أو التطلع إلى مستوى الإنجاز ، هذا بحساب أن الأهم يقوم على الغايات والآمال ، وليس على ما هو واقعي. وبالخضوع إلى التهويم الذي زُرع في عقول المواطنين الذين صدقوا ملامح القداسة التي رسموها لأنفسهم ، كان التضييع لمعالم التصالح مع الواقع الذي غابت عنه التفاعلات الأصيلة والحقيقية.
وعلى الرغم من التطلع البارز الذي ميز توجهات الدولة القطرية ، لا سيما النموذج الثوري منها ، حول محاربة الفئات المستغلة والرفض القاطع لهيمنة أصحاب المصالح الذين هيمنوا على القطاعات الأساسية ، إلاّ أن التنامي والتراكم لمجال السلطة ، صار يفصح عن حدّة الاتجاه نحو توسيع مجال بروز الفئات الجديدة المرتبطة بالسلطة مباشرة ، والتي تكون في العادة من المقربين على الصعيد العائلي والعشائري أو حتى على صعيد الانضواءات والانتماءات الأيديولوجية ، حتى ليكون التفاوت الملفت ما بين الاستغراق في الشعارات والتداول المباشر للواقع ، الذي راح يفرز المزيد من نقاط الالتقاء بين ثوريي الأمس الذين كانوا يفاخرون بأصولهم المتواضعة وانتماءهم الصميم إلى أبناء الشعب العامل ، وهذه الحياة المترفة التي صاروا يعيشون في كنفها إلى الحد الذي يتجاوزن فيه حياة الملوك والأمراء .
تثبيت المصالح جعل من أمر الحوار والبحث عن المخرج ، أمراً بعيداً عن الإنجاز، وإذا كان تداوله يتم بشغف على صعيد الشعار ، فإن الحقيقة تفصح عن التقاطع المباشر مع هذه الهيمنة التي تظهر بأطوار وأشكال متنوعة ومختلفة. فالأزمة لا تتوقف عند أهمية العمل على إنجاز المؤسسات وجعلها عاملة في صلب الواقع الاجتماعي. ولا يقوم على غياب الرأسمال الوطني وإمكاناته في قيادة مشروع قوامه التفعيل والعمل على إنجاز المشروع الاقتصادي الذي يندمج في صميم الواقع الاجتماعي. بل إن الأمر يرتبط في هذا التحالف المريب بين المؤسسة الرسمية والفئات الخاصة والتي لا علاقة لها بأي نشاط اقتصادي ، وهذا ما يكشف عنه التاريخ المباشر لهذه الفئات التي سرعان ما ظهرت وتنامت في ظل ظهور الأنظمة العربية المعاصرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المستشار الألماني أولاف شولتس يتفقد أضرار الفيضانات بولاية س


.. العربية ترصد انتشال ضحايا القصف الإسرائيلي لمربعات سكنية في




.. الصين تروج لسياستها عبر مذيعي الذكاء الاصطناعي


.. دراسة: صيف 2023 كان الأكثر سخونة منذ 2000 عام.. والحرارة مست




.. إسرائيل تضطر لاستدعاء فرقة -تشكيل النار- مجدداً للقتال في جب